الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4723 [ 2519 ] وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" .

                                                                                              رواه أحمد ( 2 \ 236 )، والبخاري (6114)، ومسلم (2609) (107).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " أتدرون ما تعدون الرقوب فيكم ؟ قال : قلنا : الذي لا يولد له ) الرقوب : فعول ، وهو الكثير المراقبة ، كضروب ، وقتول ، لكنه صار في عرف استعمالهم عبارة عن المرأة التي لا يعيش لها ولد ، كما قال عبيد بن الأبرص :

                                                                                              . . . . . . . . . . . . . . . . . كأنها شيخة رقوب

                                                                                              قلت : هذا نقل أهل اللغة ، ولم يذكروا أن الرقوب يقال على من لا يولد له ، مع أنه قد كان معروفا عند الصحابة - رضي الله عنهم - ولذلك أجابوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم . والقياس يقتضيه ؛ لأن الذي لا يولد له يكثر ارتقابه للولد ، وانتظاره له ، ويطمع فيه إذا كان ممن يرتجي ذلك ، كما يقال على المرأة التي ترقب موت زوجها : رقوب . وللناقة التي ترقب الحوض فتنفر منه ، ولا تقربه : رقوب .

                                                                                              قلت : ويحتمل أن يحمل قولهم في الرقوب : إنه الذي لا يولد له بعد فقد أولاده ؛ لوصوله من الكبر إلى حال لا يولد له ، فتجتمع عليه مصيبة الفقد ومصيبة اليأس ، وهذا هو الأليق بمساق الحديث . ألا ترى قوله : " ليس ذلك الرقوب ، ولكنه الرجل الذي لا يقدم من ولده شيئا ) أي : هو أحق باسم الرقوب من ذلك ، لأن هذا الذي أصيب بفقد أولاده في الدنيا ينجبر في الآخرة بما يعوض على ذلك من الثواب ، وأما من لم يمت له ولد فيفقد في الآخرة ثواب فقد الولد ، فهو أحق باسم الرقوب من الأول ، وقد صدر هذا الأسلوب من النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ، كقوله : " ليس المسكين بالطواف عليكم " و " ليس الشديد بالصرعة " و " ليس الواصل بالمكافئ " ومثله كثير . ولم يرد بهذا السلب سلب الأصل . لكن سلب الأولى والأحق ، والصرعة ، بفتح الراء : هو الذي يصرع الناس كثيرا ، وبالسكون هو الذي يصرعه الناس ، وكذلك : هزأة وهزءة ، وسخرة وسخرة ، وقد تقدم .




                                                                                              الخدمات العلمية