[ ص: 94 ] التنبيه ] الثاني [ الأمر المقيد بالشرط له أحوال    ] 
قال العبدري  في شرح المستصفى " : الأمر المقيد بالشرط له ثلاثة أحوال : 
أحدها : أن يكون الشرط معلوما انتفاؤه عند الآمر والمأمور جميعا ، فهذا ممنوع بالاتفاق . 
الثاني : أن يكون مجهولا عندهما فجائر بالاتفاق . 
الثالث : أن يكون معلوما عند الآمر مجهولا عند المأمور . فهذا موضع الخلاف جوزه الأشعرية  ومنعته المعتزلة  ، وهم المصيبون في هذا اللفظ ، لأن الأمر الذي فرضوا فيه الكلام ليس هو صيغة اللفظ ، إنما فرضوا الكلام في المعنى القائم بالنفس ، ولا يصح أن يقوم بنفس الآمر طلب ما يعلم قطعا أنه لا يقع ، أو أنه قد وقع ، بل طلب ما يجوز أن يقع وأن لا يقع . 
والدليل على ذلك : أن الأمر لا يصح إلا بالممكن ، فالمأمور لا يعلم كونه مأمورا عند توجه الأمر عليه بل عند وقوعه وهو المطلوب ، وأيضا فإن علم المأمور بكونه مأمورا يؤدي إلى أن يكون ذلك الأمر واقعا لا محالة فبطل كونه ممكنا وصار واجبا ، وهذا محال فنقيضه محال ، وهو أن المأمور لا يعلم كونه مأمورا عند توجه الأمر عليه بل عند وقوعه وهو المطلوب . انتهى . وفيما ذكره نزاع . 
وفاته قسم رابع : وهو أن يكون المأمور عالما بالانتفاء دون الآمر ، فلا يصح وفاقا لانتفاء فائدته من جهة المأمور وهو الامتثال ، وعدم صحة طلبه من جهة الآمر .  [ ص: 95 ] 
وقال الصفي الهندي    : اتفق الكل على أن المأمور لو علم أنه لا يتمكن من فعل المأمور به فإنه لا يعلم أنه مأمور إلا على رأي من يقول بتكليف ما لا يطاق . [ تفريع الغزالي  على هذا الأصل ] 
فرع الغزالي  على هذا الأصل فروعا : 
منها : لو علمت المرأة بالعادة أنها تحيض في أثناء النهار ، أو بقول نبي حيضا أو موتا أو جنونا ، فهل يلزمها نية الصوم حتى تصوم البعض  ؟ 
قال : أما على مذهب المعتزلة  فلا ينبغي اللزوم ، لأن بعض اليوم غير مأمور به ، وهي غير مأمورة بالكل ، وأما عندنا فالأظهر وجوبه ، لأن المرخص في الإفطار لم يوجد والأمر قائم في الحال ، والميسور لا يسقط بالمعسور . ا هـ . 
وقد نوزع في قوله : " والأمر قائم في الحال " بقوله : في كتاب النسخ : إن جهل المأمور شرطه فكيف يكون الأمر قائما في الحال والمكلف عالم بطريان الحيض ، والآمر والمأمور كلاهما يعلمانه ؟ 
ومنها : لو قال : إن صليت أو شرعت في الصلاة أو في الصوم فزوجتي طالق ، ثم شرع ثم أفسدها أو مات أو جن  ففي وقوع الطلاق خلاف يلتفت إلى هذا الأصل فلا يحنث على قياس مذهب المعتزلة  ، ويحنث على قياس مذهبنا ، وكذا ذكر الآمدي  هذا فرعا على هذا الأصل . وفيه نظر ،  [ ص: 96 ] لأنه من باب وجود المشروط لوجود شرطه ، وإنما يكون من فروع هذا الأصل بتقدير أن يقول : إن صمت يوما كاملا من رمضان فأنت طالق في أثناء اليوم لكنه في هذه الصورة لا يقع لتخلف الشرط فإنه لم يصم يوما كاملا . 
ومنها : لو أفسد يوما من رمضان بما يوجب الكفارة ثم مات أو جن أو حاضت في أثنائه  سقطت عنه على الأصح . لا يقال : هذا يخالف الأصل المذكور ، فإن السقوط يدل على عدم الأمر به ، لأنا نقول : يحتمل أن يقال : وجوب الكفارة من خصائص وجوب صوم اليوم الذي لا يتعرض الانقطاع فيه . 
ومنها : لو نذر الصيام يوم قدوم زيد ، وتبين له أنه غدا ، فنوى الصوم من الليل  ، فإنه يجزئ عن نذره على الأصح ، ولم يقولوا : إنه يجب عليه بل اختلفوا في الإجزاء ، وقياس هذا الأصل الوجوب . والظاهر أن الغزالي  يقول به كالحائض . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					