الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الرجوع عن الشهادة في العتق]

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا شهدا عليه أنه أعتق أم ولده ثم رجعا بعد الحكم ، فقيل : لا يغرمان له شيئا; لأنهما إنما أبطلا عليه متعة . وقيل : يغرمان قيمة أم ولد ، وقيل : قيمتها أن لو كانت أمة لم تلد . وإن شهد أنه أسقط الكتابة عن مكاتبه وأنه أعتقه أو أنه أعتق مدبره أو معتقه إلى أجل غرما قولا واحدا .

                                                                                                                                                                                        واختلف في القدر الذي يغرمانه ، فأما أم الولد فقال أشهب وعبد الملك في كتاب محمد في أم الولد : لا شيء على البينة . قال محمد : لأنهما لم يتلفا عليه مالا ولا خدمة ، وإنما أبطلا عليه الوطء وما في الوطء من ثمن ، كما لو شهدا عليه أنه طلق امرأته البتة ثم رجعا ما كان عليهما في ذلك غرم . [ ص: 3895 ]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم عليهما قيمتها : قيمة أمة مثل ما لو قتلت ، وقيل في هذا الأصل : قيمة أم ولد . وهو ظاهر قول ابن القاسم إذا وطئ الأب أم ولد ولده فأبطل عليه الوطء ، وقاله في أم الولد تغر من نفسها فتزوج ويولد لها من الزوج ثم تستحق إن على الأب قيمة الولد على الرجاء والخوف ، وقيل : قيمته رقيقا بمنزلته لو قتل ، ويختلف إذا كان لها مال فعلى قول ابن القاسم يكون للسيد أن يغرمهما قيمتها بمالها ، وإن شاء أغرمهما المال وقيمتها بغير مال ، وعلى قول أشهب وعبد الملك يغرمان المال خاصة; لأنه قد كان له أن ينتزع مالها; لأن الشهادة بالعتق توجب كون مالها لها ثم ينظر فيما يكون من أمرها بعد ذلك إن ماتت أو قتلت فإن ماتت عن مال أو قتلت خطأ فأخذت الدية فإن تقدم الحكم فيها بقول أشهب ولم يغرم البينة شيئا ولم يكن لها نسب يرثها أخذ ذلك السيد ولا شيء على البينة وإن كان لها نسب ورث المال إن ماتت والدية إن قتلت ، وكان للسيد أن يرجع على الشاهدين بمثل ذلك المال لأنه يقول : بشهادتكما أخذه وارث النسب إلا أنه يرجع في القتل بقيمتها يوم قتلت على أنها أمة كانت تلك القيمة أقل من الدية أو أكثر ، فإن [ ص: 3896 ] كانت أقل من الدية لم يكن له غير القيمة; لأنه يقول : إنها قتلت وهي أم ولد لم تعتق . وإن كانت قيمتها على ذلك أكثر أغرمهما قيمتها; لأنه يقول : شهادتكما منعتني أن آخذ تمام القيمة . فإن تقدم الحكم بقول ابن القاسم وكان قد أخذ السيد القيمة لم تورث إلا بنسب أخذ المال الشاهدان إلا أن يكون فيه فضل فيكون الفضل للسيد ، وإن قتلت خطأ لم يغرم القاتل شيئا على هذا القول; لأن تقدم الشهادة بالعتق يسقط الغرم عن القاتل ويوجب كونها على العاقلة والسيد والبينة مقرون أن لا شيء لهم على العاقلة فبطل الدم ، وإن كانت تورث لنسب كان لمن له النسب أن يأخذ ما خلفته من المال وتغرم العاقلة الدية ولا يضره رجوع البينة ولا شيء للسيد على البينة على قوله .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية