[ أمور مهمة تتعلق بمباحث اللغة ] 
ثم الكلام في مهمات : 
الأول : في الوضع  وهو يطلق على أمرين : 
أحدهما : جعل اللفظ دليلا على المعنى كتسمية الإنسان ولده زيدا ، وكإطلاقهم على الحائط مثلا الجدار ، وما في معناه ، وذلك بأن يخطر المعنى ببال الواضع فيستحضر لفظا يعبر به عن ذلك المعنى ، ثم يعرفه غيره بطريق من الطرق ، فمن تكلم بلغته يجب أن يحمله على ذلك المعنى عند عدم القرائن . 
والثاني : غلبة استعمال اللفظ على المعنى حتى يصير هو المتبادر  إلى الذهن حال التخاطب به ، وذلك في العرف الشرعي ، والعرف العام والخاص . 
[ العرف الشرعي ] 
أما العرف الشرعي    : فكإطلاقهم الصلاة على الحركات المخصوصة ،  [ ص: 231 ] والصوم على الإمساك المخصوص ، والزكاة على إخراج مخصوص ، فإن الشارع لم يضع اللفظ لهذه المعاني ، وإنما استعمله فيها من غير وضع ، وتكرر الاستعمال فيها حتى صارت هي المتبادرة إلى الذهن حال التخاطب . 
[ العرف العام ] 
وأما العرف العام    : فكإطلاقهم الدابة على ذوات الأربع أو على دابة مخصوصة عند قوم كالفرس والحمار ، ومفهوم الدابة في اللغة لكل ذات دبت سواء ذوات الأربع وغيرها ، وأهل العرف لم يضعوا اللفظ لهذا المعنى الذي هو ذوات الأربع ، وإنما غلب استعمالهم للفظ الدابة ، حتى صار هو المتبادر إلى الذهن حالة التخاطب . 
[ العرف الخاص ] 
وأما العرف الخاص    : فكاصطلاح كل ذي علم على ألفاظ خصوها بمعان مخالفة للمفهوم اللغوي ، كاصطلاح المتكلم في الجوهر والعرض ، واصطلاح الفقيه في الجمع والفرق ، واصطلاح الجدلي في الكسر والنقض والقلب ، واصطلاح النحوي في الرفع والنصب والجر ، فجميع هذه الطوائف لم يضعوا هذه الألفاظ لتلك المعاني المخصوصة ، وإنما استعملوها استعمالا غالبا حتى صارت هي المتبادرة إلى الذهن حالة التخاطب ، فهذا هو معنى الوضع في العرف الشرعي والعام والخاص ، وزاد بعضهم للوضع معنى ثالثا وهو استعمال اللفظ في المعنى ولو مرة واحدة  ، وهذا هو معنى قولهم : المجاز هل من شرطه أن يكون موضوعا أم لا ؟ وفيه قولان مبنيان على أن المجاز  [ ص: 232 ] هل من شرطه أن يكون مسموعا أو لا ؟ . ويتعلق بالوضع مباحث : 
أحدها في شروطه : وهي ثلاثة : 
أحدها : أن لا يبتدئه بما يخالفه . 
ثانيها : أن لا يختمه بما يخالفه . 
ثالثها : أن يكون صادرا عن قصد فلا اعتبار بكلام الساهي والنائم وعلى السامع التنبه لهذه الشروط . وقد حكى الروياني  عن صاحب الحاوي " فيما إذا قال لزوجته : طلقتك ، ثم قال : سبق لساني ، وإنما أردت طلبتك  ، أن المرأة إذا ظنت صدقه بأمارة فلها أن تقبل قوله ولا تخاصمه ، وأنه من عرف ذلك منه إذا عرف الحال يجوز أن يقبل قوله ، ولا يشهد عليه . 
قال الروياني  وهذا هو الاختيار . 
الثاني في سببه : وهو أن الله تعالى خلق النوع الإنساني وصيره محتاجا إلى أمور لا يستقل بها ، بل يفتقر إلى المعاونة عليها ، ولا بد للمعاون من الاطلاع على ما في النفس ، وذلك إما باللفظ أو الإشارة أو المثال ، واللفظ أيسر لما سيأتي . فالحاجة داعية إلى الوضع لأجل الإفهام بالمخاطبة ، ويلزم من ذلك كلما اشتدت الحاجة إلى التعبير عنه أنه يوضع له ، وإلا كان ذلك مخلا بمقصود الوضع الذي ذكرناه ، وما لا تشتد الحاجة إليه جاز فيه الأمران يعني الوضع وعدم الوضع ، أما عدم الوضع ، فلأنه ليس مما تدعو الحاجة إليه ، وأما الوضع فللفوائد الحاصلة به .  [ ص: 233 ] 
[ الموضوع ] 
الثالث : في الموضوع  ، وهو اللغات على اختلافها ، وفيه نظر أن 
أحدهما : نظر كلي يشترك فيه كل اللغات ، وهو من وجوه يعرف في علم آخر . 
والثاني : فيما يختص بآحاد اللغات . ولما جاءت شريعتنا بلغة العرب  وجب النظر فيها ، وكيفية دلالتها من حيث صيغها ، ومن لطف الله تعالى حدوث الموضوعات ، لأنها أكثر إفادة من هذه الثلاثة وأيسرها ، أما كثرة إفادتها فلأنها تعم كل معلوم موجود ومعدوم وغيره بخلاف الإشارة ، فإنها تختص بالموجود المحسوس ، وبخلاف المثال ، وهو أن يجعل لما في الضمير شكلا لتعذره ، وأما كونها أيسر فلأنها موافقة للأمر الطبيعي ، لأن الحروف كيفيات تعرض للنفسي الضروري . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					