الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 43 ] مسألة إذا قلنا : إنه موضوع ، انقسم كالحقيقة إلى ثلاثة أقسام ، لغوي وشرعي وعرفي ، فالشرعي والعرفي يجيء فيهما الخلاف السابق في الحقيقة الشرعية والعرفية . وأما اللغوي فالمجاز واقع في اللغة خلافا للأستاذ أبي إسحاق حيث قال : لا مجاز فيها ; لأن الحقائق شملت جميع المسميات ، فلا حاجة إلى التجوز . قال إمام الحرمين في " التلخيص " : والظن بالأستاذ أنه لا يصح عنه ، وإن أراد أهل اللغة لم يسموه بذلك بل اسمه مع قرينة حقيقة فممنوع ، فإن كتبهم مشحونة بتلقيبه مجازا ، ولو صح كون المجموع حقيقة لم يقدح في تسميتهم الاسم بانفراده مجازا ، وقيل : الخلاف لفظي ; إذ هو لا ينكر استعمال الأسد للشجاع وأمثاله ، بل يشترط في ذلك القرينة ، ويسميه حينئذ حقيقة ، ولكن ينكر تسميته مجازا قاله إلكيا الطبري . وقال الغزالي في " المنخول " : لعل الأستاذ أراد أنه ليس بثابت ثبوت الحقيقة ، ولا يظن بالأستاذ إنكار الاستعارات مع كثرتها ، ثم قال في باب التأويل : " مسألة " قال الأستاذ أبو إسحاق : الظاهر هو المجاز ، والنص هو الحقيقة ورب مجاز هو نص ، كقولنا : الخمر محرمة ، والتحريم لا يتعلق [ ص: 44 ] بالخمر حقيقة ، كقوله تعالى : { والحافظات } بعد قوله : { والحافظين فروجهم } مجاز في حفظ الفرج على الخصوص ، وهو نص في مقصوده ، فالوجه أن يقال : الظاهر ما يغلب على الظن فهم معنى منه ا هـ . . فلينظر في مطابقة هذا النقل للمنقول منه هنا . ورأيت بخط ابن الصلاح في فوائد رحلته أن أبا القاسم بن كج حكى عن أبي علي الفارسي إنكار المجاز كقول الأستاذ ، وهو غريب ، عكس مقالة تلميذه ابن جني ، وفيه نظر ، فإن تلميذه أبا الفتح بن جني أعرف بمذهبه ، وقد نقل عنه في كتاب " الخصائص " عكس هذه المقالة : أن المجاز غالب اللغات كما هو مذهب ابن جني ، وقال : فإن قلت : فقد أحال سيبويه قولنا : شربت ماء البحر ، وهذا منع منه لوقوع المجاز . قلت : الذي منعه سيبويه حقيقة لامتناع تصوره ذلك ، أما إذا أريد البعض فلا شك في جوازه .

                                                      [ ص: 45 ] تنبيه لم يبينوا الكلام في هذه المسألة هل هو في الوجوب والامتناع ، أو في الجواز كما هو في المشترك والمرادف ؟ وظاهر دليل الأستاذ أنه في الامتناع لاحتجاجه فإنه مخل بالتفاهم ، وهذا يناسب المنع .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية