الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر  

            آدم بن أبي إياس

            آدم بن أبي إياس ، [واسم] أبي إياس: ناهية .

            وقال البخاري: هو: آدم بن عبد الرحمن بن محمد يكنى أبا الحسن .

            مولى ، أصله من خراسان ، ونشأ ببغداد ، ودخل إلى البلاد ، وسمع من شعبة والليث ، وخلق كثير ، وكان من العلماء الثقات الصالحين ، واستوطن عسقلان .

            وتوفي بها في هذه السنة .

            قال : أبو علي المقدمي لما حضرت آدم بن [أبي] إياس الوفاة ختم القرآن وهو مسجى ،  ثم قال: بحبي لك إلا رفقت بي في هذا المصرع ، كنت أؤملك لهذا اليوم ، كنت أرجوك لهذا ، ثم قال : لا إله إلا الله ، ثم قضى .

            أبو سعيد العامري البلخي

            خلف بن أيوب ، أبو سعيد العامري البلخي .

            فقيه أهل بلخ وزاهدهم ، أخذ الفقه عن أبي يوسف ، وابن أبي ليلى . والزهد عن إبراهيم بن أدهم .

            وسمع الحديث من عوف بن أبي جميلة ، وإسرائيل ، ومعمر ، وغيرهم ، روى عنه: أحمد ، ويحيى ، وأبو كريب .

            يقول: أبا بكر محمد بن عبد العزيز المذكر

            سمعت أبا عمرو محمد بن علي الكندي يقول: سمعت مشايخنا يذكرون أن السبب [في] إثبات ملك آل ساسان أن أسد بن نوح خرج إلى المعتصم ، وكان أسد حسن المنظر شجاعا عالما فصيحا عاقلا فتعجبوا من حسنه وجماله وفصاحته . فقال له أمير المؤمنين: هل في بيتك أشجع منك؟ قال: لا . قال: فهل في بيتك أعقل منك؟ قال: لا . فلم يعجب الخليفة ذلك منه ، فدخل عليه بعد ذلك فسأله مثل تلك المسألة ، فأجابه بمثل ذلك الجواب ، فلم يعجبه ، ثم إنه كرر عليه السؤال فأجابه بمثله ، فقال: يا أمير المؤمنين ، هلا قلت ولم ذاك؟ قال: ويحك! ولم ذلك ؟ قال: لأنه ليس في أهل بيتي أحد وطئ بساط الخليفة وشاهد طلعته ، وقابله بالمسألة التي قابلني بها ورضي خلقه وخلقه غيري ، فأنا أفضلهم إذا! فاستحسن أمير المؤمنين ذلك منه فتمكن موقعه لديه ، ثم إنه خيره بين أعمال كور خراسان فاختار منها ولاية بلخ ونواحيها ، فلما ورد بلخ بعهد أمير المؤمنين كان يتولى الخطبة بنفسه ، ثم إنه سأل عن علماء بلخ هل فيهم من لم يقصده . قالوا: نعم ، خلف بن أيوب أعلم أهل الناحية وأزهدهم وأورعهم وهو يتجنب السلطان ، ولا سبيل إليه في اختلافه إلى السلاطين ، فاشتهى أسد بن نوح لقاءه ، فوكل بعض أصحاب الأخبار بخلف بن أيوب ، وقال: إذا كان يوم الجمعة فراقب خلفا ، فإذا خرج من بيته ، فبادر إلي وعرفني ، فذهب صاحب الخبر فراقب خلف بن أيوب حتى خرج من بيته يقصد الجمعة ، فبادر وأخبره ، [فركب] فلما استقبله نزل عن دابته وقصد خلفا ، فلما رآه خلف قد قصده قعد مكانه ، وغطى وجهه بردائه ، فقال: السلام عليكم . فأجابه جوابا مشفيا ، فسلم المرة الثانية ، فأجاب ولم يرفع رأسه ، فرفع أسد بن نوح رأسه إلى السماء ، ثم قال: اللهم إن هذا العبد الصالح يبغضنا فيك ، ونحن نحبه فيك ، ثم ركب ومر ، فأخبر بعد ذلك أن خلف بن أيوب مرض فذهب إليه يعوده ، فقال [له:] هل لك من حاجة؟ قال: نعم . قال: وما هي؟ قال : حاجتي أن لا تعود إلي وإذا مرضت . قال : وهل غير ذلك؟ قال: إن مت فلا تصل علي وعليك السواد ، قال: فلما توفي خلف شهد [أسد] بن نوح جنازته راجلا ، فلما بلغ المصلى نزع السواد وتقدم فصلى عليه ، فسمع صوتا بالليل: بتواضعك وإجلالك لخلف بن أيوب ثبتت الدولة في عقبك ، ولا تنقطع أبدا .

            وفي رواية أخرى: أن أسدا رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام كأنه يقول له: يا أسد بن نوح ، ثبت ملكك وملك بيتك بإجلالك لخلف بن أيوب .

            أبو أيوب الهاشمي

            سليمان بن داود بن داود بن علي بن عبد الله بن العباس ، أبو أيوب الهاشمي .

            كان داود بن علي قد مات وابنه حمل ، فلما ولد سموه باسمه داود ، وسمع سليمان عبد الرحمن بن أبي الزياد ، وإبراهيم بن سعد ، وسفيان بن عيينة ، وغيرهم . وروى عنه: أحمد بن حنبل ، وإبراهيم الحربي ، وكان ثقة .

            قال الشافعي: ما رأيت أعقل من رجلين: أحمد بن حنبل ، وسليمان بن داود الهاشمي .

            وقال أحمد بن حنبل: لو قيل لي اختر للأمة رجلا أستخلفه عليهم استخلفت سليمان بن داود الهاشمي .

            توفي سليمان في هذه السنة . وقيل: في سنة تسع عشرة .

            عفان بن مسلم أبو عثمان الصفار

            عفان بن مسلم أبو عثمان الصفار ، [البصري] ، مولى عزرة بن ثابت الأنصاري .

            ولد سنة أربع وثلاثين ومائة ، وحدث عن شعبة ، والحمادين ، وخلق كثير . روى عنه: أحمد ، ويحيى ، وابن المديني ، وغيرهم ، وكان إماما ثقة ، صاحب سنة وورع ، ضمن له عشرة آلاف دينار على أن يقف عن تعديل رجل ، ولا يقول عدل ولا غير عدل ، فأبى وقال: لا أبطل حقا من الحقوق . وابتلي في المحنة فلم يجب .

            يقول: إبراهيم بن الحسين ديزيل لما دعي عفان للمحنة كنت آخذا بلجام حماره فلما حضر عرض عليه القول فامتنع أن يجيب ، فقيل له: يحبس عطاؤك قال: وكان يعطى في كل شهر ألف درهم فقال: وفي السماء رزقكم وما توعدون قال: فلما رجع [إلى داره] عذله نساؤه ومن في داره ، وكان في داره نحو أربعين إنسانا ، قال: فدق عليه داق الباب ، فدخل رجل شبهته بسمان أو زيات ، ومعه كيس فيه ألف درهم ، فقال: يا أبا عثمان ، ثبتك الله كما ثبت هذا الدين ، وهذا [لك] في كل شهر .

            توفي أبو عثمان في هذه السنة . وقيل: في سنة تسع عشرة ، ولا يصح .

            فتح الموصلي ، أبو نصر

            فتح الموصلي ، أبو نصر .

            ورد بغداد زائرا لبشر الحافي .

            حدثنا أبو نصر ابن أخت بشر الحافي قال: كنت يوما واقفا ببابنا ، إذ أقبل رجل ثائر الرأس ، ملتف بالعباء ، فقال لي: بشر في البيت؟ قلت: نعم ، قال: ادخل فقل له فتح بالباب . فدخلت فقلت: يا خال ، شيخ في عباء قال لي: قل لبشر فتح بالباب ، فخرج مسرعا فصافحه واعتنقه ، فقال له الشيخ: يا أبا نصر ، ذكرتك البارحة واشتقت [إلى لقائك] قال: فدفع إلي درهما ، فقال: خذ بأربعة دوانيق خبزا ويكون جيدا وبدانقين تمرا ، فقال الشيخ : قل له: يكون سهريزا فجئته به . فقال الشيخ: قل له يأكل معنا [فقال: كل معنا] فأكلت معهم ، فلما أكلت أخذ ما فضل في طرف العباء ومضى ، فخرج خالي معه فشيعه إلى باب حرب ، فلما رجع قال لي: [يا بني] ، تدري من هذا؟ قلت: لا . قال: هذا فتح الموصلي .

            وفي رواية أخرى : أن بشرا قال: تدرون لم حمل باقي الطعام؟ قالوا: لا . قال: إذا صح التوكل لم يضر الحمل .  

            [وقد ذكرنا فتحا الموصلي في سنة سبعين ومائة ، وذاك آخر] .

            محمد بن علي بن موسى بن جعفر

            محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أبو جعفر [رضوان الله عليهم] .

            ولد سنة مائة وخمس وتسعين ، وقدم من المدينة إلى بغداد وافدا على المعتصم ومعه امرأته أم الفضل بنت المأمون ، وكان المأمون قد زوجه إياها وأعطاه مالا عظيما ، وذلك أن الرشيد كان يجري على علي بن موسى بن جعفر في كل سنة ثلاثمائة ألف درهم ولنزله عشرين ألف درهم في كل شهر ، فقال المأمون لمحمد بن علي بن موسى: لأزيدك على مرتبة أبيك وجدك . فأجرى له ذلك ، ووصله بألف ألف درهم . وقدم بغداد فتوفي بها يوم الثلاثاء لخمس ليال خلون من ذي الحجة في هذه السنة ، وركب هارون بن المعتصم وصلى عليه ، ثم حمل ودفن في مقابر قريش عند جده موسى بن جعفر ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وثلاثة أشهر ، واثنى عشر يوما ، وحملت امرأته إلى قصر المعتصم فجعلت في جملة الحرم .

            وبلغنا عن بعض العلويين أنه قال: كنت أهوى جارية بالمدينة ، وتقصر يدي عن ثمنها ، فشكوت ذلك إلى محمد بن علي بن موسى الرضا ، فبعث فاشتراها سرا ، فلما بلغني أنها بيعت ولم أعلم أنه اشتراها زاد قلقي فأتيته فأخبرته ببيعها فقال: من اشتراها؟ قلت: لا أعلم ، قال: فهل لك في الفرجة؟ قلت: نعم . فخرجنا إلى قصر له عنده ضيعه فيها نخل وشجر ، وقد قدم إليه فرشا وطعاما ، فلما صرنا إلى الضيعة أخذ بيدي ودخلنا ، ومنع أصحابه من الدخول ، وأقبل يقول لي : بيعت فلانة ولا تدري من اشتراها؟ فأقول: نعم وأبكي ، حتى انتهى إلى بيت على بابه ستر ، وفيه جارية جالسة على فرض له قيمة ، فتراجعت ، فقال: والله لتدخلن ، فدخلت ، فإذا الجارية التي كنت أحبها بعينها ، فبهت وتحيرت ، فقال: أفتعرفها ؟ قلت: نعم ، قال: هي لك مع الفرش والقصر والضيعة [والغلة] والطعام ، وأقم بحياتي معها ، وابلغ وطرك في التمتع بها ، وخرج إلى أصحابه فقال: أما طعامنا فقد صار لغيرنا فجددوا لنا طعاما ، ثم دعا الأكار فعوضه عن حقه من الغلة حتى صارت لي تامة ثم مضى . وفيها توفي من الأعيان :

            عبد الله بن رجاء .

            وقالون .

            أحد مشاهير القراء .

            وأبو حذيفة النهدي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية