الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      السابعة

                                                      تكرر في كلامهم في هذه المسألة التمسك بقضية أبي لهب وأبي جهل . وقال المازري : إنما خص الأصوليون ذكر أبي لهب بذلك مع أن سائر الكفار ممن لم يؤمن كذلك ، لأنه اجتمع فيه أمران ، علم الله أنه لا يؤمن وخبره بذلك ، فلهذا أكثر استدلالهم بذلك . وأما غيره من الكفار كأبي جهل وغيره ممن علم الله أنه لا يؤمن ، فقد صار إيمانه كالممتنع إيقاعه ، لأنه لو وقع لخالف علم الله تعالى . وناقش القرافي في التمثيل بأبي لهب ، وقال : إنما يتوهم أن الله أخبر بعدم إيمانه من قوله تعالى { تبت يدا أبي لهب وتب } ولا دليل فيه ، لأن التب هو الخسران ، وقد يخسر الإنسان ، ويدخل النار وهو مؤمن لمعاصيه ، وأما قوله تعالى : { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } فمخصوصة ولذلك أنكر ابن المنير في تفسيره صحتها وقال : هذا لا يثبت ولا يوجد في الكتاب العزيز ، ولا في الخبر أن الله تعالى أخبر أن أبا جهل لا يؤمن وكلفه بالإيمان بأن لا يؤمن ، وقال : إنما ينبغي التمثيل بقضية ثعلبة فإنه عاهد الله إن وسع عليه ليتصدق ، فلما أعطاه الله وجاءه [ ص: 122 ] مصدق رسوله صلى الله عليه وسلم يطلب منه الزكاة امتنع ، وقال : ( ما هذه إلا والجزية سواء ) ، فرجع المصدق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره ، فأنزل الله { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه } .

                                                      قال : فهذا الذي نبغي أن يمثل بها التكليف ، بخلاف المعلوم مع انكشاف العاقبة لثبوتها في الكتاب العزيز .

                                                      قال : وقد علمت اختلاف الأصوليين هل يستمر التكليف مع كشف العاقبة نظرا إلى أن الإيمان من جنس الممكن أو لا يستمر نظرا إلى ما يخلص من الجمع بين الضدين ؟ أو نقول ، كما قال الإمام : إن الله كلف هؤلاء بالإيمان على الإطلاق ولم يكلفهم الإيمان بعدم الإيمان ، وهو مخلص ضعيف ، فإنه إذا كلفهم على العموم أن يصدقوا بكل خبر ، ومن جملة هذا العموم الخبر بأنهم لا يصدقون عاد الإشكال .

                                                      والتحقيق : التزام رفع التكليف عن هؤلاء ويقدر أحدهم عند إخبار الله عنه بأن يؤمن أبدا في عدد الأموات الذين يئس منهم ، وانقطع التكليف في حقهم ، نقمة عليهم لا رحمة بهم . ا هـ .

                                                      وهو قول عجيب ، وأقرب منه ما سبق عن الأستاذ والجويني وابن عبد السلام . وقوله : إنها نزلت في ثعلبة قد أنكره ابن عبد البر ، فقال [ ص: 123 ] في كتابه " المغازي " : وقد عد ثعلبة بن حاطب فيمن شهد بدرا قال : ويعارضه قوله تعالى : { فأعقبهم نفاقا في قلوبهم } الآية ، ثم قال : ولعل قول من قال في ثعلبة : إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية