مسألة [ المجاز فرع للحقيقة    ] المجاز خلف عن الحقيقة بالاتفاق أي فرع لها بمعنى أن الحقيقة هي الأصل الراجح المقدم في الاعتبار ، وأجمعوا على أن شرط الخلف انعدام الأصل للحال على احتمال الوجود ، لكن اختلفوا في جهة الخلفية هل ذلك في حق المتكلم به أو في حق الحكم  ؟ فذهب  أبو حنيفة  إلى أنه خلف عن المتكلم ، سواء كان معناه الحقيقي مقصودا فيه أم لا ; لأنهما من عوارض الألفاظ ، وذهب صاحباه  إلى أنه خلف عن حكم ذلك ، يعني أن يكون اللفظ موجبا حقيقة ، ثم تعذر العمل بحقيقته لمعنى ، فحينئذ يصار إلى المجاز ، وهو ظاهر مذهبنا ; لأنه الظاهر من الكلام . ولأن المجاز الذي لا يمكن صحة معناه الحقيقي في القرآن وكلام البلغاء أكثر من أن يحصى ، ومعنى هذه المسألة : أنه إذا استعمل لفظ وأريد به المعنى المجازي هل يشترط إمكان المعنى الحقيقي بهذا اللفظ أو لا  ؟ فعندنا يشترط فحيث يمتنع المعنى الحقيقي لا يصح المجاز . 
وعنده : لا : بل يكفي صحة اللفظ من حيث العربية احترازا من إلغاء الكلام . ونكتبها : أن اللفظ عندنا إذا كان محالا بالنسبة إلى الحقيقة لغو ، وعند  [ ص: 106 ]  أبي حنيفة  يحمل على المجاز ، وعلى هذا الأصل مسائل : منها : إذا قال الرجل للعبد الأكبر منه سنا : هذا ابني  فحقيقته مستحيلة إذ يستحيل كونه ابنه ، فهل ينزل على المجاز ، ويقال : المراد مثل ابني في الحرية ، فيعتق عليه لهذا اللفظ ، أو لا ينزل عليه بل يلغو ؟ قال  أبو حنيفة  بالأول ، وقال صاحباه  بالثاني ، ولا خلاف عند أصحابنا فيه ، وإنما اختلفوا عند الإمكان إذا كان المقر بنسبه بالغا وكذب المقر  ، فإن النسب لا يثبت جزما ، وفي ثبوت العتق وجهان للإمكان على الجملة . 
وقالوا : لو حلف ليصعدن السماء  فإن يمينه تنعقد على الأصح لإمكان البر ، وتجب الكفارة ، ولو حلف لا يصعد السماء  لم ينعقد يمينه على الأصح ; لأن الحنث فيه غير متصور . لكن خالفوه فيما لو قال : لأشربن ماء هذه الإداوة ولا ماء فيها  ، فقالوا : يحنث على الأصح وتجب الكفارة ، وكان ينبغي تصحيح عدم الانعقاد ; لأن الأصل وهو البر غير ممكن . لنا أن المجاز ينتقل الذهن من الموضوع له إلى لازمه ، فاللازم موقوف على الموضوع له فيكون اللازم خلفا وفرعا للموضوع له ، فلا بد من إمكان الأول لتوقف المعنى المجازي عليه ، فالذي ثبت بهذا اللفظ بطريق المجاز ثبوت الحرية مثلا ، فلفظ : هذا ابني خلف عن الحكم الذي ثبت بهذا اللفظ بطريق الحقيقة كثبوت البنوة مثلا . 
وقال  أبو حنيفة    : لفظ هذا ابني خلف عن لفظ : هذا حر ، فيكون المتكلم باللفظ الذي يفيده المعنى بطريق المجاز خلفا عن المتكلم باللفظ الذي يفيد عين ذلك المعنى بطريق الحقيقة ، وقيل : بل أراد أن لفظ : هذا ابني إن أريد به الحرية خلف عن لفظ : هذا ابني إذا أريد به البنوة . 
 [ ص: 107 ] وقد أورد على الصاحبين  أنه ينبغي أن لا يصح بهذا قولهم : هذا أسد للرجل الشجاع ، لما تحقق أن الهيكل المخصوص في حق الإنسان محال ، وقد أطبق على صحته . وأجيب بأنه ليس نظير ما نحن فيه ; لأن قوله : هذا أسد ليس مستعارا بجملته ، بل أسد مستعار ، وهذا استعارة له ، وأما هاهنا فهذا ابني بجملته مستعار في حق إثبات الحرية . 
				
						
						
