ثم دخلت سنة ستين ومائة
ذكر خروج يوسف البرم
في هذه السنة خرج يوسف بن إبراهيم ، المعروف بالبرم ، بخراسان ، منكرا هو ومن معه على المهدي سيرته التي يسير بها ، واجتمع معه بشر كثير ، فتوجه إليه يزيد بن مزيد الشيباني ، وهو ابن أخي معن بن زائدة ، فلقيه فاقتتلا ، حتى صارا إلى المعانقة ، فأسره يزيد بن مزيد ، وبعث به إلى المهدي ، وبعث معه وجوه أصحابه ، فلما بلغوا النهروان حمل يوسف على بعير ، قد حول وجهه إلى ذنبه ، وأصحابه مثله ، فأدخلوهم الرصافة على تلك الحال ، وقطعت يدا يوسف ورجلاه ، وقتل هو وأصحابه ، وصلبوا على الجسر .
وقد قيل إنه كان حروريا ، وتغلب على بوشنج وعليها مصعب بن زريق ، جد طاهر بن الحسين ، فهرب منه ، وتغلب أيضا على مرو الروذ ، والطالقان ، والجوزجان ، وقد كان من جملة أصحابه أبو معاذ الفريابي ، فقبض معه . ذكر خلع عيسى بن موسى وبيعة موسى الهادي
كان جماعة من بني هاشم وشيعة المهدي قد خاضوا في خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد ، والبيعة لموسى الهادي بن المهدي ، فلما علم المهدي بذلك سره ، وكتب إلى عيسى بن موسى بالقدوم عليه ، وهو بقرية الرحبة ، من أعمال الكوفة .
فأحس عيسى بالذي يراد منه ، فامتنع من القدوم ، فاستعمل المهدي على الكوفة روح بن حاتم ، للإضرار به ، فلم يجد روح إلى الإضرار به سبيلا ، لأنه كان لا يقرب البلد إلا كل جمعة أو يوم عيد .
وألح المهدي عليه وقال له : إنك إن لم تجبني إلى أن تنخلع من ولاية العهد لموسى استحللت منك بمعصيتك ما يستحل من أهل المعاصي ، وإن أجبتني عوضتك ، فوجه إليه المهدي عمه العباس بن محمد برسالة وكتاب يستدعيه ، فلم يحضر معه .
فلما عاد العباس ، وجه المهدي إليه أبا هريرة محمد بن فروخ القائد في ألف من أصحابه ذوي البصائر في التشيع للمهدي ، وجعل مع كل واحد منهم طبلا ، وأمرهم أن يضربوا طبولهم جميعا عند قدومهم إليه ، فوصلوا سحرا ، وضربوا طبولهم ، فارتاع عيسى روعا شديدا ، ودخل عليه أبو هريرة ، وأمره بالشخوص معه . ( فاعتل بالشكوى ، فلم يقبل منه وأخذه معه ) .
فلما قدم عيسى بن موسى نزل دار محمد بن سليمان في عسكر المهدي فأقام أياما يختلف إلى المهدي ولا يكلم بشيء ، ولا يرى مكروها ، فحضر الدار يوما قبل جلوس المهدي فجلس في مقصورة للربيع ، وقد اجتمع شيعة رؤساء المهدي على خلعه ، فثاروا به وهو في المقصورة ، فأغلق الباب دونهم ، فضربوا الباب بالعمد حتى هشموه ( وشتموا عيسى أقبح الشتم ) وأظهر المهدي إنكارا لما فعلوه ، فلم يرجعوا ، فبقوا في ذلك أياما إلى أن كاشفه أكابر أهل بيته ، وكان أشدهم عليه محمد بن سليمان .
وألح عليه المهدي ، فأبى ، وذكر أن عليه أيمانا في أهله وماله ، فأحضر له من القضاة والفقهاء عدة ، منهم : محمد بن عبد الله بن علاثة ، ومسلم بن خالد الزنجي ، فأفتوه بما رأوا ، فأجاب إلى خلع نفسه ، فأعطاه المهدي عشرة آلاف ألف درهم ، وضياعا بالزاب وكسكر ، وخلع نفسه لأربع بقين من المحرم ، وبايع للمهدي ولابنه موسى الهادي .
ثم جلس المهدي من الغد ، وأحضر أهل بيته ، وأخذ بيعتهم ، ثم خرج إلى الجامع ، وعيسى معه ، فخطب الناس ، وأعلمهم بخلع عيسى والبيعة للهادي ، ودعاهم إلى البيعة ، فسارع الناس إليها ، وأشهد على عيسى بالخلع .
فقال بعض الشعراء :
كره الموت أبو موسى وقد كان في الموت نجاة وكرم خلع الملك وأضحى ملبسا
ثوب لؤم ما ترى منه القدم
( الرحبة بضم الراء قرية عند الكوفة ، وصبح : بضم الصاد المهملة ، وكسر الباء الموحدة ) . ذكر فتح مدينة باربد
كان المهدي قد سير ، سنة تسع وخمسين ومائة ، جيشا في البحر ، وعليهم عبد الملك بن شهاب المسمعي إلى بلاد الهند في جمع كثير من الجند والمتطوعة ، وفيهم الربيع بن صبيح ، فساروا حتى نزلوا على باربد ، فلما نازلوها حصروها من نواحيها .
وحرض الناس بعضهم بعضا على الجهاد ، وضايقوا أهلها ، ففتحها الله عليهم هذه السنة عنوة واحتمى أهلها بالبد الذي لهم ، فأحرقه المسلمون عليهم ، فاحترق بعضهم ، وقتل الباقون ، واستشهد من المسلمين بضعة وعشرون رجلا ، وأفاءها الله عليهم .
فهاج عليهم البحر ، فأقاموا إلى أن يطيب ، فأصابهم مرض في أفواههم ، فمات منهم نحو من ألف رجل فيهم الربيع بن صبيح ، ثم رجعوا .
فلما بلغوا ساحلا من فارس يقال له بحر حمران عصفت بهم الريح ليلا ، فانكسر عامة مراكبهم ، فغرق البعض ، ونجا البعض .
قيل : وفيها جعل أبان بن صدقة كاتبا لهارون الرشيد ووزيرا له .
وفيها عزل أبو عون عن خراسان عن سخطة ، واستعمل عليها معاذ بن مسلم .
وفيها غزا ثمامة بن [ الوليد ] العبسي الصائفة ، وغزا الغمر بن العباس الخثعمي بحر الشام . ذكر رد نسب آل أبي بكرة وآل زياد
وفي هذه السنة أمر المهدي برد نسب آل أبي بكرة من ثقيف إلى ولاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وسبب ذلك أن رجلا منهم رفع ظلامته إلى المهدي ، وتقرب إليه [ فيها ] بولاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له المهدي : إن هذا نسب ما يقرون به إلا عند الحاجة والاضطرار إلى التقرب إلينا .
فقال له : من جحد ذلك يا أمير المؤمنين ، فإنا سنقر ، وأنا أسألك أن تردني ومعشر آل أبي بكرة إلى نسبنا من ولاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأمر بآل زياد فيخرجوا من نسبهم الذي ألحقوا به ، ورغبوا عن قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " أن الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، ويردوا إلى عبيد في موالي ثقيف " .
فأمر المهدي برد آل أبي بكرة إلى ولاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتب فيه إلى محمد بن موسى بذلك ، وأن من أقر منهم بذلك ترك ماله بيده ، ومن أباه اصطفى ماله .
فعرضهم ، فأجابوا جميعا إلا ثلاثة نفر ، وكذلك أيضا أمر برد نسب آل زياد إلى عبيد . ( وأخرجهم من قريش ) .
فكان الذي حمل المهدي على ذلك ، مع الذي ذكرناه ، أن رجلا من آل زياد قدم عليه يقال له الصغدي بن سلم بن حرب بن زياد ، فقال له المهدي : من أنت ؟ فقال : ابن عمك . فقال : أي بني عمي أنت ؟ فذكر نسبه ، فقال المهدي : يا ابن سمية الزانية ! متى كنت ابن عمي ؟ وغضب وأمر به ، فوجئ في عنقه وأخرج .
وسأل عن استلحاق زياد ، ثم كتب إلى العامل بالبصرة بإخراج آل زياد من ديوان قريش والعرب ، وردهم إلى ثقيف ، وكتب في ذلك كتابا بالغا ، يذكر فيه استلحاق زياد ، ومخالفة حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه فأسقطوا من ديوان قريش ، ثم إنهم بعد ذلك رشوا العمال ، حتى ردهم إلى ما كانوا عليه .
فقال خالد النجار :
إن زيادا ونافعا وأبا بكرة عندي من أعجب العجب
ذا قرشي كما يقول وذا مولى وهذا بزعمه عربي
وفي هذه السنة توفي عبيد الله بن صفوان الجمحي ، أمير المدينة ، واستعمل عليها مكانه محمد بن عبد الله الكثيري ، ثم عزل واستعمل مكانه زفر بن عاصم الهلالي ، وجعل على القضاء عبد الله بن محمد بن عمران الطلحي .
خروج عبد السلام الخارجي بنواحي الموصل
وفيها خرج عبد السلام الخارجي بنواحي الموصل .
عزل بسطام بن عمرو عن السند
وفيها عزل بسطام بن عمرو عن السند ، واستعمل عليها روح بن حاتم .
من حج في هذه السنة
وحج بالناس هذه السنة المهدي ، واستخلف على بغداذ ابنه موسى وخاله يزيد بن منصور ، واستصحب معه جماعة من أهل بيته ، وابنه هارون الرشيد ، وكان معه يعقوب بن داود ، فأتاه بمكة بالحسن بن إبراهيم بن عبد الله العلوي الذي كان استأمن له ، فوصله المهدي وأقطعه .
نزع المهدي كسوة الكعبة
وفيها نزع المهدي كسوة الكعبة وكساها ( كسوة جديدة ، وكان سبب نزعها أن حجبة الكعبة ) ذكروا له أنهم يخافون على الكعبة أن تتهدم لكثرة ما عليها من الكسوة ، فنزعها .
وكانت كسوة هشام بن عبد الملك من الديباج الثخين ، وما قبلها من عمل اليمن ، وقسم مالا عظيما ، وكان معه من العراق ثلاثون ألف ألف درهم ، ووصل إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار ، ومن اليمن مائتا ألف دينار ، ففرق ذلك كله ، وفرق مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب ، ووسع مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأخذ خمسمائة من الأنصار يكونون حرسا له بالعراق ، وأقطعهم بالعراق ، وأجرى عليهم الأرزاق .
وحمل إليه محمد بن سليمان الثلج إلى مكة ، وكان أول خليفة حمل إليه الثلج إلى مكة ، ورد المهدي على أهل بيته وغيرهم وظائفهم التي كانت مقبوضة عنهم .
وكان على البصرة ، وكور دجلة ، والبحرين ، وعمان ، وكور الأهواز ، وفارس ، محمد بن سليمان ، وعلى خراسان معاذ بن مسلم .
بعث عبيد الله بن عثمان وتمام بن علقمة إلى شقنا
وفيها أرسل عبد الرحمن الأموي بالأندلس أبا عثمان عبيد الله بن عثمان ، وتمام بن علقمة ، إلى شقنا ، فحاصراه شهورا بحصن شبطران ، وأعياهما أمره ، فقفلا عنه .
ثم إن شقنا ، بعد عودهما عنه ، خرج من شبطران إلى قرية من قرى شنت برية راكبا على بغلته التي تسمى الخلاصة ، فاغتاله أبو معن وأبو خزيم ، وهما من أصحابه ، فقتلاه ، ولحقا بعبد الرحمن ، ومعهما رأسه ، فاستراح الناس من شره .