الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن نذر أن يحج غيره]

                                                                                                                                                                                        ومن قال: أنا أحج فلانا في يمين، فحنث; لزمه أن يحجه من ماله، إلا أن يأبى ذلك الرجل، ولا حج على القائل. وإن قال: أنا أحج بفلان، حجا جميعا، فيحج القائل راكبا ويحج بالرجل، إلا أن يأبى فيلزمه الحج بقوله: أنا أحج، ولزمه أن يحج الرجل لقوله بفلان.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: أنا أحمل فلانا إلى بيت الله في يمين، فحنث ، كان الجواب فيه على ثلاثة أوجه: فتارة يحج القائل وحده، وتارة يحج المقول له وحده، وتارة يحجان جميعا. [ ص: 1655 ]

                                                                                                                                                                                        فقال مالك : إن نوى حمله على عنقه; حج القائل ماشيا ويهدي، ولا شيء عليه في الرجل. وإن نوى أن يحجه من ماله; فعل ذلك، إلا أن يأبى، ولا شيء عليه في نفسه. وإن لم تكن له نية; حج راكبا، وحج بالرجل معه ، ولا هدي عليه .

                                                                                                                                                                                        وليس هذا الوجه بالبين; لأنه لا يخلو أن يحمل قوله على حمله بنفسه، فيكون عليه أن يحج ماشيا، ولا شيء عليه في الرجل. أو يحمل على حمله من ماله، فيحجه إلا أن يأبى، ولا شيء عليه في نفسه أو يقال: إن ذلك محتمل الوجهين جميعا، ويؤخذ فيه بالأحوط، فيحج هو ماشيا، ويحج الرجل من ماله راكبا.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يحمل قوله على حمله من ماله; لأنه ليس العادة أن يقصد حمله على عنقه، ويقصدون الحمل من المال، وقد قال عمر: "حملت على فرس في سبيل الله – عز وجل -فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه. . ." الحديث . وقال الله تعالى: ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم [التوبة: 92] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والله لا أحملكم، ثم قال: ما حملتكم بل الله حملكم. . ." الحديث . ولو قال: أنا أحج فلانا، أو أحج به، أو أحمله في غير يمين، لكانت عدات فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل. [ ص: 1656 ]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في الرجل يقول: أنا أحمل هذا العمود إلى بيت الله، أو هذه الطنفسة: إنه يحج ماشيا، ويهدي .

                                                                                                                                                                                        وقال محمد : إن كان ذلك الشيء مما يقوى على حمله; خرج راكبا حاجا أو معتمرا، ولا شيء عليه فيما ترك من حمل ذلك.

                                                                                                                                                                                        وحمل قوله ذلك: أنه يريد أن يحمله وهو راكب.

                                                                                                                                                                                        وقول مالك : أنه يخرج ماشيا استحسان; لأنه نذر معصية، ولا يجوز أن ينذر لله شيئا من ذلك. ولو كان ممن يجهل ويظن أن في ذلك طاعة، لم يلزمه شيء.

                                                                                                                                                                                        وقد قال ابن القاسم فيمن قال: علي السير إلى مكة: لا شيء عليه.

                                                                                                                                                                                        وفي البخاري قال ابن عباس - رضي الله عنه -: "بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا، فليتكلم، ويقعد ويستظل ويصم" فأمره أن يوفي بما كان طاعة، ولم يجعل عليه فيما سوى ذلك شيئا; لأنه كان يظن أن لله في ذلك طاعة، ولو علم لكان نذرا في معصية، ويؤمر أن يتقرب إلى الله بطاعة. [ ص: 1657 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية