وفي سنة أربع وخمسين ومائتين أمر الخليفة المعتز بقتل بغا الشرابي وكان سبب قتله أنه كان يحرض المعتز على المسير إلى بغداد ، والمعتز يأبى ذلك ويكرهه ، فاتفق أن بغا اشتغل بتزويج ابنته من صالح بن وصيف ، فركب المعتز ومعه أحمد بن إسرائيل إلى كرخ سامرا ، إلى بايكباك التركي ومن معه من المنحرفين عن بغا . مقتل بغا الشرابي
وكان سبب انحرافه عنه أنهما كانا على شراب لهما ، فعربد أحدهما على الآخر ، فاختفى بايكباك من بغا ، فلما أتاه المعتز اجتمع معه أهل الكرخ وأهل الدور ، ثم أقبلوا مع المعتز إلى الجوسق بسامرا ، وبلغ ذلك بغا ، فخرج في غلمانه وهم زهاء خمسمائة إنسان من ولده وقواده ، فسار إلى السن ، فشكا أصحابه بعضهم إلى بعض ما هم فيه من العسف ، وأنهم خرجوا بغير مضارب ولا ما يلبسونه في البرد ، وأنهم في شتاء ، فأتاه بعض أصحابه ، وأخبره بقولهم ، فقال : دعني حتى أنظر الليلة .
فلما جن عليه الليل ركب في زورق ، ومعه خادمان وشيء من المال الذي صحبه ، وكان قد صحبه تسع عشرة بدرة دنانير ، ومائة بدرة دراهم ، ولم يحمل معه سلاحا ، ولا سكينا ، ولا شيئا ، ولم يعلم به أحد من عسكره .
وكان المعتز ، في غيبة بغا ، لا ينام إلا في ثيابه وعليه السلاح ، فسار بغا إلى الجسر في الثلث الأول من الليل ، فبعث الموكلون بالجسر ينظرون من هو ، فصاح بالغلام ، فرجع ، وخرج بغا في البستان الخاقاني ، فلحقه عدة من الموكلين ، فوقف لهم بغا ، وقال : أنا بغا ، إما أن تذهبوا معي إلى صالح بن وصيف ، وإما أن تصيروا معي حتى أحسن إليكم ، فتوكل به بعضهم ، وأرسلوا إلى المعتز بالخبر ، فأمر بقتله ، فقتل ، وحمل رأسه إلى المعتز ، ونصب بسامرا وببغداذ ، وأحرقت المغاربة جسده ، وكان أراد أن يختفي عند صالح بن وصيف ، فإذا اشتغل الناس بالعيد وكان قد قرب خرج هو وصالح ( ووثبوا بالمعتز ) .