المسألة الرابعة عشرة : قوله تعالى : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة    } : والميثاق هو العهد المؤكد الذي قد ارتبط وانتظم ، ومنه الوثيقة ففيه الدية . قال  ابن عباس    : هذا هو الكافر الذي له ولقومه العهد ، فعلى قاتله الدية لأهله والكفارة لله سبحانه ، وبه قال جماعة من التابعين  والشافعي    . وقال  مالك  وابن زيد  والحسن    : المراد به ، وهو مؤمن . 
واختار  الطبري  أن يكون المراد به المقتول الكافر من أهل العهد  لأن الله سبحانه أهمله ولم يقل وهو مؤمن ، كما قال في القتيل من المؤمنين ومن أهل الحرب ، وإطلاقه ما قيد قبل ذلك دليل أنه خلافه . 
وهذا عند علمائنا محمول على ما قبله من وجهين : أحدهما : أن هذه الجملة نسقت على ما قبلها وربطت بها ; فوجب أن يكون حكمها حكمه . 
الثاني : أن الله سبحانه قال : { فدية مسلمة    } وقد اختلف الناس في دية الكافر  ، فمنهم من جعلها كدية المسلم ، وهو  أبو حنيفة  وجماعة ; ومنهم من جعلها على النصف ، وهو  مالك  وجماعة ، ومنهم من جعلها ثلث دية المسلم ، وهو  الشافعي  وجماعة . والدية المسلمة هي الموفرة .  [ ص: 604 ] 
قال القاضي    : والذي عندي  أن هذه الجملة محمولة على ما قبلها حمل المطلق على المقيد ، وهو أصل من أصول الفقه اختلف الناس فيه ، وقد أتينا فيه بالعجب في المحصول ، وهو عندي  لا يلحق إلا بالقياس عليه . 
والدليل على حمل هذه الجملة على التي قبلها أمران : 
أحدهما : أن الكفارة إنما هي لأنه أتلف شخصا عن عبادة الله ; فيلزمه أن يخلص آخر لها . 
والثاني : أن الكفارة إنما هي زجر عن الاسترسال وتقاة للحذر ، وحمل على التثبت عند الرمي ; وهذا إنما هو في حق المسلم . وأما في حق الكافر فلا يلزم فيه مثل هذا . 
ونحرر هذا قياسا فنقول : كل كافر لا كفارة في قتله [ كالمستأمن وقد اتفقنا على أنه لا كفارة في قتله ] ، ولا عذر لهم عنه به احتفال . 
المسألة الخامسة عشرة : إذا ثبت أن المذكور في هذه الجملة هو المؤمن ، فمن قتل كافرا خطأ ، وله عهد  ففيه الدية إجماعا . وقد اختلفوا فيه كما تقدم ، وهو أصل بديع في رفع الدماء . ونحن نمهد فيه قاعدة قوية فنقول : مبنى الديات في الشريعة على التفاضل في الحرمة والتفاوت في المرتبة ; لأنه حق مالي يتفاوت بالصفات ، بخلاف القتل ، لأنه لما شرع زجرا لم يعتبر فيه ذلك التفاوت ، فإذا ثبت هذا نظرنا إلى الدية فوجدنا الأنثى تنقص فيه عن الذكر ; ولا بد أن يكون للمسلم مزية على الكافر ; فوجب ألا يساويه في ديته . وزاد  الشافعي  نظرا ، فقال : إن الأنثى المسلمة فوق الكافر الذكر ، فوجب أن تنقص ديته عن ديتها ، فتكون ديته ثلث دية المسلم .  [ ص: 605 ] 
وقال  مالك  بقضاء  عمر  وهو النصف ; إذ لم يراع الصحابة التفاوت بينهما إلا في درجة واحدة ، ولم يتبع ذلك إلى أقصاه ، وليس بعد قضاء  عمر  بمحضر من الصحابة نظر . 
وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه أعطى في ذي العهد مثل دية المسلم   } فإنما كان على معنى الاستئلاف لقومهم ; إذ كان يؤديه من قبل نفسه ولا يرتبها على العاقلة ، وإلا فقد استقر ما استقر على يد  عمر  ، حتى جعل في المجوسي ثمانمائة درهم لنقصه عن أهل الكتاب  ، وهذا يدل على مراعاة التفاوت واعتبار نقص المرتبة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					