المسألة الخامسة لما قررنا حظ التفسير والأصول في هذه الآية تركبت عليها مسألة من الأحكام ، وهو إذا نذر الرجل ذبح ولده    . فقال  الشافعي    : هي معصية يستغفر الله منها . 
وقال  أبو حنيفة    : هي كلمة يلزمه بها ذبح شاة . 
وقال  أبو عبد الله إمام دار الهجرة    : يلزمه ذبح شاة في تفصيل بيناه في كتب الفروع . 
والذي ذكرناه هو الذي ننظره الآن . 
ودليلنا أن الله تعالى جعل ذبح الولد عبارة عن ذبح الشاة شرعا ، فألزم الله إبراهيم  ذبح الولد ، وأخرجه عنه بذبح الشاة ، وكذلك إذا نذر العبد ذبح ولده يجب أن يلزمه ذبح شاة ; لأن  [ ص: 28 ] الله تعالى قال : { ملة أبيكم إبراهيم    } . والإيمان إلزام أصلي . والنذر إلزام فرعي ، فيجب أن يكون عليه محمولا . 
فإن قيل : كيف يؤمر إبراهيم  بذبح الولد وهي معصية والأمر بالمعصية لا يجوز ؟ قلنا : هذا اعتراض على كتاب الله ، فلا يكون ذلك ممن يعتقد الإسلام ، فكيف ممن يفتي في الحلال منه والحرام ؟ وقد قال الله تعالى : { افعل ما تؤمر    } . 
والذي يجلو الالتباس عن قلوب الناس في ذلك أن المعاصي والطاعات ليست بأوصاف ذاتية للأعيان ; وإنما الطاعة عبارة عما تعلق به الأمر من الأفعال ، والمعصية عبارة عما تعلق به النهي من الأفعال ، فلما تعلق الأمر بذبح الولد إسماعيل  من إبراهيم  صار طاعة وابتلاء ، ولهذا قال الله تعالى : { إن هذا لهو البلاء المبين    } ; أي الصبر على ذبح الولد والنفس . 
ولما تعلق النهي بنا في ذبح أبنائنا صار معصية . 
فإن قيل : كيف يصير نذرا وهو معصية ؟ قلنا : إنما يصير معصية لو كان هو يقصد ذبح ولده بنذره ولا ينوي الفداء . 
فإن قيل : فإن وقع ذلك وقصد المعصية ولم ينو الفداء ؟ قلنا : لو قصد ذلك لم يضره في قصده ، ولا أثر في نذره ، لأن ذبح الولد صار عبارة عن ذبح الشاة شرعا . 
فإن قيل : فكيف يصح أن يكون عبارة عنه وكناية فيه ، وإنما يصح أن يكون الشيء كناية عن الشيء بأحد وجهين ; إما باشتباههما في المعنى الخاص ، وإما بنسبة تكون بينهما ، وها هنا لا نسبة بين الطاعة وهو النذر ، ولا بين المعصية وهي ذبح الولد ، ولا تشابه أيضا بينهما ، فإن ذبح الولد ليس بسبب لذبح الشاة . 
قلنا : هو سبب له شرعا لأنه جعل كناية عنه في الشرع . والأسباب إنما تعرف عادة أو شرعا ، وقد استوفينا باقي الكلام على المسألة في كتب الأصول ومسائل الخلاف . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					