الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              95 [ ص: 213 ] (باب من رغب عن أبيه فهو كفر)

                                                                                                                              وقال النووي: (باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه، وهو يعلم.) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 51-52 جـ2 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي عثمان : لما ادعي زياد لقيت أبا بكرة فقلت له: ما هذا الذي صنعتم ؟ إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول : سمع أذناي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : «من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه فالجنة عليه حرام» .

                                                                                                                              فقال أبو بكرة : أنا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي عثمان قال: لما ادعي) (مبني لما لم يسم فاعله، أي: ادعاه «معاوية» . ووجد بخط العبدري «بفتح الدال والعين» ، على أن «زيادا» هو الفاعل. وهذا له وجه: من حيث إن معاوية ادعاه وصدقه زياد؛ فصار زياد مدعيا: أنه ابن أبي سفيان، والله أعلم.

                                                                                                                              (زياد لقيت أبا بكرة، فقلت له: ما هذا الذي صنعتم؟ ) .

                                                                                                                              معنى هذا الكلام «الإنكار» على أبي بكرة، وذلك: أن زيادا هذا. هو المعروف «بزياد بن أبي سفيان» . ويقال فيه «زياد بن أبيه» ، ويقال: «زياد بن أمه» وهو أخو أبي بكرة لأمه. وكان يعرف «بزياد بن عبيد الثقفي» ؛ [ ص: 214 ] ثم ادعاه معاوية بن أبي سفيان، وألحقه بأبيه، وصار من جملة أصحابه، بعد أن كان من أصحاب علي بن أبي طالب.

                                                                                                                              فلهذا قال أبو عثمان لأبي بكرة: (ما هذا الذي صنعتم؟ ) .

                                                                                                                              وكان أبو بكرة ممن أنكر ذلك، وهجر بسببه زيادا، وحلف أن لا يكلمه أبدا. ولعل «أبا عثمان» لم يبلغه إنكار أبي بكرة، حين قال له هذا الكلام، أو يكون مراده بقوله: ما هذا الذي صنعتم؟ أي: ما هذا الذي جرى من أخيك؟ ما أقبحه: وما أعظم عقوبته! فإن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على فاعله الجنة.

                                                                                                                              (إني سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمع أذني ) .

                                                                                                                              وفي رواية «أذناي» «من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه -يعلم أنه غير أبيه- فالجنة عليه حرام ) .

                                                                                                                              «فيه» تأويلان: «أحدهما» ، أنه محمول على من فعله مستحلا له.

                                                                                                                              «والثاني» أن جزاءه، أنها محرمة عليه أولا، عند دخول الفائزين وأهل السلامة، ثم إنه قد يجازى فيمنعها عند دخولهم. ثم يدخلها بعد ذلك.

                                                                                                                              وقد لا يجازى، بل يعفو الله سبحانه وتعالى عنه. ومعنى «حرام» ممنوعة.

                                                                                                                              «فقال أبو بكرة: «وأنا» سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              وفي رواية عنه، وعن سعد، كلاهما يقول: (سمعته أذناي ) ووعاه [ ص: 215 ] قلبي، (محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: «من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام» .

                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة عند مسلم يرفعه، «لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر» ، والمعنى: ترك الانتساب إليه، وجحده، وقد تسامح الناس في هذا الباب تسامحا كثيرا، حتى ادعي قوم إلى غير آبائهم، وهم يعلمون؛ وقد كثرت أولاد السفاح في أبناء الرؤساء، والأمراء والملوك، والوزراء، والخوانين، والخواتين، وهم ينسبون إليهم مع أنهم أبناء أمهاتهم دون آبائهم.

                                                                                                                              ومنهم من ينسب نفسه إلى السادة القادة: جلبا للدنيا وحطامها؛ وهم ليسوا من بني «فاطمة» قطعا، ويعلمون ذلك من أنفسهم. لكن يبغون بذلك وجاهة في الدنيا. وأكثر ما يقع في هذه الهلكة المحرمة للجنان عليهم أهل الرياسة، والمفاليس.

                                                                                                                              وما هذا إلا من تسلط الشياطين على عقولهم، ووصول الغواية لهم من قبل الأباليس، والله الهادي إلى سواء السبيل.




                                                                                                                              الخدمات العلمية