الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في الشهادة لكل واحد بدابة أنها نتجت عنده]

                                                                                                                                                                                        وإن شهد لكل واحد بدابة، أنها نتجت عنده كان تكاذبا، وكذلك إن أرختا فقالت كل واحدة: نتجت في وقت كذا، لوقتين متفقين أو مختلفين، فهو تكاذب ويقضى بالأعدل، إلا أن يتبين كذب أحدهما؛ لأنهما مما يتوالد دون ذلك الوقت أو قبله، فتكون لمن أشبه، وإن أتيا بما لا يشبه؛ لأن سنها فوق ما [ ص: 5518 ] شهدا به أو دونه، أو فوق ما شهدت به إحداهما، ودون ما شهدت به الأخرى، لم يقض بشيء من البينات، فإن كانت في يد أحدهما أقرت في يده، لعدم صحة دعوى الآخر، وليس لأجل شهوده. وإن كانت بأيديهما لم تنزع منهما، وإن لم تكن في يد أحدهما، لم يقض بها لواحد منهما ووقفت، وإن كانت في يد ثالث لم يعرض له، وإن أرخت إحداهما وقالت نتجت عنده في وقت كذا، وقالت الأخرى نتجت عنده ولم تؤرخ بينته كان تكاذبا ويقضى بالأعدل، إلا أن يتبين كذب التي أرخت؛ لأنها دون ذلك في السن، أو فوقه فيقضى بها للذي لم تؤرخ بينته. وإن قالت إحداهما نتجت في وقت كذا، وقالت الأخرى كان يملكها هذا، من وقت كذا ولم تذكر نتاجا، فإن أشبه ما قالت قضي بالنتاج. وإن كان تاريخ الملك بانفراده أبعد، فقالت كان يملكها منذ ثلاث سنين، وقالت الأخرى نتجت منذ سنتين كان تكاذبا وقضي بالأعدل، إلا أن يتبين صدق إحداهما وكذب الأخرى، فيقال لا يشبه أن تكون ولادتها ، في الوقت الذي قال من شهد بالنتاج، وأتت الأخرى بما يشبه قضي بها للآخر، إلا أن يتبين أيضا كذبها، مثل أن تقول كانت في ملكه منذ ثلاث سنين وسنها كذا ، مما يعلم أنها إذا اجتمعت هذه الثلاث السنين، إلى السن المتقدمة على ما [ ص: 5519 ] قالت، لم يبلغها سنها الآن، فلا يقضى بها لواحد منهما.

                                                                                                                                                                                        وقال أشهب -فيمن أقام بينة في أمة بيد رجل، أنها ولدت عنده-: فلا يقضى له بها حتى يقولوا أنه كان يملكها، لا يعلم لغيره فيها حقا، وقد يولد في يديه ما هو لغيره، قال : ولو شهدت أنها بنت أمته، فليس كالأول إذا كان في شهادتهم، أنها ولدتها عنده ، وهي في ملكه لأنه قد تكون ولدتها قبل أن يملكها، إلا أن يقولوا أنها ولدت عنده، من أمة له جدة الصبية، فيقضى له بها. وقول ابن القاسم: أنها لمن ولدت عنده أصوب. ومحمل الأم على أنها كانت له، حتى يثبت أنها وديعة أو غصب.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون -فيمن حضر رجلا اشترى سلعة من السوق-: فلا يشهد أنها ملكه، ولو أقام رجل بينة أنها ملكه، وأقام هذا بينة أنه اشتراها من السوق، كانت لصاحب الملك، وقد يبيعها من لا يملكها، والشهادة بالملك أن تطول الحيازة، وهو يفعل ما يفعل المالك لا منازع له، وسواء حضر بدء دخولها في يده أم لا فليشهد بالملك، وإن لم تطل الحيازة لم يثبت الملك، إلا أن يشهد البينة أنه غنمها من دار الحرب وشبهه، انتهى قوله. وإلى هذا ذهب [ ص: 5520 ] أشهب، إلا أن يثبت الملك بمجرد ولادة الأم، إلا أن تطول الحيازة؛ لأنها لو كانت المنازعة في الأم، فشهدت لهذا بينة أنها ملكه، ولهذا بينة أنها كانت في يديه، يوما أو يومين لرجح الملك، وهذا يحسن في عدم التواريخ، فإن علم أن يد هذا تقدمت، ثم ملكها الآخر ردت إلى من تقدمت يده وإن لم يطل. قال ابن القاسم: إذا شهد لهذا في مسكن أنه يملكه، ولهذا أنه حازه فملكه وحيزه سواء، وقد يختلف اللفظ والمعنى واحد. يريد أنه حيزه فيما طال وعرف.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية