قوله عز وجل : ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم  قال  أبو بكر   : قد دل قوله : ولتكملوا العدة  على معان : منها أنه متى غم علينا هلال شهر رمضان فعلينا إكمال العدة ثلاثين يوما أي شهر كان ، لبيان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على الوجه الذي بينا ، فقال : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين فجعل إكمال العدة اعتبار الثلاثين عند خفاء الهلال   . 
ويدل أيضا على جواز قضاء رمضان متتابعا أو متفرقا  ، لإخباره أن الفرض فيه إكمال العدة ، وذلك يحصل به متفرقا كان أو متتابعا ، ويدل على أن وجوب قضائه ليس على الفور ؛ لأنه إذا كان المقصد إكمال العدة وذلك قد يحصل على أي وجه صام ، فلا فرق بين فعله على الفور أو على المهلة مع حصول إكمال العدة ، ويدل على أنه لا فدية على من أخر قضاء رمضان  وأنه ليس عليه غير القضاء شيء ؛ لأنه أخبر أن مراده منا إكمال العدة وقد وجد ، وفي إيجاب الفدية زيادة في النص وإثبات ما ليس هو من المقصد ، ويدل على أن من أفطر في شهر رمضان وهو ثلاثون يوما أنه غير جائز له أن يصوم شهرا بالهلال تسعة وعشرين يوما  ، لقوله تعالى : ولتكملوا العدة  وذلك يقتضي استيفاء العدد ، فالقائل بجواز الاقتصار على نقصان العدد مخالف لحكم الآية ، ويدل على أن أهل بلد إذا صاموا تسعة وعشرين يوما للرؤية وأهل بلد آخر إذا صاموا للرؤية ثلاثين أن على الذين صاموا تسعة وعشرين يوما أن يقضوا يوما ، لقوله تعالى : ولتكملوا العدة  وقد حصل عدة رمضان ثلاثين لأهل ذلك البلد فعلى الآخرين أن يكملوها كما كان على أولئك إكمالها ؛ إذ كان الله لم يخصص بعضا من كل . 
وأما قوله : ولتكبروا الله على ما هداكم  فإنه روي عن  ابن عباس  أنه كان يقول : حقا على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا الله حتى يفرغوا من عيدهم " ، وذلك لقوله : ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم  وروي عن  الزهري  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر يوم الفطر  [ ص: 279 ] إذا خرج إلى المصلى وإذا قضى الصلاة قطع التكبير ، وقد روي عن  علي  وأبي قتادة   وابن عمر   وسعيد بن المسيب   وعروة  والقاسم   وخارجة بن زيد   ونافع بن جبير بن مطعم  وغيرهم " أنهم كانوا يكبرون يوم العيد إذا خرجوا إلى المصلى   " . 
وروى حنش بن المعتمر  عن  علي   " أنه ركب بغلته يوم الأضحى فلم يزل يكبر حتى أتى الجبانة " ، وروى  ابن أبي ذئب  عن شعبة مولى ابن عباس  قال : " كنت أقود  ابن عباس  إلى المصلى فيسمع الناس يكبرون فيقول : ما شأن الناس ؟ أكبر الإمام ؟ فأقول : لا ، فيقول : أمجانين الناس ؟ " فأنكر  ابن عباس  في هذا الخبر التكبير في طريق المصلى ، وهذا يدل على أن المراد عنده التكبير المذكور في الآية وهو التكبير الذي يكبره الإمام في الخطبة مما يصلح أن يكبر الناس معه . 
وما روي عنه أنه حق على المسلمين إذا نظروا إلى هلال شوال أن يكبروا حتى يفرغوا من عيدهم ، فليس فيه دلالة على الجهر به ، وجائز أن يريد به تكبيرهم في أنفسهم ، وقد روي عن  ابن عمر  أنه كان إذا خرج يوم الفطر ويوم الأضحى يكبر ويرفع صوته حتى يجيء المصلى ؛ وروي عن  زيد بن أسلم  أنه تأول ذلك على تكبير يوم الفطر ، واختلف فقهاء الأمصار في ذلك ، فروى المعلى  عن  أبي يوسف  عن  أبي حنيفة  قال : " يكبر الذي يذهب إلى العيد يوم الأضحى ويجهر بالتكبير ولا يكبر يوم الفطر " وقال  أبو يوسف   : " يكبر يوم الأضحى والفطر وليس فيه شيء موقت ، لقوله تعالى : ولتكبروا الله على ما هداكم  وقال عمرو   : سألت محمدا  عن التكبير في العيدين  ، فقال : " نعم يكبر " وهو قولنا . 
وقال  الحسن بن زياد  عن  أبي حنيفة   : " إن التكبير في العيدين ليس بواجب في الطريق ولا في المصلى ، وإنما التكبير الواجب في صلاة العيد   " . 
وذكر  الطحاوي  أن ابن أبي عمران  كان يحكي عن أصحابنا جميعا أن السنة عندهم في يوم الفطر أن يكبروا في الطريق إلى المصلى حتى يأتوه ، ولم نكن نعرف ما حكاه المعلى  عنهم ، وقال  الأوزاعي   ومالك   : " يكبر في خروجه إلى المصلى في العيدين جميعا " قال  مالك   : " ويكبر في المصلى إلى أن يخرج الإمام ، فإذا خرج الإمام قطع التكبير ، ولا يكبر إذا رجع " وقال  الشافعي   " أحب إظهار التكبير ليلة الفطر وليلة النحر وإذا عدوا إلى المصلى حتى يخرج الإمام " وقال في موضع آخر : " حتى يفتتح الإمام الصلاة " قال  أبو بكر   : تكبير الله هو تعظيمه ، وذلك يكون بثلاثة معان : عقد الضمير ، والقول ، والعمل ، فعقد الضمير هو اعتقاد توحيد الله تعالى وعدله وصحة المعرفة به وزوال الشكوك ، وأما القول فالإقرار بصفاته العلى وأسمائه الحسنى وسائر  [ ص: 280 ] ما مدح به نفسه ، وأما العمل فعبادته بما يعبد من الأعمال بالجوارح كالصلاة وسائر المفروضات ، وكل ذلك غير مقبول إلا بعد تقدمة الاعتقاد له بالقلب على الحد الذي وصفنا ، وأن يتحرى بجميع ذلك موافقة أمر الله كما قال عز وجل : ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا  فشرط بديا تحري موافقة أمر الله بذكره إرادة الآخرة ، ولم يقتصر عليه حتى ذكر العمل لله وهو السعي ، وعقد ذلك كله بشريطة الإيمان بقوله : وهو مؤمن  ثم عقبه بذكر الوعد لمن حصلت له هذه الأعمال نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل هذه الآية وأن يوفقنا إلى ما يؤدينا إلى مرضاته . 
وإذا كان تكبير الله تعالى ينقسم إلى هذه المعاني التي ذكرنا ، وقد علمنا لا محالة أن اعتقاد التوحيد والإيمان بالله ورسله شرط في سائر القرب ، وذلك غير مختص بشيء من الطاعات دون غيرها ، ومعلوم أيضا أن سائر المفروضات التي يتعلق وجوبها بأسباب أخر غير مبنية على صيام رمضان ، ثبت أن التعظيم المذكور في هذه الآية ينبغي أن يكون متعلقا بإكمال عدة رمضان ، وأولى الأشياء به إظهار لفظ التكبير ، ثم جائز أن يكون تكبيرا يفعله الإنسان في نفسه عند رؤية هلال شوال ، وجائز أن يكون المراد ما تأوله كثير منالسلف  على أنه التكبير المفعول في الخروج إلى المصلى ، وجائز أن يريد به تكبيرات صلاة العيد ؛ كل ذلك يحتمله اللفظ ، ولا دلالة فيه على بعض دون بعض ، فأيها فعل فقد قضى عهدة الآية وفعل مقتضاها ، ولا دلالة في اللفظ على وجوبه ؛ لأن قوله تعالى ولتكبروا الله  لا يقتضي الوجوب ؛ إذ جائز أن يتناول ذلك النفل ، ألا ترى أنا نكبر الله أو نعظمه بما نظهره من التكبير نفلا ؟ 
ولا خلاف بين الفقهاء أن إظهار التكبير ليس بواجب ، ومن كبر فإنما فعله استبراء ، ومع ذلك فإنه متى فعل أدنى ما يسمى تكبيرا فقد وافق مقتضى الآية ، إلا أن ما روي من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن السلف  من الصدر الأول والتابعين في تكبيرهم يوم الفطر في طريق المصلى  ، يدل على أنه مراد الآية ، فالأظهر من ذلك أن فعله مندوب إليه ومستحب لا حتما واجبا والذي ذكره ابن أبي عمران  هو أولى بمذهب  أبي حنيفة  وسائر أصحابنا ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق  الزهري  وإن كان مرسلا ، وعن السلف  ، فلأن ذلك موافق لظاهر الآية ؛ إذ كانت تقتضي تحديد تكبير عند إكمال العدة ، والفطر أولى بذلك من الأضحى ، وإذا كان ذلك عنده مسنونا في الأضحى فالفطر كذلك ؛ لأن  [ ص: 281 ] صلاتي العيدين لا تختلفان في حكم التكبير فيهما والخطبة بعدهما وسائر سننهما ، فكذلك ينبغي أن تكون سنة التكبير في الخروج إليهما . 
وفي هذه الآية دلالة على بطلان قول أهل الجبر ؛ لأن فيها أن الله قد أراد من المكلفين إكمال العدة واليسر وليكبروه ويحمدوه ويشكروه على نعمته ، وهدايته لهم إلى هذه الطاعات التي يستحقون بها الثواب الجزيل فقد أراد من الجميع هذه الطاعات وفعل الشكر وإن كان فيهم من يعصيه ولا يشكره . 
فثبت بدلالة هذه الآية أن الله لم يرد من أحد أن يعصيه ولا أن يترك فروضه وأوامره ، بل أراد من الجميع أن يطيعوه ويشكروه ، مع ما دلت العقول عليه بأن فاعل ما أريد منه مطيع للمريد متبع لأمره ، فلو كان الله تعالى مريدا للمعاصي لكان العصاة مطيعين له ، فدلالة العقول موافقة لدلالة الآية ، والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					