عدة حوادث
في سنة ست وتسعين وخمسمائة ، في جمادى الآخرة ، وثب الملاحدة الإسماعيلية على نظام الملك مسعود بن علي ، وزير خوارزم شاه تكش ، فقتلوه ، وكان صالحا كثير الخير ، حسن السيرة ، شافعي المذهب ، بنى للشافعية بمرو جامعا مشرفا على جامع الحنفية ، فتعصب شيخ الإسلام [ بمرو ] وهو مقدم الحنابلة بها ، قديم الرياسة ، وجمع الأوباش ، فأحرقه . فأنفذ خوارزم شاه فأحضر شيخ الإسلام وجماعة ممن سعى في ذلك ، فأغرمهم مالا كثيرا .
وبنى الوزير أيضا مدرسة عظيمة بخوارزم وجامعا وجعل فيها خزانة كتب ، وله آثار حسنة بخراسان باقية ، ولما مات خلف ولدا صغيرا ، فاستوزره خوارزم شاه رعاية لحق أبيه ، فأشير عليه أن يستعفي ، فأرسل يقول : إنني صبي لا أصلح لهذا المنصب الجليل ، فيولي السلطان فيه من يصلح له إلى أن أكبر ، فإن كنت أصلح فأنا المملوك ، فقال خوارزم شاه : لست أعفيك ، وأنا وزيرك ، فكن مراجعي في الأمور ، فإنه لا يقف منها شيء . فاستحسن الناس هذا ، ثم إن الصبي لم تطل أيامه ، فتوفي قبل خوارزم شاه بيسير . [شدة الغلاء وأكل الناس الجيف]
بحيث كسر ولم يكمل ثلاثة عشر ذراعا، فكان الغلاء المفرط; بحيث أكلوا الجيف والآدميين، وفشا أكل بني آدم، واشتهر ورئي من ذلك العجب العجاب، وتعدوا إلى حفر القبور وأكل الموتى، وتمزق أهل مصر كل ممزق، وكثر الموت من الجوع; بحيث كان الماشي لا يقع قدمه أو بصره إلا على ميت، أو من هو في السياق، وهلك أهل القرى قاطبة; بحيث إن المسافر يمر بالقرية فلا يرى فيها نافخ نار، ويجد البيوت مفتحة وأهلها موتى. وفي سنة ست وتسعين: توقف النيل بمصر ;
وقد حكى الذهبي في ذلك حكايات يقشعر الجلد من سماعها، قال: (وصارت الطرق مزرعة بالموتى، ومأدبة بلحومهم للطير والسباع، وأبيعت الأحرار والأولاد بالدراهم اليسيرة، واستمر ذلك إلى أثناء سنة ثمان وتسعين). وفي شوال رجع إلى دمشق الأمير فلك الدين أبو منصور سليمان بن شروة بن خلدك ، وهو أخو الملك العادل لأمه ، وهو واقف الفلكية داخل باب الفراديس ، وبها قبره فأقام بها محترما معظما إلى أن توفي في هذه السنة .