الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قلاعهم التي استولوا عليها ببلاد العجم  

            واستولوا على عدة حصون منها قلعة أصبهان ، وهذه القلعة لم تكن قديما ، وإنما بناها السلطان ملكشاه .

            وسبب بنائها أنه كان قد أتاه رجل من مقدمي الروم ، فأسلم وصار معه ، فاتفق أنه سار يوما إلى الصيد ، فهرب منه كلب حسن الصيد ، وصعد هذا الجبل ، فتبعه السلطان والرومي معه ، فوجده موضع القلعة فقال له الرومي : لو أن عندنا مثل هذا الجبل لجعلنا عليه حصنا ننتفع به ، فأمر ببناء القلعة ، ومنع منها نظام الملك ، فلم يقبل قوله ، فلما فرغت جعل فيها دزدارا .

            فلما انقضت أيام السلطان ملكشاه ، وصارت أصبهان بيد خاتون أزالت الدزدار ، وجعلت غيره فيها وهو إنسان ديلمي اسمه زيار ، فمات ، وصار بالقلعة إنسان خوزي ، فاتصل به أحمد بن عطاش ، وكان الباطنية قد ألبسوه تاجا ، وجمعوا له مالا ، وقدموه عليهم مع جهله ، وإنما كان أبوه مقدما فيهم ، فلما اتصل بالدزدار بقي معه ، ووثق به وقلده الأمور ، فلما توفي الدزدار استولى أحمد بن عطاش عليها ، ونال المسلمين منه ضرر عظيم من أخذ الأموال ، وقتل النفوس ، وقطع الطريق ، والخوف الدائم ، فكانوا يقولون : إن قلعة يدل عليها كلب ، ويشير بها كافر لا بد وأن يكون خاتمة أمرها الشر .

            ومنها ألموت ، وهي من نواحي قزوين ، قيل إن ملكا من ملوك الديلم كان كثير التصيد ، فأرسل يوما عقابا ، وتبعه ، فرآه قد سقط على موضع هذه القلعة ، فوجده موضعا حصينا ، فأمر ببناء قلعة عليه ، فسماها أله موت ، ومعناه بلسان الديلم : تعليم العقاب ، ويقال لذلك الموضع وما يجاوره طالقان .

            وفيها قلاع حصينة أشهرها ألموت ، وكانت هذه النواحي في ضمان شرفشاه الجعفري ، وقد استناب فيها رجلا علويا ، فيه بله وسلامة صدر .

            وكان الحسن بن الصباح رجلا شهما ، كافيا ، عالما بالهندسة ، والحساب ، والنجوم ، والسحر ، وغير ذلك. وهو أحد دعاتهم ، وكان قد دخل مصر وتعلم من الزنادقة الذين كانوا بها ، ثم صار إلى تلك النواحي ببلاد أصبهان فكان لا يدعو إلا غبيا لا يعرف يمينه من شماله ، ثم يطعمه العسل بالجوز والشونيز حتى يحترق مزاجه ويفسد دماغه ، ثم يذكر له شيئا من أخبار أهل البيت ، ويكذب له من أقاويل الرافضة الضلال ; أنهم ظلموا ومنعوا حقهم ، ثم يقول له : فإذا كانت الخوارج تقاتل مع بني أمية لعلي ; فأنت أحق أن تقاتل في نصرة إمامك علي بن أبي طالب ، ولا يزال يسقيه من هذا وأمثاله حتى يستجيب له ، ويصير أطوع له من أمه وأبيه ، ويظهر له أشياء كثيرة من المخرقة والنيرنجات والحيل التي لا تروج إلا على الجهال ; حتى التف عليه بشر كثير وجم غفير ، وقد بعث إليه السلطان ملكشاه يتهدده وينهاه عن بعثه الفداوية إلى العلماء ، فلما قرأ الكتاب بحضرة الرسول قال لمن حوله من الشباب : إني أريد أن أرسل منكم رسولا إلى مولاه ، فاشرأبت وجوه الحاضرين ، منهم ، ثم قال لشاب منهم : اقتل نفسك ، فأخرج سكينا فضرب بها غلصمته ، فسقط ميتا ، وقال لآخر منهم : ألق نفسك من هذا الموضع فرمى نفسه من رأس القلعة إلى أسفل خندقها فتقطع ، فقال للرسول : هذا الجواب فمنها امتنع السلطان من مراسلته ، هكذا ذكره ابن الجوزي وسيأتي أن الملك صلاح الدين فاتح بيت المقدس ، جرى له مع سنان صاحب الإيوان مثل هذا . وكان رئيس الري إنسان يقال له أبو مسلم وهو صهر نظام الملك ، فاتهم الحسن بن الصباح بدخول جماعة من دعاة المصريين عليه ، فخافه ابن الصباح ، وكان نظام الملك يكرمه ، وقال له يوما من طريق الفراسة : عن قريب يضل هذا الرجل ضعفاء العوام ، فلما هرب الحسن من أبي مسلم طلبه فلم يدركه .

            وكان من جملة تلاميذه ابن عطاش ، الطبيب الذي ملك قلعة أصبهان ، ومضى ابن الصباح فطاف البلاد ، ووصل إلى مصر ، ودخل على المستنصر صاحبها ، فأكرمه ، وأعطاه مالا ، وأمره أن يدعو الناس إلى إمامته ، فقال له الحسن : فمن الإمام بعدك ؟ فأشار إلى ابنه نزار ، وعاد من مصر إلى الشام ، والجزيرة ، وديار بكر ، والروم ، ورجع إلى خراسان ، ودخل كاشغر ، وما وراء النهر ، يطوف على قوم يضلهم ، فلما رأى قلعة ألموت ، واختبر أهل تلك النواحي ، أقام عندهم ، وطمع في إغوائهم ، ودعاهم في السر ، وأظهر الزهد ، ولبس المسح ، فتبعه أكثرهم ، والعلوي صاحب القلعة حسن الظن فيه ، يجلس إليه يتبرك به ، فلما أحكم الحسن أمره ، دخل يوما على العلوي بالقلعة ، فقال له ابن الصباح : اخرج من هذه القلعة ، فتبسم العلوي ، وظنه يمزح ، فأمر ابن الصباح بعض أصحابه بإخراج العلوي ، فأخرجوه إلى دامغان ، وأعطاه ماله وملك القلعة .

            ولما بلغ الخبر إلى نظام الملك بعث عسكرا إلى قلعة ألموت ، فحصروه فيها ، وأخذوا عليه الطرق ، فضاق ذرعه بالحصر ، فأرسل من قتل نظام الملك ، فلما قتل رجع العسكر عنها .

            ثم إن السلطان محمد بن ملكشاه جهز نحوها العساكر ، فحصرها .

            ومنها طبس ، وبعض قهستان ، وكان سبب ملكهم لها أن قهستان كان قد بقي فيها بقايا من بني سيمجور ، أمراء خراسان ، أيام السامانية ، وكان قد بقي من نسلهم رجل يقال له المنور ، وكان رئيسا مطاعا عند الخاصة والعامة ، فلما ولي كلسارغ قهستان ظلم الناس وعسفهم ، وأراد أختا للمنور بغير حل ، فحمل ذلك المنور على أن التجأ إلى الإسماعلية ، وصار معهم ، فعظم حالهم في قهستان ، واستولوا عليها ومن جملتها خور ، وخوسف ، وزوزن ، وقاين ، وتون وتلك الأطراف المجاورة لها .

            ومنها قلعة وسنمكوه ، ملكوها ، وهي بقرب أبهر سنة أربع وثمانين [ وأربعمائة ] ، وتأذى بهم الناس ، لا سيما أهل أبهر ، فاستغاثوا بالسلطان بركيارق ، فجعل عليها من يحاصرها ، فحوصرت ثمانية أشهر ، وأخذت منهم سنة تسع وثمانين [ وأربعمائة ] ، وقتل كل من بها عن آخرهم .

            ومنها قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من أصبهان ، كانت لمؤيد الملك بن نظام الملك ، وانتقلت إلى جاولي سقاووا ، فجعل بها إنسانا تركيا ، فصادقه نجار باطني ، وأهدى له هدية جميلة ، ولزمه حتى وثق به ، وسلم إليه مفاتيح القلعة ، فعمل دعوة للتركي وأصحابه ، فسقاهم الخمر ، فأسكرهم ، واستدعى ابن عطاش ، فجاء في جماعة من أصحابه ، فسلم إليهم القلعة ، فقتلوا من بها سوى التركي فإنه هرب ، وقوي ابن عطاش بها ، وصار له على أهل أصبهان القطائع الكثيرة .

            ومن قلاعهم المذكورة أستوناوند ، وهي بين الري وآمل ، ملكوها بعد ملكشاه ، نزل منها صاحبها ، فقتل وأخذت منه .

            ومنها أردهن ، وملكها أبو الفتوح ابن أخت الحسن الصباح .

            ومنها كردكوه وهي مشهورة .

            ومنها قلعة الناظر بخوزستان ، وقلعة الطنبور وبينها وبين أرجان فرسخان أخذها أبو حمزة الإسكاف ، وهو من أهل أرجان ، سافر إلى مصر ، وعاد داعية لهم .

            وقلعة خلادخان وهي بين فارس وخوزستان ، وأقام بها المفسدون نحو مائتي سنة يقطعون الطريق حتى فتحها عضد الدولة بن بويه ، وقتل من بها .

            فلما صارت الدولة لملكشاه أقطعها الأمير أنر ، فجعل بها دزدارا ، فأنفذ إليه الباطنية الذين بأرجان يطلبون منه بيعها فأبى ، فقالوا له : نرسل إليك من يناظرك حتى يظهر لك الحق ، فأجابهم إلى ذلك ، فأرسلوا إليه إنسانا ديلميا يناظره ، وكان للدزدار مملوك قد رباه ، وسلم إليه مفاتيح القلعة ، فاستماله الباطني ، فأجابه إلى القبض على صاحبه ، وتسليم القلعة إليهم ، فقبض عليه ، وسلم القلعة إليهم ، ثم أطلقه ، واستولوا بعد ذلك على عدة قلاع هذه أشهرها .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية