296 (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لكل نبي دعوة مستجابة" )

(وأورده النووي في الباب المتقدم)

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 74 جـ3 المطبعة المصرية

[عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ].

[ ص: 395 ]

التالي السابق

الشرح

[ ص: 395 ] (الشَّرْحُ)

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً، لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: "دَعْوَةٌ يَدْعُوهَا، فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

وَفِي لَفْظٍ: (وَأَرَدْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِي.. الْخَ).

وَفِي رِوَايَةٍ: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ، وَإِنِّي أُرِيدُ "إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَؤَخِّرَ دَعْوَتِي".

وَفِي أُخْرَى: "لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لِأُمَّتِهِ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي".

وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمَعْنَاهَا: أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ لَهُ دَعْوَةٌ مُتَيَقَّنَةُ الْإِجَابَةِ، وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إِجَابَتِهَا.

وَأَمَّا بَاقِي دَعَوَاتِهِمْ فَهُمْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ إِجَابَتِهَا، وَبَعْضُهَا يُجَابُ، وَبَعْضُهَا لَا يُجَابُ.

[ ص: 396 ] أَوِ الْمُرَادُ: لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ لِأُمَّتِهِ.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ وَاعْتِنَائِهِ بِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمُ الْمُهِمَّةِ.

فَأَخَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَتَهُ لِأُمَّتِهِ إِلَى أَهَمِّ أَوْقَاتِ حَاجَاتِهِمْ.

"فَهِيَ نَائِلَةٌ "إِنْ شَاءَ اللَّهُ" مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا".

"فِيهِ" دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ؛ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِاللَّهِ تَعَالَى؛ لَمْ يَخْلُدْ فِي النَّارِ، وَإِنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ .

وَ"الشِّرْكُ" يَعُمُّ الْإِشْرَاكَ فِي وُجُوبِ الْوُجُودِ، وَفِي إِثْبَاتِ صِفَاتِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ؛ كَائِنًا مَنْ كَانَ، وَهُوَ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ. وَالتَّجَنُّبُ عَنْهُ فِي غَايَةٍ مِنَ الْغُمُوضِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ .

وَمِصْدَاقُ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْضُ مُقَلِّدَةِ الْمَذَاهِبِ؛ فَإِنَّهُمُ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ "أَرْبَابًا"، مِنْ دُونِ اللَّهِ.

وَمُعْتَقِدُو الْقُبُورِ؛ فَإِنَّهُمْ أَشْرَكُوا أَهْلَهَا مِنَ الْمَشَائِخِ وَالْأَوْلِيَاءِ بِاللَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَخْتَصُّ بِفِعْلِهِ سُبْحَانَهُ.

[ ص: 397 ] وَذَابِحُو الْحَيَوَانَاتِ عَلَى "غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ".

وَمَنْ شَابَهَهُمْ فِي أَمْثَالِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَرْجُونَ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ شَفَاعَةَ أَوْلِيَائِهِمْ، وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهَا مُتَيَقِّنِينَ الْإِجَابَةَ وَالْوُقُوعَ. وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الشَّفَاعَةَ إِنَّمَا نَالَ "مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا".

وَمَنْ أَشْرَكَ بِهِ تَعَالَى فَلَا شَفَاعَةَ لَهُ، بَلْ هُوَ فِي النَّارِ مَنْ كَانَ، وَأَيْنَمَا كَانَ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ" فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جِهَةِ التَّبَرُّكِ، وَالِامْتِثَالِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .

[ ص: 395 ] (الشرح)

(عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة، لأمتي يوم القيامة).

وفي رواية أخرى عنه: "دعوة يدعوها، فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة".

وفي لفظ: (وأردت إن شاء الله أن أختبئ دعوتي.. الخ).

وفي رواية: "لكل نبي دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له، وإني أريد "إن شاء الله أن أؤخر دعوتي".

وفي أخرى: "لكل نبي دعوة دعاها لأمته، وإني اختبأت دعوتي".

وهذه الروايات يفسر بعضها بعضا، ومعناها: أن كل نبي له دعوة متيقنة الإجابة، وهو على يقين من إجابتها.

وأما باقي دعواتهم فهم على طمع من إجابتها، وبعضها يجاب، وبعضها لا يجاب.

[ ص: 396 ] أو المراد: لكل نبي دعوة لأمته.

وفي هذا الحديث بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، ورأفته بهم واعتنائه بالنظر في مصالحهم المهمة.

فأخر صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجاتهم.

"فهي نائلة "إن شاء الله" من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا".

"فيه" دلالة لمذهب أهل الحق؛ أن كل من مات غير مشرك بالله تعالى؛ لم يخلد في النار، وإن كان مصرا على الكبائر؛ وذلك لأن الله تعالى يقول:

إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

و"الشرك" يعم الإشراك في وجوب الوجود، وفي إثبات صفات الرب جل جلاله لأحد من خلقه؛ كائنا من كان، وهو جلي وخفي. والتجنب عنه في غاية من الغموض؛ ولذلك قال تعالى:

وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون .

ومصداق هذه الآية من هذه الأمة بعض مقلدة المذاهب؛ فإنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم "أربابا"، من دون الله.

ومعتقدو القبور؛ فإنهم أشركوا أهلها من المشائخ والأولياء بالله تعالى فيما يختص بفعله سبحانه.

[ ص: 397 ] وذابحو الحيوانات على "غير اسم الله".

ومن شابههم في أمثال تلك الأحوال، ونعوذ بالله منها، ومع ذلك يرجون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، بل شفاعة أوليائهم، ويعتمدون عليها متيقنين الإجابة والوقوع. ولم يعلموا أن الشفاعة إنما نال "من لم يشرك بالله شيئا من الأشياء ظاهرا وباطنا".

ومن أشرك به تعالى فلا شفاعة له، بل هو في النار من كان، وأينما كان، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن شاء الله" في هذا الحديث على جهة التبرك، والامتثال، لقول الله تعالى:

ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله .