الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : اختلف في معنى كون منبره على حوضه على ثلاثة أوجه .

                                                                                                                                                                                                                              الأول : قال الخطابي : معنى قوله : «ومنبري على حوضي»

                                                                                                                                                                                                                              أي إن قصد منبره وحضوره عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد [لصاحبه إلى] الحوض ويوجب الشرب منه .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : قال ابن النجار : المراد أن منبره الذي كان يقوم عليه- صلى الله عليه وسلم- يعيده الله كما يعيد سائر الخلائق ويكون على حوضه في ذلك اليوم .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو اليمن بن عساكر : وهو الأظهر ، وعليه أكثر الناس .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : قيل : إن المراد منبر يخلقه الله تعالى في ذلك اليوم ويجعله على حوضه .

                                                                                                                                                                                                                              قال السيد : ويظهر لي معنى رابع ، وهو أن البقعة التي عليها المنبر تعاد بعينها في الجنة ، ويعاد منبره ذلك على هيئته ، ليناسب ما في الجنة ، فيجعل المنبر عليها عند عقر الحوض وهو مؤخره ، وعن ذلك غير ب «ترعة من ترع الجنة» وذكر ذلك- صلى الله عليه وسلم- لأمته للترغيب للعمل بهذا المحل الشريف ليقضي بصاحبه إلى ذلك ، وهذا في الحقيقة جمع بين القولين الأولين .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : اختلفوا أيضا في معنى ما جاء في الروضة الشريفة .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : ومحصل ما أول العلماء به ذلك أن تلك البقعة كروضة من رياض الجنة [ ص: 349 ] في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل فيها من ملازمة حلق الذكر ، لا سيما في عهده- صلى الله عليه وسلم- فيكون مجازا [بغير أداة] ، أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازا أو هو على ظاهره ، وأن المراد أنها روضة حقيقية بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وهذه الأقاويل على ترتيبها هذا في القوة ، وهو محتمل لتقوية الأول والأخير ، والأخير أقواها عندي ، وهذا الذي ذهب إليه ابن النجار ، ونقله البرهان بن فرحون في «مناسكه» عن ابن الجوزي وغيره عن مالك ، فقال : وقوله : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة » .

                                                                                                                                                                                                                              حمله مالك رحمه الله تعالى على ظاهره ، فنقل عنه ابن الجوزي وغيره أنها روضة من رياض الجنة تنقل إلى الجنة ، وأنها ليست كسائر الأرض تذهب وتفنى ، ووافقه على ذلك جماعة من العلماء . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              ونقله الخطيب بن جملة عن الداودي وصححه ابن الحاج في «مدخله» لأن العلماء فهموا من ذلك مزية عظيمة لهذا المحل .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحافظ في موضع آخر بعد أن صدر بالثالث أو أنه على المجاز تكون العبادة فيه نزول إلى دخول العائد روضة الجنة ، وهذا فيه نظر؛ إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة ، والخير مسبوق لمزيد شرف تلك البقعة على غيرها ، وجمع الشيخ ابن أبي جمرة بين الثاني والثالث ، ولم يعول على ذكر الأول فقال : الأظهر ، والله أعلم ، الجمع بين الوجهين لكل منهما دليل يعضده ، أما الدليل على أن العمل فيها يوجب الجنة فلما جاء في فضل مسجدها في المضاعفة ، ولهذه البقعة زيادة على باقي بقعه .

                                                                                                                                                                                                                              وأما الدليل على كونها بعينها في الجنة فلإخباره- صلى الله عليه وسلم- بأن المنبر على الحوض لم يختلف أحد من العلماء أنه على ظاهره ، وأنه حق محسوس موجود على حوضه ، وقد نقل الخلاف قبل ، ثم قال : تقرر من قواعد الشرع أن البقع المباركة ما فائدة بركتها لنا ، والأخبار بذلك إلا تعميرها بالطاعات .

                                                                                                                                                                                                                              قال : ويحتمل وجها ثالثا؛ وهو أن تلك البقعة نفسها روضة من رياض الجنة الآن ، وتعود روضة في الجنة كما كان ، ويكون للعامل ، فالعمل فيه درجة في الجنة ، قال : وهو الأظهر لوجهين : أحدهما : علو منزلته- صلى الله عليه وسلم- وليكون بينه وبين الأبوة الإبراهيمية في هذا أشبه ، وهو أنه لما خص الله الخليل بحوض من الجنة خص الحبيب بالروضة منها . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وهو من النفاسة بمكان ، وفيه حمل اللفظ على ظاهره؛ إذ لا يقتضي بصرفه عنه ، ولا [ ص: 350 ]

                                                                                                                                                                                                                              يقدح في ذلك كوننا نشاهده على أراضي الدنيا؛ فإنه ما دام الإنسان في هذا العالم لا تنكشف له حقائق ذلك العالم لوجود الحجب الكثيفة .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : تخصيص ما أحاطت به البينة المذكورة لذلك إما تعبدا ، وإما لكثرة تردده- صلى الله عليه وسلم- بين بيته ومنبره ، وقرب ذلك من قبره الشريف الذي هو الروضة العظمى كما أشار إليه ابن أبي جمرة أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : اختلفوا في مكان الروضة .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية