[ ص: 34 ] في أقسام الرخصة    : 
وقد قسمها الأصوليون إلى ثلاثة : واجبة ، ومندوبة ، ومباحة . فالواجبة كإساغة اللقمة بالخمر لمن غص باللقمة ، وكتناول الميتة للمضطر بناء على النفوس حق الله وهي أمانة عند المكلفين ، فيجب حفظها ليستوفي الله حقه منها بالتكليف . 
وقال ابن دقيق العيد    : وهذا يقتضي أن تكون عزيمة لوجود الملزوم والتأكيد قال : ولا مانع أن يطلق عليه رخصة من وجه وعزيمة من وجه ، فمن حيث قام الدليل المانع نسميه رخصة ، ومن حيث الوجوب نسميه عزيمة . 
وهذا التردد الذي أشار إليه سبقه إليه إمام الحرمين  في النهاية " وتردد في أن الواجبات هل يوصف شيء منها بالرخصة ؟ وقال في باب صلاة المسافر من النهاية " : يجوز أن يقال : أكل الميتة ليس برخصة ، فإنه واجب ، ولأجله قال صاحبه إلكيا الهراسي  في أحكام القرآن " : الصحيح عندنا : أن أكل الميتة للمضطر  عزيمة لا رخصة ، كالفطر للمريض في رمضان ، ويتحصل بذلك في مجامعة الرخصة للوجوب ثلاثه أقوال . والظاهر أن الوجوب والاستحباب يجامعها ، ولا يكون داخلا في مسماها والمندوبة كالقصر في السفر إذا بلغ ثلاث مراحل ، والمباحة كالفطر في السفر ، وليس بتمثيل صحيح ، لأنه يستحب عند مشقة الصوم ويكره عند عدم المشقة ، فليس له إباحة .  [ ص: 35 ] 
قال بعضهم : ولم أجد له مثالا بعد البحث الكثير إلا التيمم عند وجدان الماء بأكثر من ثمن المثل  ، فإنه يباح له التيمم ، والوضوء مستويا على ما اقتضاه كلام أصحابنا . 
قلت    : هذا إن جعلنا التيمم رخصة ، وفيه خلاف : والأولى : التمثيل بتعجيل الزكاة ، وفي الحديث التصريح بالرخصة فيه  للعباس    . رواه أبو داود    . 
وهذا بالنسبة إلى العبادات ، أما المعاملات فرخصها كثيرة كالسلم والإجارة والحوالة والعرايا على أن الغزالي  في المستصفى " أبدى احتمالين في السلم ، وكذلك كلام  الشافعي  في الأم " بالنسبة إلى العرايا ، وسنذكر في القياس على الرخص ، بل يأتي في غير العبادات والمعاملات ، ولهذا قال الإمام  في النهاية " لبن المأكول  طاهر ، وذلك عندي في حكم الرخص ، فإن الحاجة ماسة إليها وقد امتن الله بإحلالها . وذكر في البسيط " مثله في شعر المأكول البائن في حياته  أنه رخصة لمسيس الحاجة إليه في الملابس .  [ ص: 36 ] 
وأهمل الأصوليون رابعا ، وهو خلاف الأولى كالإفطار في السفر عند عدم التضرر بالصوم ، وكترك الاقتصار على الحجر في الاستنجاء . وقضية كلام الأصوليين أن الرخصة لا تجامع التحريم ، وهو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم { إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه   } . 
ولهذا قال الفقهاء : الرخص لا تناط بالمعاصي ، لكن لو ألقى نفسه من شاهق جبل فانكسر وصلى قاعدا  ، فلا قضاء عليه على المذهب ، كما قاله ابن الرفعة  مع أن إسقاط القضاء عن القاعد رخصة إلا أن يقال : إن المعصية انتهت . 
وقال العبادي    : لو حلف لا يأكل الحرام فأكل الميتة للضرورة  حنث في يمينه ، لأنه حرام إلا أنه رخص له فيه ، حكاه القاضي الحسين   في فتاويه " ، وفيه نظر لأن الأعيان لا توصف بحل ولا حرمة فيبقى التناول وهو واجب فكيف يكون حراما وليس ذا وجهين . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					