[ ص: 67 ] ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة 
في صفر منها أحضر الخليفة رجلا كان يقطع الطريق بدجلة  ، فضرب بين يديه ألف سوط ، ثم ضربت عنقه وقطعت أيدي أصحابه وأرجلهم . 
وفيها أمر القاهر بالله  بإبطال الخمر والمغاني والقيان  ، وأمر ببيع الجواري المغنيات في سوق النخس على أنهن سواذج ، قال  ابن الأثير    : وإنما فعل القاهر  ذلك ; لأنه كان محبا للغناء ، فأراد أن يشتري الجواري المغنيات بأرخص الأثمان ، نعوذ بالله من هذه الأخلاق . 
وفيها أشاعت العامة بينهم بأن الحاجب علي بن يلبق  يريد أن يلعن معاوية  على المنابر ، فلما بلغ ذلك الحاجب بعث إلى رئيس الحنابلة أبي محمد البربهاري  الواعظ ليقابله على ذلك ، فهرب واختفى ، فأمر بجماعة من أصحابه فحدروا إلى البصرة    . 
وفيها عظم الخليفة وزيره أبا علي بن مقلة  وخاطبه بالاحترام والإكرام ، ثم إن الوزير  ومؤنسا الخادم  وعلي بن يلبق  وجماعة من الأمراء اشتوروا فيما بينهم على خلع القاهر بالله  وتولية أبي أحمد بن المكتفي  ، وبايعوه فيما   [ ص: 68 ] بينهم سرا ، وضيقوا على القاهر بالله  في رزقه ومن يجتمع به ، وأرادوا القبض عليه سريعا ، فبلغ ذلك الخليفة على يدي طريف السبكري  ، فسعى في القبض عليهم ، فوقع في مخاليبه الأمير الكبير المظفر مؤنس الخادم  وأمر بحبسه قبل أن يراه ، والاحتياط على دوره وأملاكه ، وكانت فيه عجلة وجرأة وهوج وخرق شديد ، وجعل في منزلته - إمرة الأمراء ورياسة الجيش - طريفا السبكري  ، وقد كان أحد الأمراء عند مؤنس الخادم  قبل ذلك . وقبض على يلبق ، واختفى ولده علي بن يلبق ، وكذا هرب الوزير أبو علي بن مقلة  ، فاستوزر بدله أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله  في مستهل شعبان ، وخلع عليه ، وأمر بتحريق دار أبي علي بن مقلة  ، ووقع النهب ببغداد  ، وهاجت الفتنة ، وأمر القاهر  بأن يجعل أبو أحمد بن المكتفي  بين حائطين ، ويسد عليه بالآجر والكلس وهو حي ، فمات ، وأرسل إلى المختفين فنادى : إن من أخفاهم خربت داره . فوقع بعلي بن يلبق  فقتله ، ذبح بين يديه كما تذبح الشاة ، فأخذ رأسه في طست ، ودخل القاهر  بنفسه على أبيه يلبق  ، فوضع الرأس بين يديه ، فلما رآه بكى ، وأخذ يقبله ويترشفه ، فأمر بذبحه أيضا فذبح ، ثم أخذ الرأسين في طستين ، فدخل بهما على مؤنس الخادم  فلما رآهما تشهد ولعن قاتلهما ، فقال القاهر  عند ذلك : جروا برجل الكلب . فأخذ فذبح أيضا ، وأخذ رأسه فوضع في طست ، وطيف بالرءوس في بغداد  ونودي عليهم : هذا جزاء من يخون الإمام ، ويسعى في الدولة فسادا . ثم أعيدت الرءوس إلى خزائن السلاح . 
 [ ص: 69 ] وفي ذي القعدة قبض القاهر  على الوزير أبي جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله  وسجنه ، وكان مريضا بالقولنج ، فبقي ثمانية عشر يوما ومات ، فكانت وزارته ثلاثة أشهر واثني عشر يوما ، واستوزر مكانه أبا العباس أحمد بن عبيد الله بن سليمان الخصيبي  ، ثم قبض على طريف السبكري  وسجنه ، فلم يزل السبكري  فيه حتى خلع القاهر    . 
وفيها جاء الخبر بموت تكين الخاصة بديار مصر  ، وأن ابنه محمدا  قد قام بالأمر بعده فيها ، وسارت الخلع إليه من القاهر بالله  تنفيذا لولايته واستقرارها . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					