الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2126 2 - حدثنا صدقة قال : أخبرنا ابن عيينة قال : أخبرنا ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث ، فقال : من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : ووزن معلوم وهذا طريق آخر في الحديث المذكور فيه روايته عن صدقة بن الفضل المروزي ، وهو من أفراده ، يروى عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير ، عن أبي المنهال عبد الرحمن عن ابن عباس ، وقد مر الكلام فيه فيما مضى ، وفيه زيادة ، وهي قوله : إلى أجل معلوم ، وهذا يدل على أن السلم الحال لا يجوز ، وعند الشافعي يجوز كالمؤجل ، فإن صرح بحلول أو تأجيل فذاك ، وأن أطلق فوجهان ، وقيل قولان أصحهما عند الجمهور : يصح ويكون حالا ، والثاني : لا ينعقد . ولو صرحا الأجل في نفس العقد ، ثم أسقطاه في المجلس سقط وصار العقد حالا .

                                                                                                                                                                                  وقوله : إلى أجل من جملة شروط صحة السلم ، وهو حجة على الشافعي ومن معه في عدم اشتراط الأجل ، وهو مخالفة للنص الصريح ، والعجب من الكرماني حيث يقول : ليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل لصحة السلم الحال ; لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر ، فجواز الحال أولى ; لأنه أبعد من الغرر ، بل معناه إن كان أجل فليكن معلوما كما أن الكيل ليس بشرط ولا الوزن ، بل يجوز في الثياب بالذرع ، وإنما ذكر الكيل أو الوزن بمعنى أنه إن أسلم في مكيل أو موزون فليكونا معلومين ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا كلام مخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم - : إلى أجل معلوم ; لأن معناه فليسلم فيما جاز السلم فيه إلى أجل معلوم ، وهذا قيد والقيد شرط ، وكلامه هذا يؤدي إلى إلغاء ما قيده الشارع من الأجل المعلوم ، فكيف يقول مع الغرر ، ولا غرر هاهنا أصلا ؟! لأن الأجل إذا كان معلوما فمن أين يأتي الغرر ، والمذكور الأجل المعلوم ، والمعلوم صفة الأجل ، فكيف يشترط قيد الصفة ولا يشترط قيد الموصوف ؟!

                                                                                                                                                                                  وقوله : "كما أن الكيل ليس بشرط ولا الوزن" ، قلنا : معناه أن المسلم فيه لا يشترط أن يكون من المكيلات خاصة ، ولا من الموزونات خاصة ، كما ذهب إليه ابن حزم بظاهر الحديث ، يعني لا ينحصر السلم فيهما ، بل معناه أن المسلم فيه إذا كان من المكيلات لا بد من إعلام قدر رأس المسلم فيه ، وذلك لا يكون إلا بالكيل في المكيلات ، والوزن في الموزونات ، وكون الكيل معلوما شرط ، وليس معناه أن السلم فيما لا يكال غير صحيح حتى يقال بل يجوز في الثياب بالذرع ، وفي الثياب أيضا لا يجوز إلا إذا كان ذرعها معلوما وصفتها معلومة وضبطها ممكنا . وقال الخطابي : المقصود منه أن يخرج المسلم فيه من حد الجهالة ، حتى إن أسلف فيما أصله الكيل بالوزن جاز .

                                                                                                                                                                                  قلت : قد ذكرنا أنه لا يجوز في أحد الوجهين عند الشافعية ، ولا ينبغي أن يورد الكلام على الإطلاق ، ثم إنهم اختلفوا في حد الأجل ، فقال ابن حزم : الأجل ساعة فما فوقها . وعند بعض أصحابنا لا يكون أقل من نصف يوم ، وعند بعضهم لا يكون أقل من ثلاثة أيام ، وقالت المالكية : يكره أقل من يومين ، وقال الليث : خمسة عشر يوما .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية