الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            ذكر عدة حوادث

            في سنة ست وخمسمائة ، في المحرم ، سار مودود ، صاحب الموصل ، إلى الرها ، فنزل عليها  ، ورعى عسكره زروعها ، ورحل عنها إلى سروج ، وفعل بها كذلك وأهمل الفرنج ، ولم يحترز منهم ، فلم يشعر إلا وجوسلين ، صاحب تل باشر ، قد كبسهم ، وكانت دواب العسكر منتشرة في المرعى ، فأخذ الفرنج كثيرا منها ، وقتلوا كثيرا من العسكر ، فلما تأهب المسلمون للقائه ، عاد عنهم إلى سروج .

            وفيها رحل السلطان محمد من بغداذ ، وكان مقامه هذه المرة خمسة أشهر ، فلما وصل إلى أصبهان قبض على زين الملك أبي سعد القمي ، وسلمه إلى الأمير كاميار لعداوة بينهما ، فلما وصل إلى الري أركبه كاميار على دابة بمركب ذهب ، وأظهر أن السلطان خلع عليه على مال قرره عليه ، فحصل بذلك مالا كثيرا من أهل القمي ، ثم صلبه ، وكان سبب قبضه أنه كان يكثر الطعن على الخليفة والسلطان .

            وفيها توفي بسيل الأرمني ، صاحب الدروب ، ببلاد ابن لاون ، فسار طنكري ، صاحب أنطاكية ، أول جمادى الآخرة ، إلى بلاده طمعا أن يملكها ، فمرض في طريقه ، فعاد إلى أنطاكية ، فمات ثامن جمادى الآخرة وملكها بعده ابن أخته سرخالة ، واستقام الأمر فيها ، بعد أن جرى بين الفرنج خلف بسببه ، فأصلح بينهم القسوس والرهبان .

            وفيها توفي قراجة ، صاحب حمص ، وكان ظالما ، وقام ولده قرجان مكانه ، وكان مثله في قبح السيرة . في جمادى الآخرة منها جلس ابن الطبري مدرسا بالنظامية وعزل عنها الشاشي ، وفيها دخل الشيخ الصالح أحد العباد يوسف بن أيوب  إلى بغداد فوعظ الناس ، وكان له القبول التام ، وكان فقيها شافعيا ، تفقه بالشيخ أبي إسحاق الشيرازي ، ثم اشتغل بالعبادة والزهادة ، فكانت له أحوال صالحة ، جاراه رجل مرة يقال له : ابن السقاء في مسألة ، فقال له : اسكت فإني أجد من كلامك رائحة الكفر ، ولعلك أن تموت على غير دين الإسلام . فاتفق بعد مدة أنه خرج إلى بلاد الروم في حاجة ، فتنصر هناك . فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا .

            وقام إليه مرة وهو يعظ الناس ابنا أبي بكر الشاشي ، فقالا له : إن كنت تتكلم على مذهب الأشعري وإلا فاسكت ، فقال : لا متعتما بشبابكما ، فماتا شابين ولم يبلغا سن الكهولة ، وحج بالناس فيها أمير الجيوش نظر الخادم ، ونالهم عطش شديد . وفيها:

            أن أبا علي المغربي كان من الزهاد معروفا بين الصوفية بالزهادة والقناعة ، كان يأتيه كل يوم روزجاري برغيفين من كد يده فيأكلهما ، ثم عن له أن يشتغل بصنعة الكيمياء فأخذ إلى دار الخلافة وانقطع خبره . قال ابن الجوزي: ورأيت بخط شيخنا أبي بكر بن عبد الباقي البزاز ، قال: في يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة من سنة ست وخمسمائة سمع صوت هدة عظيمة في أقطار بغداد بالجانبين الشرقي والغربي ، وسمعت أنا صوتها وأنا جالس في المارستان حتى ظننت أنه صوت حائط قد ذهب بالقرب منا ، ولم يعلم ما هو ، ولم يكن في السماء غيم ، فيقال: صوت رعد .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية