باب السجود لغير الله تعالى قال الله تعالى وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ، روى عن شعبة : " أن الطاعة كانت لله تعالى في السجود قتادة لآدم ، أكرمه الله بذلك " ، وروى عن معمر في قوله قتادة وخروا له سجدا قال : " كانت تحيتهم السجود " وليس يمتنع أن يكون ذلك السجود عبادة لله تعالى وتكرمة وتحية لآدم عليه السلام وكذلك سجود إخوة يوسف عليهم السلام وأهله له ، وذلك لأن العبادة لا تجوز لغير الله تعالى ، والتحية والتكرمة جائزان لمن يستحق ضربا من التعظيم ومن الناس من يقول : إن السجود كان لله ، وآدم كان بمنزلة القبلة لهم وليس هذا بشيء ؛ لأنه يوجب أن لا يكون لآدم في ذلك حظ من التفضيل والتكرمة .
وظاهر ذلك يقتضي أن يكون آدم مفضلا مكرما ؛ فذلك كظاهر الحمد إذا وقع لمن يستحق ذلك يحمل على الحقيقة ولا يحمل على ما يطلق من ذلك مجازا ، كما يقال : أخلاق فلان محمودة [ ص: 38 ] ومذمومة ؛ لأن حكم اللفظ أن يكون محمولا على بابه وحقيقته ، ويدل على أنظ الأمر بالسجود قد كان أراد به تكرمة آدم عليه السلام وتفضيله على قول إبليس فيما حكى الله عنه : أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي فأخبر إبليس أن امتناعه كان من السجود لأجل ما كان من تفضيل الله وتكرمته بأمره إياه بالسجود له ، ولو كان الأمر بالسجود له على أنه نصب قبلة للساجدين من غير تكرمة له ولا فضيلة لما كان لآدم في ذلك حظ ولا فضيلة تحسد ، كالكعبة المنصوبة للقبلة وقد كان السجود جائزا في شريعة آدم عليه السلام للمخلوقين ، ويشبه أن يكون قد كان باقيا إلى زمان يوسف عليه السلام فكان فيما بينهم لمن يستحق ضربا من التعظيم ويراد إكرامه وتبجيله بمنزلة المصافحة والمعانقة فيما بيننا وبمنزلة تقبيل اليد .
وقد روي عن النبي عليه السلام في إباحة تقبيل اليد أخبار ، وقد روي الكراهة ؛ إلا أن السجود لغير الله تعالى على وجه التكرمة والتحية منسوخ بما روت عائشة وجابر بن عبد الله ، أن النبي عليه السلام قال : وأنس لفظ حديث ما ينبغي لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها . أنس بن مالك