المسألة الرابعة : قوله تعالى { أن يطوف بهما    } 
 [ ص: 70 ] وهي معارضة الآية ، وروى ابن شهاب  عن {  عروة  قلت  لعائشة  رضي الله عنها : أرأيت قول الله تبارك وتعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر الله    } الآية فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بهما قالت عائشة  رضي الله عنها : بئس ما قلت يا ابن أختي ، إنها لو كانت على ما تأولتها لكان فلا جناح عليه ألا يطوف بهما ، إنما كان هذا الحي من الأنصار  قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدون عند المشلل  ، فكان من أهل لمناة يتحرج أن يطوف بالصفا  والمروة  ، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا  والمروة  ، فأنزل الله تعالى : { الصفا والمروة    } ثم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما   } ، فليس ينبغي لأحد أن يدع الطواف بينهما . 
قال ابن شهاب    : فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن  ، فقال : إن هذا العلم ، أي ما سمعت به . 
تحقيق هذا الحديث وتفهيمه : اعلموا وفقكم الله تعالى أن قول القائل : لا جناح عليك أن تفعل ، إباحة للفعل ، وقوله : ( فلا جناح عليك ألا تفعل ) إباحة لترك الفعل ; فلما سمع  عروة  رضي الله عنه قول الله سبحانه : { فلا جناح عليه أن يطوف بهما    } قال : هذا دليل على أن ترك الطواف  جائز ، ثم رأى الشريعة مطبقة على أن الطواف لا رخصة في تركه ، فطلب الجمع بين هذين المتعارضين ، فقالت له عائشة  رضي الله عنها : ليس قوله تعالى : { فلا جناح عليه أن يطوف بهما    } دليلا على ترك الطواف ; إنما يكون دليلا على تركه لو كان : ( فلا جناح عليه ألا يطوف ) . 
فلم يأت هذا اللفظ لإباحة ترك الطواف ، ولا فيه دليل عليه ، وإنما جاء لإفادة إباحة الطواف لمن كان  [ ص: 71 ] يتحرج منه في الجاهلية ، أو لمن كان يطوف به في الجاهلية قصدا للأصنام التي كانت فيه ; فأعلمهم الله تعالى أن الطواف ليس بمحظور إذا لم يقصد الطائف  قصدا باطلا . 
فأدت الآية إباحة الطواف بينهما ، وسل سخيمة الحرج التي كانت في صدور المسلمين منها قبل الإسلام وبعده ، وقال الله تعالى : { الصفا والمروة من شعائر الله    } أي من معالم الحج ومناسكه ومشروعاته ، لا من مواضع الكفر ، وموضوعاته ; فمن جاء البيت  حاجا أو معتمرا فلا يجد في نفسه شيئا من الطواف بهما . 
وهم وتنبيه : [ قال الفراء    ] : معنى قوله : ( لا جناح عليه ألا يطوف بهما ) معناه أن يطوف ، وحرف " لا " زائدة ، وهذا ضعيف من وجهين : أحدهما : أنا قد بينا في مواضع أنه يبعد أن تكون " لا " زائدة . 
الثاني : أنه لا لغوي ولا فقيه يعادل  عائشة  رضي الله عنها وقد قررتها غير زائدة ، وقد بينت معناها ، فلا رأي للفراء  ولا غيره . 
المسألة الخامسة : اختلف الناس في السعي بين الصفا  والمروة     : فقال  الشافعي    : إنه ركن ، وقال  أبو حنيفة    : ليس بركن . 
ومشهور مذهب  مالك  أنه ركن ، وفي العتبية : يجزئ تاركه الدم . 
 [ ص: 72 ] ومعول من نفى وجوبه وركنيته أن الله تعالى إنما ذكره في رفع الحرج خاصة كما تقدم بيانه . 
ودليلنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا   } . صححه  الدارقطني  ويعضده المعنى فإنه شعار لا يخلو عنه الحج والعمرة ، فكان ركنا كالطواف ، وما ذكروه من رفع الحرج أو تركه فقد تقدم القول فيه . 
المسألة السادسة : قوله تعالى : { ومن تطوع خيرا    } 
تعلق به من ينفي ركنية السعي   كأبي حنيفة  وغيره قال : إن الله تعالى رفع الحرج عن تركه ، وقال تعالى بعد ذلك : ومن تطوع خيرا بفعله فإن الله يأجره . 
والتطوع هو ما يأتيه المرء من قبل نفسه ، وهذا ليس يصح ; لأنا قد بينا إلى أي معنى يعود رفع الجناح . 
وقوله تعالى : { ومن تطوع    } إشارة إلى السعي واجب ، فمن تطوع بالزيادة عليه فإن الله تعالى يشكر ذلك له . 
				
						
						
