ص ( وإن أبرأ فلانا مما له قبله أو من كل حق أو أبرأه برئ مطلقا ومن القذف والسرقة )
ش : قال في النوادر في كتاب الإقرار في ترجمة ومن كتاب الإقرار بالمجهول : ومن أقر أنه لا حق له قبل فلان ، فهو جائز عليه وفلان بريء في إجماعنا من كل قليل وكثير دينا أو وديعة أو عارية أو كفالة أو غصبا أو قرضا أو إجارة أو غير ذلك ، ثم قال بعد أسطر من هذه الترجمة وإن أقر أنه لا حق له قبل فلان ، ثم ادعى قبله قذفا أو سرقة فيها قطع ، وأقام بينة فلا يقبل ذلك إلا أن تقول البينة إنه جعله بعد البراءة ، وإن أقر أنه لا حق له قبله ، فليس له أن يطلبه بقصاص ولا حد ولا أرش ولا كفالة بنفس ولا بمال ولا دين ولا مضاربة ولا شركة ولا ميراث ولا دار ولا أرض ولا رقيق ولا شيء من الأشياء من عروض وغيرها إلا ما يستأنف بعد البراءة في إجماعنا انتهى . ابن سحنون
وقال قبله قال سحنون : في بعض أقاويله : إذا قال : فلان بريء من كل حق لي عليه أو قال مما لي عليه أو مما لي عنده أو قال لا حق لي قبله فذلك كله سواء وهو بريء من كل شيء من أمانة أو ضمان قال محمد : وأنا أستحسن قوله هو بريء من حقه قبله ، ولم يقل من جميع حقه ، ثم قال أنا بريء من بعض حقي وبقي البعض ، فلا يصدق والبراءة جائزة في إجماعنا في جميع حقه انتهى . وهو معنى ما أشار إليه المصنف ومثل ذلك إذا قال : وهذا آخر حق لي عليه قال في النوادر من كتاب الأقضية قال محمد بن عبد الحكم وإذا شهدت بينة لرجل أن فلانا أبرأه من جميع الدعاوى وأنه أخر كل حق له مطلب من جميع المعاملات ، ثم أراد أن يستحلفه بعد ذلك ، وادعى أنه قد غلط أو نسي ، فليس ذلك له ، وكذلك إن شهد عليه بذكر حق مسمى ، وفي الكتاب أنه لم يبق له عليه ، ولا قبله حق ، ولا عنده أو شهدوا له أنه لم يبق بينه وبينه معاملة غير ما في هذا الكتاب ، فليس له بعد ذلك أن يستحلفه على غير ذلك يريد مما قبل تاريخ الكتاب ، وكذلك لو قال الذي أقر بالحق ليس هذا الذي أديت علي وغلطت في الحساب فليس له أن يحلف رب الحق على ذلك ، ولو كان له ذلك ما نفعت البراءة ولا انقطعت المعاملة .
( تنبيهات الأول ) : ذكر صاحب الطراز في ترجمة مبارأة الوصي عن اليتيمة ما يخالف ما نقله صاحب النوادر والمؤلف ونصه انظر لو انعقد بين شخصين أنه لم يبق لواحد منهما دعوى ولا حجة ولا يمين ولا علقة بوجه من الوجوه كلها قديمها وحديثها ، ثم قام أحدهما على صاحبه بحق قبل تاريخ الإشهاد المذكور ، وثبت ببينة أنه يأخذه صاحبه به ، ولا يضره الإشهاد ; لأن ظاهر الإشهاد المذكور لم يقصدا فيه لإسقاط البينة قاله ابن عتاب قال البرزلي فعلى هذا يفتقر إلى ذكر إسقاط البينة الحاضرة والغائبة في السر والإعلان ومن أقام منهما بينة ، فهي زور وإفك لا عمل عليها انتهى من آخر مسائل الأنكحة من مختصر البرزلي وما قاله خلاف المشهور انظر نوازل ابن الحاج ( الثاني ) ظاهر كلام المؤلف بل صريحه وظاهر كلام المازري الذي نقله ابن غازي أن الإبراء يشمل الأمانات وهي معينات وفي كلام القرافي في الذخيرة ما يقتضي مخالفة ذلك ونصه في آخر كتاب الدعاوى تنبيه : الإبراء من المعين لا يصح بخلاف الدين فلا يصح برأتك من داري التي تحت يدك ; لأن الإبراء الإسقاط والمعين لا يسقط نعم يصح فيه الهبة ونحوها انتهى ، وهو كلام ظاهر في نفسه إلا أن المراد من قول القائل أبرأتك من داري التي تحت يدك أي أسقطت مطالبتي بها ولا شك أن المطالبة تقتضي الإسقاط ، فالكلام على حذف مضاف فتأمله مع أن ما ذكره القرافي خلاف ما صرح به ابن عبد السلام في أول كتاب الصلح من الإسقاط في المعين وأن لفظ الإبراء أعم منه ; لأنه يطلق على [ ص: 233 ] المعين وغيره فراجعه وتأمله والله أعلم .
( الثالث ) : قول المؤلف برئ مطلقا يحتمل أن يريد سواء كان الذي أبرأه منه معلوما أو مجهولا كما قال في باب الوكالة وأبرأ وإن جهله الثلاثة وفي المذهب مسائل لا يفسدها الجهل وانظر كلام ابن رشد المشار إليه عند كلام المصنف في الوكالة قال القرافي في باب الحمالة نظائر قال العبدي يجوز المجهول في الحمالة والهبة زاد غيره الوصية والبراءة من المجهول والصلح والخلع والصداق في النكاح والصدقة والقراض والمساقاة والمغارسة فتكون إحدى عشرة مسألة .
( الرابع ) : ما ذكره ابن عرفة عن ابن رشد من أن لفظة عندي تقتضي الأمانة ولفظة عليه تقتضي الذمة نقل مثله في المسائل الملقوطة عن الغرناطي ونصه ومن برئ من الحقوق الواجبة من الضمانات والديون وإن أقر أنه لا حق له عنده برئ من الضمانات والأمانات انتهى . من وثائق أقر لرجل أنه لا حق له عليه عنده أبي إسحاق الغرناطي .
( فروع الأول ) : إذا عمم المبارآت بعد عقد الخلع فأفتى ابن رشد أنه راجع لجميع الدعاوى كلها مما تتعلق بالخلع أو بغيره وأفتى غيره بأنه يرجع إلى أحكام الخلع خاصة ذكره البرزلي في مسائل الخلع وهي في نوازل ابن رشد من مسائل الطلاق ، وذكرتها في الباب الأول من كتاب الالتزام الذي ألفته ( الثاني ) قال البرزلي في أثناء مسائل الأقضية والشهادات ناقلا له عن تعليقة التونسي ما نصه وهو أن رجلا قام بعقد استرعاء وطلب إثباته على رجل فقال : هذا الرجل إنه ساقط عني بإشهاد هذا القائم على نفسه بقطع دعواه عني ، وإن كل بينة مسترعاة قديمة أو حديثة فهي ساقطة ، فقال القائم إني لم أفهم هذه الوثيقة المنعقدة بيني وبينك ، وهي معقودة على الكمال جوابها إن شهد بها ، فإنها تمضي على القائم ، فإن قوله لم أفهمها إبطال لها ، وتزوير لشهودها ، وهذا باب عظيم إن فتح للخصام بطلت به حقوق كثيرة وبينات محققة ، وسد هذا الباب واجب انتهى ، ويشهد لما قاله مسائل متعددة من نوازل ابن رشد والله أعلم .
( الثالث ) قال البرزلي في أواخر مسائل الوكالات : مسألة ، وإنما يبرئ عنه في المعينات ، وكذلك المحجور يقرب رشده لا يبرئه إلا من المعينات ، ولا تنفعه المبارأة العامة حتى يطول رشده كستة أشهر فأكثر ونص عليه لا يجوز للوصي أن يبرئ عن المحجور البراءة العامة المتيطي ومن هذا لا يبرئ القاضي الناظر في أحباس المبارآت العامة وإنما يبرئه من المعينات وإبراؤه عموما جهل من القضاة ، وقد رأيت ذلك لقاض يزعم المعرفة ، ولا يعلم صناعة القضاء ، وكذلك رأيت تقديم قاض آخر لناظر في حبس معين ، وجعل بيده من ذلك النظر التام العام وجعله مصدقا في كل ما يتولى دخله وخرجه دون بينة لثقته بالقيام به ، وهذا أيضا جهل ; لأن أحوال الأحباس كأموال الأيتام ، وقد قال تعالى { فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم } يقول لئلا تضمنوا ويقول الآخر لئلا تحلفوا فعلى كل حال لا يصرف الأمر إليهم على حد ما يصرفه الإنسان في مال نفسه إذ ليس له تصرف إلا على وجه النظر فهو محجور عن التصرف التام انتهى .