ولما بين ما عليهم فيما ارتكبوه من المضار أتبعه ما في الإعراض عنه من المنافع فقال : ولو أنهم آمنوا أي : بما دعوا إليه من هذا القرآن ، ومن اعتقاد أن الفاعل في كل شيء إنما هو الله لا السحر ، واتقوا ما يقدح في الإيمان من الوقوف مع ما كان حقا فنسخ من التوراة فصار باطلا ، ومن الإقدام على ما لم يكن حقا أصلا من السحر لأثيبوا خيرا مما تركوا ، لأن من ترك شيئا عوضه الله خيرا منه ; هكذا الجواب ولكنه عبر عنه بما يقتضي الثبوت والدوام والشرف إلى غير ذلك مما يقصر عنه الأذهان من بلاغات القرآن فقال : لمثوبة صيغة مفعلة من الثواب ، وهو الجزاء بالخير ، وفي الصيغة [ ص: 83 ] إشعار بعلو وثبات ، قاله ، وشرفها بقوله : الحرالي من عند الله الذي له جميع صفات الكمال ، وزادها شرفا بقوله : خير مع حذف المفضل عليه .
قاله : وسوى بين هذه المثوبة ومضمون الرسالة في كونهما من عند الله تشريفا لهذه المثوبة وإلحاقا لها بالنمط العلي من علمه وحكمته ومضاء كلمته ، انتهى . وهذه المثوبة عامة لما يحصل في الدنيا والأخرى من الخيرات التي منها ما يعطيه الله لصالحي عباده من التصرف بأسماء الله الحسنى على حسب ما تعطيه مفهوماتها من المنافع ، ومن ذلك واردات الآثار ككون الفاتحة شفاء وآية الكرسي حرزا من الشيطان ونحو ذلك من منافع القرآن والأذكار والتبرك بآثار الصالحين ونحوه . الحرالي
ثم أكد الخبر بأن علمهم جهل بقوله : لو كانوا يعلمون وقال : فيه إشعار برتبة من العلم أعلى وأشرف من الرتبة التي كانت تصرفهم عن أخذ السحر ، لأن تلك الرتبة تزهد في علم ما هو [ ص: 84 ] شر وهذه ترغب في منال ما هو خير ; وفيه بشرى لهذه الأمة بما في كيانها من قبول هذا العلم الذي هو علم الأسماء ومنافع القرآن يكون لهم عوضا من علم السيميا الذي هو باب من السحر ، وعساه أن يكون من نحو المنزل على الملكين ، قال صلى الله عليه وسلم : الحرالي ، زاد ما زاد" "من اقتبس علما من النجوم اقتبس بابا من السحر .
وحقيقة السيميا أمر من أمر الله أظهر آثاره في العالم الأرضي على سبيل أسماء وأرواح خبيثة من مواطن الفتن في العلويات من النيرات والكواكب والصور ، وما أبداه منه في علوم وأعمال لا يثبت شيء منه مع اسمه تعالى ، بل يشترط في صحته إخلاؤه عن اسم الله وذكره والقيام بحقه وصرف التحنثات والوجهة إلى ما دونه ، فهو لذلك كفر موضوع فتنة من الله تعالى لمن شاء أن يفتنه به ، حتى كانت فتنة اسم السيميا من هدى الاسم بمنزلة اسم اللات والعزى من هداية اسم الله العزيز ، ولله كلية الخلق والأمر هدى وإضلالا إظهارا لكلمته الجامعة الشاملة لمتقابلات الأزواج التي منتهاها قسمة إلى دارين : دار نور رحماني من اسمه العزيز الرحيم ، ودار نار انتقامي من اسمه الجبار المنتقم ، ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون
ولما جعل سبحانه من المضرة في السحر ونحوه كان من المثوبة لمن [ ص: 85 ] آمن واتقى من هذه الأمة سورة الفلق والناس والمعوذتان حرزا وإبطالا وتلقفا لما يأفك سحر الساحرات عوضا دائما باقيا لهذه الأمة من عصا موسى ، فهما عصا هذه الأمة التي تلقف ما يأفك سحر الساحرات عوضا دائما بما فيهما من التعويذ الجامع للعوذة من شر الفلق الذي من لمحة منه كان السحر مفرقا ، فهما عوذتان من وراء ما وراء السحر ونحوه ، وذلك من مثوبة الدفع مع ما أوتوا من مثوبة النفع ، ويكاد أن لا يقف من جاءه هذه الآية لهذه الأمة عند غاية من منال الخيرات ووجوه الكرامات ، انتهى .