الباب الرابع في حكم أقواله الدنيوية من إخباره عن أحواله وأحوال غيره وما يفعله أو فعله صلى الله عليه وسلم .
قال القاضي : وأما أقواله الدنيوية من إخباره عن أحوال غيره وما يفعله أو فعله الخلف فيها ممتنع عليه في كل حال ، وعلى أي وجه ، من عمد أو سهو ، أو صحة أو مرض ، أو رضا أو غضب ، وأنه معصوم منه صلى الله عليه وسلم .
هذا فيما طريقه الخبر المحض مما يدخله الصدق والكذب ، فأما المعاريض الموهم ظاهرها خلاف باطنها فجائز ورودها منه في الأمور الدنيوية لا سيما لقصد المصلحة ، كتوريته عن وجه مغازيه؛ لئلا يأخذ العدو حذره .
وكما روي من
nindex.php?page=treesubj&link=19183ممازحته ودعابته لبسط أمته وتطييب قلوب المؤمنين من صحابته ، وتأكيدا في تحببهم ومسرة نفوسهم ،
كقوله :
لأحملنك على ابن الناقة .
وقوله للمرأة التي سألته عن زوجها :
أهو الذي بعينه بياض .
وهذا كله صدق؛ لأن كل جمل ابن ناقة ، وكل إنسان بعينه بياض .
وقد قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=907899nindex.php?page=treesubj&link=19183إني لأمزح ولا أقول إلا حقا .
هذا كله فيما بابه الخبر ، فأما ما بابه غير الخبر مما صورته صورة الأمر والنهي في الأمور الدنيوية فلا يصح منه أيضا ، ولا يجوز عليه أن يأمر أحدا بشيء أو ينهى أحدا عن شيء وهو يبطن خلافه .
وقد قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=675716ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين ، فكيف أن تكون له خيانة قلب .
((فإن قلت)) : فما معنى إذا قوله تعالى في قصة زيد :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه . . .
فاعلم- أكرمك الله ، ولا تسترب في تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الظاهر ، وأن يأمر زيدا بإمساكها وهو يحب تطليقه إياها .
وأصح ما في هذا ما حكاه أهل التفسير
عن
علي بن حسين- أن الله تعالى كان أعلم نبيه أن
زينب ستكون من أزواجه ، فلما شكاها إليه
زيد قال له : أمسك عليك زوجك ، واتق الله . وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به من أنه سيتزوجها مما الله مبديه ومظهره بتمام التزويج وتطليق زيد لها .
[ ص: 11 ]
وروى نحوه
عمرو بن فائد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، قال :
نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه أن الله يزوجه nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش ، فذلك الذي أخفى في نفسه .
ويصحح هذا قول المفسرين في قوله تعالى بعد هذا :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وكان أمر الله مفعولا ؛ أي : لا بد لك أن تتزوجها .
ويوضح هذا أن الله لم يبد من أمره معها غير زواجه لها ، فدل أنه الذي أخفاه صلى الله عليه وسلم مما كان أعلمه به تعالى .
وقوله تعالى في القصة :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=38ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له * سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا .
فدل أنه لم يكن عليه حرج في الأمر .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : ما كان الله ليؤثم نبيه فيما أحل مثال فعله لمن قبله من الرسل ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=38سنة الله في الذين خلوا من قبل ؛ أي : من النبيين فيما أحل لهم ، ولو كان على ما روي في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة من وقوعها من قلب النبي صلى الله عليه وسلم عند ما أعجبته ، ومحبته طلاق زيد لها لكان فيه أعظم الحرج ، وما لا يليق به من مد عينيه لما نهي عنه من زهرة الحياة الدنيا ، ولكان هذا نفس الحسد المذموم الذي لا يرضاه ولا يتسم به الأتقياء ، فكيف سيد الأنبياء ؟
قال
القشيري : وهذا إقدام عظيم من قائله ، وقلة معرفة بحق النبي صلى الله عليه وسلم وبفضله .
وكيف يقال : رآها فأعجبته وهي بنت عمته ، ولم يزل يراها منذ ولدت ، ولا كان النساء يحتجبن منه صلى الله عليه وسلم ، وهو زوجها
لزيد ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=34045_28410جعل الله طلاق زيد لها ، وتزويج النبي صلى الله عليه وسلم إياها ، لإزالة حرمة التبني ، وإبطال سنته ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40ما كان محمد أبا أحد من رجالكم . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم .
ونحوه لابن فورك .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث السمرقندي : فإن قيل : فما الفائدة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم
لزيد بإمساكها ؟ فهو أن الله أعلم نبيه أنها زوجته ، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن طلاقها ، إذ لم تكن بينهما ألفة ، وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به ، فلما طلقها زيد خشي قول الناس : يتزوج امرأة ابنه ، فأمره الله بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا .
وقد قيل : كان أمره
لزيد بإمساكها قمعا للشهوة ، وردا للنفس عن هواها . وهذا إذا جوزنا عليه أنه رآها فجأة واستحسنها . ومثل هذا لا نكرة فيه ، لما طبع عليه ابن آدم من استحسان
[ ص: 12 ] للحسن ، nindex.php?page=treesubj&link=19348ونظرة الفجاءة معفو عنها ، ثم قمع نفسه عنها ، وأمر زيدا بإمساكها ، وإنما تنكر تلك الزيادات التي في القصة . والتعويل والأولى ما ذكرناه عن علي بن حسين ، وحكاه
السمرقندي ، وهو قول
ابن عطاء ، وصححه واستحسنه القاضي القشيري ، وعليه عول أبو بكر بن فورك ، وقال : إنه معنى ذلك عقد المحققين من أهل التفسير ، قال : والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن استعمال النفاق في ذلك ، وإظهار خلاف ما في نفسه ، وقد نزهه الله عن ذلك بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=38ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له قال : ومن ظن ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ .
قال : وليس معنى الخشية هنا الخوف ، وإنما معناه الاستحياء ، أي : يستحي منهم أن يقولوا : تزوج زوجة ابنه .
وأن خشيته صلى الله عليه وسلم من الناس كانت من إرجاف المنافقين واليهود وتشغيبهم على المسلمين بقولهم : تزوج زوجة ابنه بعد نهيه عن نكاح حلائل الأبناء ، كما كان ، فعاتبه الله على هذا ، ونزهه عن الالتفات إليهم فيما أحله له ، كما عتبه على مراعاة رضا أزواجه في سورة التحريم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم .
وكذلك قوله له ها هنا :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه .
وقد روي عن
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة : لو كتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا كتم هذه الآية ، لما فيه من عتبة وإبداء ما أخفاه .
[ ص: 13 ]
الْبَابُ الرَّابِعُ فِي حُكْمِ أَقْوَالِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ إِخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِهِ وَأَحْوَالِ غَيْرِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ أَوْ فَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ الْقَاضِي : وَأَمَّا أَقْوَالُهُ الدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ إِخْبَارِهِ عَنْ أَحْوَالِ غَيْرِهِ وَمَا يَفْعَلُهُ أَوْ فَعَلَهُ الْخُلْفُ فِيهَا مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ ، وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ ، مِنْ عَمْدٍ أَوْ سَهْوٍ ، أَوْ صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ ، أَوْ رِضًا أَوْ غَضَبٍ ، وَأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
هَذَا فِيمَا طَرِيقُهُ الْخَبَرُ الْمَحْضُ مِمَّا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ ، فَأَمَّا الْمَعَارِيضُ الْمُوهِمُ ظَاهِرُهَا خِلَافَ بَاطِنِهَا فَجَائِزٌ وُرُودُهَا مِنْهُ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ لَا سِيَّمَا لِقَصْدِ الْمَصْلَحَةِ ، كَتَوْرِيَتِهِ عَنْ وَجْهِ مَغَازِيهِ؛ لِئَلَّا يَأْخُذَ الْعَدُوُّ حَذَرَهُ .
وَكَمَا رُوِيَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19183مُمَازَحَتِهِ وَدُعَابَتِهِ لِبَسْطِ أُمَّتِهِ وَتَطْيِيبِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ صَحَابَتِهِ ، وَتَأْكِيدًا فِي تَحَبُّبِهِمْ وَمَسَرَّةِ نُفُوسِهِمْ ،
كَقَوْلِهِ :
لِأَحْمِلَنَّكَ عَلَى ابْنِ النَّاقَةِ .
وَقَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي سَأَلَتْهُ عَنْ زَوْجِهَا :
أَهُوَ الَّذِي بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ .
وَهَذَا كُلُّهُ صِدْقٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ جَمَلٍ ابْنُ نَاقَةٍ ، وَكُلَّ إِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ .
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=907899nindex.php?page=treesubj&link=19183إِنِّي لَأَمْزَحُ وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا .
هَذَا كُلُّهُ فِيمَا بَابُهُ الْخَبَرُ ، فَأَمَّا مَا بَابُهُ غَيْرُ الْخَبَرِ مِمَّا صُورَتُهُ صُورَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ أَيْضًا ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا بِشَيْءٍ أَوْ يَنْهَى أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ يُبْطِنُ خِلَافَهُ .
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=675716مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ، فَكَيْفَ أَنْ تَكُونَ لَهُ خِيَانَةُ قَلْبٍ .
((فَإِنْ قُلْتَ)) : فَمَا مَعْنَى إِذًا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ زَيْدٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهُ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ . . .
فَاعْلَمْ- أَكْرَمَكَ اللَّهُ ، وَلَا تَسْتَرِبْ فِي تَنْزِيهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ ، وَأَنْ يَأْمُرَ زَيْدًا بِإِمْسَاكِهَا وَهُوَ يُحِبُّ تَطْلِيقَهُ إِيَّاهَا .
وَأَصَحُّ مَا فِي هَذَا مَا حَكَاهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ
عَنْ
عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّ
زَيْنَبَ سَتَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ ، فَلَمَّا شَكَاهَا إِلَيْهِ
زَيْدٌ قَالَ لَهُ : أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ، وَاتَّقِ اللَّهَ . وَأَخْفَى فِي نَفْسِهِ مَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ سَيَتَزَوَّجُهَا مِمَّا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَمُظْهِرُهُ بِتَمَامِ التَّزْوِيجِ وَتَطْلِيقِ زَيْدٍ لَهَا .
[ ص: 11 ]
وَرَوَى نَحْوَهُ
عَمْرُو بْنُ فَائِدٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ ، قَالَ :
نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْلِمُهُ أَنَّ اللَّهَ يُزَوِّجُهُ nindex.php?page=showalam&ids=15953زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ ، فَذَلِكَ الَّذِي أَخْفَى فِي نَفْسِهِ .
وَيُصَحِّحُ هَذَا قَوْلُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا ؛ أَيْ : لَا بُدَّ لَكَ أَنْ تَتَزَوَّجَهَا .
وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبْدِ مِنْ أَمْرِهِ مَعَهَا غَيْرَ زَوَاجِهِ لَهَا ، فَدَلَّ أَنَّهُ الَّذِي أَخْفَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا كَانَ أَعْلَمَهُ بِهِ تَعَالَى .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْقِصَّةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=38مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ * سُنَّةَ اللَّهُ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ قَدَرًا مَقْدُورًا .
فَدَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي الْأَمْرِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ : مَا كَانَ اللَّهُ لِيُؤْثِمَ نَبِيَّهُ فِيمَا أَحَلَّ مِثَالَ فِعْلِهِ لِمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=38سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ؛ أَيْ : مِنَ النَّبِيِّينَ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ مِنْ وُقُوعِهَا مِنْ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَا أَعْجَبَتْهُ ، وَمَحَبَّتِهِ طَلَاقَ زَيْدٍ لَهَا لَكَانَ فِيهِ أَعْظَمُ الْحَرَجِ ، وَمَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ مَدِّ عَيْنَيْهِ لِمَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَلَكَانَ هَذَا نَفْسَ الْحَسَدِ الْمَذْمُومِ الَّذِي لَا يَرْضَاهُ وَلَا يَتَّسِمُ بِهِ الْأَتْقِيَاءُ ، فَكَيْفَ سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ ؟
قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ : وَهَذَا إِقْدَامٌ عَظِيمٌ مِنْ قَائِلِهِ ، وَقِلَّةُ مَعْرِفَةٍ بِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِفَضْلِهِ .
وَكَيْفَ يُقَالُ : رَآهَا فَأَعْجَبَتْهُ وَهِيَ بِنْتُ عَمَّتِهِ ، وَلَمْ يَزَلْ يَرَاهَا مُنْذُ وُلِدَتْ ، وَلَا كَانَ النِّسَاءُ يَحْتَجِبْنَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ زَوَّجَهَا
لِزَيْدٍ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=34045_28410جَعَلَ اللَّهُ طَلَاقَ زَيْدٍ لَهَا ، وَتَزْوِيجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا ، لِإِزَالَةِ حُرْمَةِ التَّبَنِّي ، وَإِبْطَالِ سُنَّتِهِ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=40مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ .
وَنَحْوَهُ لِابْنِ فُورَكَ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11903أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ : فَإِنْ قِيلَ : فَمَا الْفَائِدَةُ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِزَيْدٍ بِإِمْسَاكِهَا ؟ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَ نَبِيَّهُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ ، فَنَهَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ طَلَاقِهَا ، إِذْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا أُلْفَةٌ ، وَأَخْفَى فِي نَفْسِهِ مَا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِهِ ، فَلَمَّا طَلَّقَهَا زَيْدٌ خَشِيَ قَوْلَ النَّاسِ : يَتَزَوَّجُ امْرَأَةَ ابْنِهِ ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِزَوَاجِهَا لِيُبَاحَ مِثْلُ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا .
وَقَدْ قِيلَ : كَانَ أَمْرُهُ
لِزَيْدٍ بِإِمْسَاكِهَا قَمْعًا لِلشَّهْوَةِ ، وَرَدًّا لِلنَّفْسِ عَنْ هَوَاهَا . وَهَذَا إِذَا جَوَّزْنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ رَآهَا فَجْأَةً وَاسْتَحْسَنَهَا . وَمِثْلُ هَذَا لَا نُكْرَةَ فِيهِ ، لِمَا طُبِعَ عَلَيْهِ ابْنُ آدَمَ مِنَ اسْتِحْسَانٍ
[ ص: 12 ] لِلْحُسْنِ ، nindex.php?page=treesubj&link=19348وَنَظْرَةُ الْفُجَاءَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهَا ، ثُمَّ قَمَعَ نَفْسَهُ عَنْهَا ، وَأَمَرَ زَيْدًا بِإِمْسَاكِهَا ، وَإِنَّمَا تُنْكَرُ تِلْكَ الزِّيَادَاتُ الَّتِي فِي الْقِصَّةِ . وَالتَّعْوِيلُ وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ ، وَحَكَاهُ
السَّمَرْقَنْدِيُّ ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ عَطَاءٍ ، وَصَحَّحَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ الْقَاضِي الْقُشَيْرِيُّ ، وَعَلَيْهِ عَوَّلَ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكَ ، وَقَالَ : إِنَّهُ مَعْنَى ذَلِكَ عَقْدُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ، قَالَ : وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَنِ اسْتِعْمَالِ النِّفَاقِ فِي ذَلِكَ ، وَإِظْهَارِ خِلَافِ مَا فِي نَفْسِهِ ، وَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=38مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ قَالَ : وَمِنْ ظَنٍّ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَخْطَأَ .
قَالَ : وَلَيْسَ مَعْنَى الْخَشْيَةِ هُنَا الْخَوْفَ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الِاسْتِحْيَاءُ ، أَيْ : يَسْتَحِي مِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا : تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ .
وَأَنَّ خَشْيَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ كَانَتْ مِنْ إِرْجَافِ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ وَتَشْغِيبِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِمْ : تَزَوَّجَ زَوْجَةَ ابْنِهِ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنْ نِكَاحِ حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ ، كَمَا كَانَ ، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ عَلَى هَذَا ، وَنَزَّهَهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَيْهِمْ فِيمَا أَحَلَّهُ لَهُ ، كَمَا عَتَبَهُ عَلَى مُرَاعَاةِ رِضَا أَزْوَاجِهِ فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لَهُ هَا هُنَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةَ : لَوْ كَتَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا كَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ ، لِمَا فِيهِ مِنْ عَتْبَةٍ وَإِبْدَاءِ مَا أَخْفَاهُ .
[ ص: 13 ]