الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثم دخلت سنة أربع وتسعين وستمائة

            استهلت والخليفة الحاكم بأمر الله ، وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وعمره إذ ذاك اثنتا عشرة سنة وأشهرا  ، ومدبر الممالك وأتابك العساكر الأمير زين الدين كتبغا ، ونائب الشام الأمير عز الدين أيبك الحموي ، والوزير بدمشق تقي الدين توبة التكريتي ، وشاد الدواوين شمس الدين الأعسر ، وقاضي الشافعية ابن جماعة ، والحنفية حسام الدين الرازي ، والمالكية جمال الدين الزواوي ، والحنابلة شرف الدين حسن ، والمحتسب شهاب الدين الحنفي ، ونقيب الأشراف زين الدين بن عدنان ، ووكيل بيت المال وناظر الجامع تاج الدين الشيرازي ، وخطيب البلد شرف الدين المقدسي .

            فلما كان يوم عاشوراء نهض جماعة من مماليك الأشرف ، وخرقوا حرمة السلطان ، وأرادوا الخروج عليه ، وجاءوا إلى سوق السلاح ، فأخذوا ما فيه ، ثم احتيط عليهم ، فمنهم من صلب ، ومنهم من شنق ، وقطع أيدي آخرين منهم وألسنتهم ، وجرت خبطة عظيمة جدا ، وكانوا قريبا من ثلاثمائة أو يزيدون . وفي رجب حكم كمال الدين بن الشريشي نيابة عن القاضي بدر الدين بن جماعة . وفيه درس بالمعظمية القاضي شمس الدين بن العز ، انتزعها من علاء الدين بن الدقاق . وفيه ولي القدس والخليل الملك الأوحد ابن الملك الناصر داود بن المعظم   . وفي رمضان رسم للحنابلة أن يصلوا قبل الإمام الكبير ، وذلك أنهم كانوا يصلون بعده ، فلما أحدث محراب الصحابة كانوا يصلون جميعا في وقت واحد ، فكان يحصل تشويش بسبب ذلك ، فاستقرت القاعدة على أن يصلوا قبل الإمام الكبير ، في وقت صلاة مشهد علي بالصحن عند محرابهم في الرواق الثالث الغربي .

            قلت : وقد تغيرت هذه القاعدة بعد العشرين وسبعمائة كما سيأتي . وفي أواخر رمضان قدم القاضي نجم الدين بن صصرى من الديار المصرية على قضاء العساكر بالشام . وفي ظهر يوم الخميس خامس شوال صلى القاضي بدر الدين بن جماعة بمحراب الجامع إماما وخطيبا عوضا عن الخطيب المدرس شرف الدين المقدسي ، ثم خطب من الغد ، وشكرت خطبته وقراءته ، وذلك مضاف إليه ما بيده من القضاء وغيره . وفي أواخر شوال قدمت من الديار المصرية تواقيع شتى; منها تدريس الغزالية لابن صصرى عوضا عن الخطيب المقدسي ، وتوقيع بتدريس الأمينية لإمام الدين القزويني عوضا عن نجم الدين بن صصرى ، ورسم لأخيه جلال الدين بتدريس الظاهرية البرانية عوضا عنه . وفي شوال كملت عمارة الحمام الذي أنشاه عز الدين الحموي بمسجد القصب ، وهو من أحسن الحمامات ، وباشر مشيخة دار الحديث النورية الشيخ علاء الدين بن العطار عوضا عن شرف الدين المقدسي . وحج فيها الملك المجاهد أنس بن الملك العادل كتبغا ، وتصدقوا بصدقات كثيرة في الحرمين وغيرهما . ونودي بدمشق يوم عرفة أن لا يركب أحد من أهل الذمة خيلا ولا بغالا ، ومن رأى من المسلمين أحدا من أهل الذمة قد خالف ذلك فله سلبه . وفي أواخر هذه السنة والتي تليها حصل بديار مصر غلاء شديد ، هلك بسببه خلق كثير ، هلك في شهر ذي الحجة نحو من عشرين ألفا . وفيها ملك التتر قازان بن أرغون بن أبغا بن تولى بن جنكزخان  ، فأسلم وأظهر الإسلام على يد الأمير نوروز ، رحمه الله تعالى ، ودخلت التتر أو أكثرهم في الإسلام ، ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رءوس الناس يوم إسلامه ، وتسمى بمحمود ، وشهد الجمعة والخطبة ، وخرب كنائس كثيرة ، وضرب عليهم الجزية ، ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد ، وظهرت السبح والهياكل مع التتر ، والحمد لله وحده .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية