قوله تعالى : وأرنا مناسكنا يقال : إن أصل النسك في اللغة الغسل ، يقال منه : نسك ثوبه إذا غسله ، وقد أنشد فيه بيت شعر :
ولا ينبت المرعى سباخ عراعر ولو نسكت بالماء ستة أشهر
وفي الشرع : اسم للعبادة ، يقال : رجل ناسك ، أي : عابد . وقال البراء بن عازب : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فقال إن أول نسكنا في هذا اليوم الصلاة ثم الذبح .فسمى الصلاة نسكا ، والذبيحة على وجه القربة تسمى نسكا ، قال الله تعالى : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك يعني ذبح شاة ، ومناسك الحج : ما يقتضيه من الذبح وسائر أفعاله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة : خذوا عني مناسككم والأظهر من معنى قوله : وأرنا مناسكنا سائر أعمال الحج ؛ لأن الله تعالى أمرهما ببناء البيت للحج ، وقد روى ابن أبي ليلى عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتى جبريل إبراهيم عليهما السلام فراح به إلى مكة ثم منى وذكر أفعال الحج على نحو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجته ، قال : ثم أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وكذلك أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم بعرفات وقوف خلفه وهو واقف بها فقال : كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه السلام . قوله تعالى : ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه يدل على لزوم اتباع إبراهيم في شرائعه فيما لم يثبت نسخه . وأفاد بذلك أن من رغب عن ملة محمد صلى الله عليه وسلم فهو راغب عن ملة إبراهيم ؛ إذ كانت ملة النبي صلى الله عليه وسلم منتظمة لملة إبراهيم وزائدة عليها .


