الباب السابع في اشتداد الوجع عليه- زاده الله فضلا وشرفا-  
روى  ابن حبان  وابن سعد  عن  عائشة   - رضي الله تعالى عنها- قالت : جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشتكي ويتقلب على فراشه فقلت له : لو فعل هذا بغضنا قال : «إن الأنبياء يشدد عليهم» . 
وروى  الإمام أحمد  والشيخان وابن سعد  عن  عبد الله بن مسعود-  رضي الله تعالى عنه- قال : دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمسسته بيدي فقلت : يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال : «أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت : ذاك بأن لك أجرين ؟ قال : «نعم ، والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها»- . 
وروى ابن سعد  والشيخان  والبلاذري  عن  عائشة   - رضي الله تعالى عنها- قالت : ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .  [ ص: 239 ] 
وروى  الإمام أحمد  وابن سعد   والبخاري  في «الأدب»  وابن أبي الدنيا   وابن ماجه   وأبو يعلى   والحاكم  وصححه عن  أبي سعيد الخدري-  رضي الله تعالى عنه- فإذا عليه صالب من الحمى ما تكاد تقر يد أحدنا عليه من شدة الحمى . 
وفي رواية «دخلنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه قطيفة فوضعت يدي عليه فوق القطيفة فوجدت حرارتها فوق القطيفة فجعلنا نسبح فقال : «ليس أحد أشد بلاء من الأنبياء ،  كما يشدد علينا البلاء يضاعف لنا الأجر ، إن كان النبي من الأنبياء ليسلط عليه القمل حتى يقتله وإن كان النبي من الأنبياء ليعرى ما يجد شيئا يواري عورته إلا العباءة يدرعها ، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء» . 
وروى  ابن أبي شيبة   والإمام أحمد  بإسناد صحيح  والنسائي   والحاكم   وابن الجوزي  عن أبي عبيدة  عن عمته فاطمة بنت اليمان  أخت  حذيفة  قالت : أتينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في نساء نعوده فإذا سقاء معلق نحوه يقطر ماؤه عليه من شدة ما يجد من حر الحمى فقلنا : يا رسول الله لو دعوت الله يكشف عنك فقال : رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم» . 
وروى  الإمام أحمد  عن  عائشة   - رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه ! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب المؤمن نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت بها عنه خطيئة ورفع بها درجة» .  
وروى ابن سعد  عنها قالت : مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرضا اشتد منه ضجره أو وجعه فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقلت : يا رسول الله إنك لتجزع أو تضجر ، لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن المؤمنين يشدد عليهم ، لأنه لا يصيب المؤمن نكبة من شوكة فما فوقها ولا وجع إلا رفع الله تعالى له بها درجة وحط عنه بها خطيئة» . 
وروى  الإمام أحمد   والترمذي  وحسنه عن أسامة بن يزيد-  رضي الله تعالى عنه- قال : لما ثقل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعه هبط وهبط الناس معه إلى المدينة  ، فدخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد أصمت فلم يتكلم ، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها علي ، أعرف أنه يدعو لي . 
وروى  النسائي   والبيهقي  عن  عائشة   - رضي الله تعالى عنها- قالت : أغمي على  [ ص: 240 ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في حجرتي ، فجعلت أمسح له وجهه وأدعو له بالشفاء ، فقال : «بل أسأل الله الرفيق الأعلى لأسعد مع جبريل  وميكائيل  وإسرافيل» .  
وروى  الإمام أحمد  في «الزهد» وابن سعد  عن  عمر بن الخطاب-  رضي الله تعالى عنه- قال دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك فوضعت يدي فوق ثوبه ، فوجدت حرها من فوق الثوب ، فقلت : يا رسول الله ما وجدت أحدا تأخذه الحمى أشد من أخذها إياك قال : «كذلك يضاعف لنا الأجر إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون» . 
وروى  ابن أبي شيبة   والبخاري   والترمذي   والنسائي   وابن ماجه  عن  عائشة   - رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان بين يديه ركوة ، أو عليه فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه ثم يقول : اللهم أعني على سكرات الموت»- وفي لفظ : «لا إله إلا الله إن للموت سكرات» ثم نصب يده فجعل يقول : «في الرفيق الأعلى» . 
وروى  الإمام أحمد   والترمذي   والنسائي   وابن الجوزي  عنها قالت : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح ثم يمسح بها وجهه- وفي لفظ- ثم يمسح وجهه بالماء ، ثم قال : «اللهم أعني على سكرات الموت» . 
وروى  البلاذري  عنها قالت : لا أغبط أحدا يخفف عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- . 
ورواه  البخاري  بلفظ : لا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي- صلى الله عليه وسلم- . 
صالب الحمى- قال في الصحاح : الصالب : الحارة من الحمى ، خلاف الناقص تقول : صلبت عليه حمة تصلب بالكسر أي دامت واشتدت ، فهو مصلوب عليه هذا أي : طورا ونارا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					