السابعة 
تكرر في كلامهم في هذه المسألة التمسك بقضية أبي لهب  وأبي جهل    . وقال المازري    : إنما خص الأصوليون ذكر أبي لهب  بذلك مع أن سائر الكفار ممن لم يؤمن كذلك ، لأنه اجتمع فيه أمران ، علم الله أنه لا يؤمن وخبره بذلك ، فلهذا أكثر استدلالهم بذلك . وأما غيره من الكفار كأبي جهل  وغيره ممن علم الله أنه لا يؤمن ، فقد صار إيمانه كالممتنع إيقاعه ، لأنه لو وقع لخالف علم الله تعالى . وناقش القرافي  في التمثيل بأبي لهب  ، وقال : إنما يتوهم أن الله أخبر بعدم إيمانه من قوله تعالى { تبت يدا أبي لهب وتب    } ولا دليل فيه ، لأن التب هو الخسران ، وقد يخسر الإنسان ، ويدخل النار وهو مؤمن لمعاصيه ، وأما قوله تعالى : { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون    } فمخصوصة ولذلك أنكر ابن المنير  في تفسيره صحتها وقال : هذا لا يثبت ولا يوجد في الكتاب العزيز ، ولا في الخبر أن الله تعالى أخبر أن أبا جهل  لا يؤمن وكلفه بالإيمان بأن لا يؤمن ، وقال : إنما ينبغي التمثيل بقضية ثعلبة  فإنه عاهد الله إن وسع عليه ليتصدق ، فلما أعطاه الله وجاءه  [ ص: 122 ] مصدق رسوله صلى الله عليه وسلم يطلب منه الزكاة امتنع ، وقال : ( ما هذه إلا والجزية سواء ) ، فرجع المصدق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره ، فأنزل الله { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه    } . 
قال : فهذا الذي نبغي أن يمثل بها التكليف ، بخلاف المعلوم مع انكشاف العاقبة لثبوتها في الكتاب العزيز .
قال : وقد علمت اختلاف الأصوليين هل يستمر التكليف مع كشف العاقبة نظرا إلى أن الإيمان من جنس الممكن أو لا يستمر نظرا إلى ما يخلص من الجمع بين الضدين ؟  أو نقول ، كما قال الإمام    : إن الله كلف هؤلاء بالإيمان على الإطلاق ولم يكلفهم الإيمان بعدم الإيمان ، وهو مخلص ضعيف ، فإنه إذا كلفهم على العموم أن يصدقوا بكل خبر ، ومن جملة هذا العموم الخبر بأنهم لا يصدقون عاد الإشكال . 
والتحقيق : التزام رفع التكليف عن هؤلاء ويقدر أحدهم عند إخبار الله عنه بأن يؤمن أبدا في عدد الأموات الذين يئس منهم ، وانقطع التكليف في حقهم ، نقمة عليهم لا رحمة بهم . ا هـ . 
وهو قول عجيب ، وأقرب منه ما سبق عن الأستاذ  والجويني  وابن عبد السلام    . وقوله : إنها نزلت في ثعلبة  قد أنكره  ابن عبد البر  ، فقال  [ ص: 123 ] في كتابه " المغازي " : وقد عد ثعلبة بن حاطب  فيمن شهد بدرا  قال : ويعارضه قوله تعالى : { فأعقبهم نفاقا في قلوبهم    } الآية ، ثم قال : ولعل قول من قال في ثعلبة    : إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					