الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بين أن أحدا من هؤلاء الفرق لا يتبع قبلة الآخر وتضمن ذلك أن لكل منهم قبلة وقرر أن ذلك من أهل الكتاب على وجه العناد أثبت ما تضمنه الكلام السابق على وجه أعم منه وسبب عنه النتيجة فقال تعالى : ولكل أي : لكل فريق من المذكورين وغيرهم وجهة أي : مقصد يقصده ويوجه وجهه إليه ويقبل بقلبه عليه من القبلة للصلاة وغيرها من جميع المقاصد هو موليها إن كسر اللام كان المعنى هو متوليها أي : فاعل التولي أي : مائل إليها بوجهه لأن المادة تدور بكل ترتيب على الميل كما يأتي إن شاء الله تعالى في [ ص: 230 ] آخر الأنفال ، فيكون ولي بمعنى تولى كقدم بمعنى تقدم ، ومن المعلوم الفرق بين تولاه وتولى عنه ، وإن فتح فالمعنى : هو ممال إليها .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحرالي : وفي قراءة موليها - بالكسر - إشعار باختلاف جبلات أهل الملل وإقامة كل طائفة منهم بما جبلت عليه ، وفي قراءة "مولاها" إظهار حقيقة ذلك وأنه ليس ذلك منهم بل بما أقامهم فيه المولى لهم حيث شاء ، وأبهم فيه المولى لما كان في طوائف منهم حظ هوى ، وهو من التولية وهو ما يجعل مما يلي الجسد ، أو القصد أي : يكون ميالا بين يديه ملاصقا له . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان فعلهم هذا إنما هو لأجل تزكية النفس وخلاصها وكان ذلك لا يحصل إلا بفعل الخير واجتناب الشر سبب عنه قوله : فاستبقوا الخيرات أي : فاجعلوا أنتم مقصدكم أنواع الخير من القبلة [ ص: 231 ] وغيرها وتسابقوا في قصدكم إليها ، أي : كانوا في المبادرة إلى أفعال الخير كمن يسابق خصما فهو يجتهد في سبقه ، فإن الاستباق تكلف السبق والسبق بروز أحد المتحاربين ، ثم حثهم على ذلك وحذرهم من تركه بقوله على وجه التعليل : أين ما تكونوا أي : من الجهات التي استبقتم إليها الحسية والمعنوية يأت بكم الله أي : الملك الأعظم جميعا منها إليه في يوم البعث ، ثم علل هذه العلة بقوله : إن الله أي : الذي له الأمر كله على كل شيء قدير وفي ذكر البعث هنا معادلة بين القبلتين : قبلة أهل الفضل الأمة الوسط التي جعلت محل الأمن ، والقبلة الأولى ، قال الحرالي : من حيث يرد الخلق في البعث إلى موطن القبلة السابقة من أرض الشام ، فيكون موطن الحق والعدل أولى القبلتين بذلك ، لأن أعلى القبلتين موطن أمنة من حيث إن من دخله كان آمنا ، فكان [ ص: 232 ] المحشر إلى قبلتهم الأولى التي هي بداية الأمر ليطابق الآخر من القبلتين الأولى من حيث كان الآخر في الدنيا للفضل والأول في الآخر للعدل ومن الدعوتين من حيث كانت الدعوة الأولى في الأول حكما وعلما والإتيان الآخر في العقبى قهرا وملكا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية