ثم دخلت سنة أربع وتسعين وستمائة
استهلت والخليفة الحاكم بأمر الله ، ، ومدبر الممالك وأتابك العساكر الأمير زين الدين كتبغا ، ونائب الشام الأمير عز الدين أيبك الحموي ، والوزير بدمشق تقي الدين توبة التكريتي ، وشاد الدواوين شمس الدين الأعسر ، وقاضي الشافعية ابن جماعة ، والحنفية حسام الدين الرازي ، والمالكية جمال الدين الزواوي ، والحنابلة شرف الدين حسن ، والمحتسب شهاب الدين الحنفي ، ونقيب الأشراف زين الدين بن عدنان ، ووكيل بيت المال وناظر الجامع تاج الدين الشيرازي ، وخطيب البلد شرف الدين المقدسي . وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وعمره إذ ذاك اثنتا عشرة سنة وأشهرا
فلما كان يوم عاشوراء نهض جماعة من مماليك الأشرف ، وخرقوا حرمة السلطان ، وأرادوا الخروج عليه ، وجاءوا إلى سوق السلاح ، فأخذوا ما فيه ، ثم احتيط عليهم ، فمنهم من صلب ، ومنهم من شنق ، وقطع أيدي آخرين منهم وألسنتهم ، وجرت خبطة عظيمة جدا ، وكانوا قريبا من ثلاثمائة أو يزيدون . وفي رجب حكم كمال الدين بن الشريشي نيابة عن القاضي بدر الدين بن جماعة . وفيه درس بالمعظمية القاضي شمس الدين بن العز ، انتزعها من علاء الدين بن الدقاق . وفيه . وفي رمضان رسم للحنابلة أن يصلوا قبل الإمام الكبير ، وذلك أنهم كانوا يصلون بعده ، فلما أحدث محراب الصحابة كانوا يصلون جميعا في وقت واحد ، فكان يحصل تشويش بسبب ذلك ، فاستقرت القاعدة على أن يصلوا قبل الإمام الكبير ، في وقت صلاة مشهد علي بالصحن عند محرابهم في الرواق الثالث الغربي . ولي القدس والخليل الملك الأوحد ابن الملك الناصر داود بن المعظم
قلت : وقد تغيرت هذه القاعدة بعد العشرين وسبعمائة كما سيأتي . وفي أواخر رمضان قدم القاضي نجم الدين بن صصرى من الديار المصرية على قضاء العساكر بالشام . وفي ظهر يوم الخميس خامس شوال صلى القاضي بدر الدين بن جماعة بمحراب الجامع إماما وخطيبا عوضا عن الخطيب المدرس شرف الدين المقدسي ، ثم خطب من الغد ، وشكرت خطبته وقراءته ، وذلك مضاف إليه ما بيده من القضاء وغيره . وفي أواخر شوال قدمت من الديار المصرية تواقيع شتى; منها تدريس الغزالية لابن صصرى عوضا عن الخطيب المقدسي ، وتوقيع بتدريس الأمينية لإمام الدين القزويني عوضا عن نجم الدين بن صصرى ، ورسم لأخيه جلال الدين بتدريس الظاهرية البرانية عوضا عنه . وفي شوال كملت عمارة الحمام الذي أنشاه عز الدين الحموي بمسجد القصب ، وهو من أحسن الحمامات ، وباشر مشيخة دار الحديث النورية الشيخ علاء الدين بن العطار عوضا عن شرف الدين المقدسي . وحج فيها الملك المجاهد أنس بن الملك العادل كتبغا ، وتصدقوا بصدقات كثيرة في الحرمين وغيرهما . ونودي بدمشق يوم عرفة أن لا يركب أحد من أهل الذمة خيلا ولا بغالا ، ومن رأى من المسلمين أحدا من أهل الذمة قد خالف ذلك فله سلبه . وفي أواخر هذه السنة والتي تليها حصل بديار مصر غلاء شديد ، هلك بسببه خلق كثير ، هلك في شهر ذي الحجة نحو من عشرين ألفا . وفيها ملك التتر ، فأسلم وأظهر الإسلام على يد الأمير نوروز ، رحمه الله تعالى ، ودخلت التتر أو أكثرهم في الإسلام ، ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رءوس الناس يوم إسلامه ، وتسمى بمحمود ، وشهد الجمعة والخطبة ، وخرب كنائس كثيرة ، وضرب عليهم الجزية ، ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد ، وظهرت السبح والهياكل مع التتر ، والحمد لله وحده . قازان بن أرغون بن أبغا بن تولى بن جنكزخان