الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب


            قتال الفرنج وانهزامهم وقتل مودود  

            في سنة سبع وخمسمائة ، في المحرم ، اجتمع المسلمون ، وفيهم الأمير مودود بن ألتونتكين ، صاحب الموصل ، وتميرك ، صاحب سنجار ، والأمير إياز بن إيلغازي ، وطغتكين ، صاحب دمشق .

            وكان سبب اجتماع المسلمين أن ملك الفرنج بغدوين تابع الغارات على بلد دمشق ، ونهبه وخربه ، أواخر سنة ست وخمسمائة ، وانقطعت المواد عن دمشق ، فغلت الأسعار فيها ، وقلت الأقوات ، فأرسل طغتكين صاحبها إلى الأمير مودود يشرح له الحال ، ويستنجده ، ويحثه على سرعة الوصول إليه ، فجمع عسكرا ، وسار فعبر الفرات آخر ذي القعدة سنة ست وخمسمائة ، فخافه الفرنج .

            وسمع طغتكين خبره ، فسار إليه ، ولقيه بسلمية ، واتفق رأيهم على قصد بغدوين ، ملك القدس ، فساروا إلى الأردن ، فنزل المسلمون عند الأقحوانة ونزل الفرنج مع ملكهم بغدوين وجوسلين ، صاحب جيشهم ، وغيرهما من المقدمين ، والفرسان المشهورين ، ودخلوا بلاد الفرنج مع مودود ، وجمع الفرنج ، فالتقوا عند طبرية ثالث عشر من المحرم ، واشتد القتال ، وصبر الفريقان ، ثم إن الفرنج انهزموا ، وكثر القتل فيهم والأسر ، وممن أسر ملكهم بغدوين ، فلم يعرف ، فأخذ سلاحه وأطلق فنجا ، وغرق منهم في بحيرة طبرية ونهر الأردن كثير ، وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم ، ووصل الفرنج إلى مضيق دون طبرية ، فلقيهم عسكر طرابلس وأنطاكية ، فقويت نفوسهم بهم ، وعاودوا الحرب ، فأحاط بهم المسلمون من كل ناحية ، وصعد الفرنج إلى جبل غرب طبرية ، فأقاموا به ستة وعشرين يوما ، والمسلمون بإزائهم يرمونهم بالنشاب فيصيبون من يقرب منهم ، ومنعوا الميرة عنهم لعلهم يخرجون إلى قتالهم ، فلم يخرج منهم أحد ، فسار المسلمون إلى بيسان ، ونهبوا بلاد الفرنج بين عكا إلى القدس ، وخربوها ، وقتلوا من ظفروا به من النصارى ، وانقطعت المادة عنهم لبعدهم عن بلادهم ، فعادوا ونزلوا بمرج الصفر .

            وأذن الأمير مودود للعساكر في العود والاستراحة ، ثم الاجتماع في الربيع لمعاودة الغزاة ، وبقي في خواصه ، ودخل دمشق في الحادي والعشرين من ربيع الأول ليقيم عند طغتكين إلى الربيع ، فدخل الجامع يوم الجمعة في ربيع الأول ، ليصلي فيه وطغتكين ، فلما فرغوا من الصلاة ، وخرج إلى صحن الجامع ، ويده في يد طغتكين ، وثب عليه باطني فضربه فجرحه أربع جراحات وقتل الباطني ، وأخذ رأسه ، فلم يعرفه أحد ، فأحرق .

            وكان صائما ، فحمل إلى دار طغتكين ، واجتهد به ليفطر ، فلم يفعل ، وقال : لا لقيت الله إلا صائما ، فمات من يومه ، رحمه الله ، فقيل إن الباطنية بالشام خافوه وقتلوه ، وقيل بل خافه طغتكين فوضع عليه من قتله .

            وكان خيرا ، عادلا ، كثير الخير . حدثني والدي قال : كتب ملك الفرنج إلى طغتكين ، بعد قتل مودود ، كتابا من فصوله : أن أمة قتلت عميدها . يوم عيدها . في بيت معبودها . لحقيق على الله أن يبيدها .

            ولما قتل تسلم تميرك ، صاحب سنجار ، ما معه من الخزائن والسلاح وحملها إلى السلطان ، ودفن مودود بدمشق في تربة دقاق صاحبها ، وحمل بعد ذلك إلى بغداذ ، فدفن في جوار أبي حنيفة ، ثم حمل إلى أصبهان .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية