[ ص: 538 ] ذكر طوافه صلى الله عليه وسلم بين الصفا  والمروة   
روى مسلم  في " صحيحه " عن جابر  في حديثه الطويل المتقدم ، بعد ذكره طوافه ، عليه الصلاة والسلام ، بالبيت سبعا وصلاته عند المقام ركعتين قال : ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ،  فلما دنا من الصفا  قرأ : " إن الصفا والمروة من شعائر الله    " أبدأ بما بدأ الله به " . فبدأ بالصفا ،  فرقي عليه حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله وكبره ، وقال : " لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده " . ثم دعا بين ذلك ، فقال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل  ، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ،   فرقي عليها ، حتى نظر إلى البيت ، فقال عليها كما قال على الصفا    . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا عمر بن هارون البلخي أبو حفص  ، ثنا  ابن جريج  عن بعض بني  يعلى بن أمية  عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مضطبعا بين الصفا  والمروة  ببرد له نجراني . 
وقال  الإمام أحمد    : ثنا يونس  ، ثنا عبد الله بن المؤمل  ، عن عمر بن   [ ص: 539 ] عبد الرحمن  ، ثنا عطاء  ، عن صفية بنت شيبة  ، عن حبيبة بنت أبي تجراة  قالت : دخلت دار أبي حسين  في نسوة من قريش  ، والنبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا  والمروة    . قالت : وهو يسعى يدور به إزاره من شدة السعي ، وهو يقول لأصحابه : " اسعوا ، إن الله كتب عليكم السعي " 
وقال أحمد  أيضا : ثنا سريج  ، ثنا عبد الله بن المؤمل  ، عن عمر بن عبد الرحمن  ، ثنا عطاء بن أبي رباح  عن صفية بنت شيبة  ، عن حبيبة بنت أبي تجراة  قالت : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بين الصفا  والمروة  ، والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى ، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره ، وهو يقول : " اسعوا ، فإن الله كتب عليكم السعي " تفرد به أحمد    . 
وقد رواه أحمد  أيضا عن عبد الرزاق  ، عن معمر  ، عن واصل مولى أبي عيينة  ، عن موسى بن عبيدة  ، عن صفية بنت شيبة  ، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا  والمروة  يقول : " كتب عليكم السعي فاسعوا " وهذه المرأة هي حبيبة بنت أبي تجراة  المصرح بذكرها في الإسنادين الأولين . 
وعن أم ولد  شيبة بن عثمان  أنها أبصرت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا  والمروة  وهو يقول : لا يقطع الأبطح   [ ص: 540 ] إلا شدا رواه  النسائي    . والمراد بالسعي هاهنا هو الذهاب من الصفا  إلى المروة ،  ومنها إليها ، وليس المراد بالسعي هاهنا الهرولة والإسراع ، فإن الله لم يكتبه علينا حتما ، بل لو مشى الإنسان على هينة في السبع الطوفات بينهما ولم يرمل في المسيل ، أجزأه ذلك عند جماعة العلماء ، لا يعرف بينهم اختلاف في ذلك . 
وقد نقله الترمذي  ، رحمه الله ، عن أهل العلم ، ثم قال : ثنا يوسف بن عيسى  ، ثنا ابن فضيل  ، عن عطاء بن السائب  ، عن كثير بن جمهان  قال : رأيت ابن عمر  يمشي في المسعى فقلت : أتمشي في السعي بين الصفا  والمروة  ؟ فقال : لئن سعيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى ، ولئن مشيت لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ، وأنا شيخ كبير . ثم قال : هذا حديث حسن صحيح ، وقد روى سعيد بن جبير  ، عن ابن عمر  نحو هذا . وقد رواه أبو داود   والنسائي   وابن ماجه  من حديث عطاء بن السائب  ، عن كثير بن جمهان السلمي الكوفي  ، عن ابن عمر    . فقول ابن عمر  أنه شاهد الحالين منه صلى الله عليه وسلم يحتمل شيئين ; أحدهما أنه رآه يسعى في وقت ماشيا لم يمزجه برمل فيه بالكلية والثاني أنه رآه يسعى في بعض الطريق ويمشي في بعضه . وهذا له قوة ; لأنه قد روى  البخاري  ومسلم  من   [ ص: 541 ] حديث  عبيد الله بن عمر العمري  ، عن نافع  ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى بطن المسيل إذا طاف بين الصفا  والمروة    . وتقدم في حديث جابر  أنه ، عليه الصلاة والسلام ، نزل من الصفا ،  فلما انصبت قدماه في الوادي رمل ، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة    . وهذا هو الذي تستحبه العلماء قاطبة ; أن الساعي بين الصفا  والمروة  يستحب له أن يرمل في بطن الوادي  في كل طوفة في بطن المسيل الذي بينهما ، وحددوا ذلك بما بين الأميال الخضر ، فواحد مفرد من ناحية الصفا  مما يلي المسجد ، واثنان مجتمعان من ناحية المروة  مما يلي المسجد أيضا . وقال بعض العلماء : ما بين هذه الأميال اليوم أوسع من بطن المسيل الذي رمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالله أعلم . 
وأما قول محمد بن حزم  في الكتاب الذي جمعه في حجة الوداع : ثم خرج ، عليه الصلاة والسلام ، إلى الصفا  فقرأ : إن الصفا والمروة من شعائر الله  أبدأ بما بدأ الله به " . فطاف بين الصفا  والمروة  أيضا سبعا  راكبا على بعير ، يخب ثلاثا ويمشي أربعا . فإنه لم يتابع على هذا القول ، ولم يتفوه به أحد قبله من أنه ، عليه الصلاة والسلام ، خب ثلاثة أشواط بين الصفا  والمروة  ومشى أربعا ،  ثم مع هذا الغلط الفاحش لم يذكر عليه دليلا بالكلية ، بل لما انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال : ولم نجد عدد الرمل بين الصفا  والمروة  منصوصا ، ولكنه متفق عليه . هذا لفظه فإن أراد أن الرمل   [ ص: 542 ] في الطوفات الثلاث الأول - على ما ذكر - متفق عليه ، فليس بصحيح بل لم يقله أحد . وإن أراد أن الرمل في الثلاث الأول في الجملة متفق عليه ، فلا يجدي له شيئا ولا يحصل له مقصودا ، فإنهم كما اتفقوا على الرمل في الثلاث الأول في بعضها على ما ذكرناه ، كذلك اتفقوا على استحبابه في الأربع الأخر أيضا ، فتخصيص  ابن حزم  الثلاث الأول باستحباب الرمل فيها ، مخالف لما ذكره العلماء . والله أعلم . وأما قول ابن حزم أنه ، عليه الصلاة والسلام ، كان راكبا بين الصفا  والمروة    . فقد تقدم عن ابن عمر  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى بطن المسيل أخرجاه . وللترمذي عنه : إن أسعى فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى ، وإن مشيت فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي . وقال جابر    : فلما انصبت قدماه في الوادي رمل ، حتى إذا صعد مشى . رواه مسلم    . وقالت حبيبة بنت أبي تجراة    : يسعى ، يدور به إزاره من شدة السعي . رواه أحمد    . وفي " صحيح مسلم    " عن جابر  كما تقدم أنه رقي على الصفا  حتى رأى البيت . وكذلك على المروة    . 
وقد قدمنا من حديث محمد بن إسحاق  ، عن  أبي جعفر الباقر  ، عن جابر  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بعيره على باب المسجد ، يعني حتى طاف ، ثم لم يذكر أنه ركبه حال ما خرج إلى الصفا    . وهذا كله مما يقتضي أنه ، عليه الصلاة والسلام ، سعى بين الصفا  والمروة  ماشيا    . 
ولكن قال مسلم    : ثنا عبد بن حميد  ، ثنا محمد - يعني ابن بكر    - أنا ابن   [ ص: 543 ] جريج  أخبرني أبو الزبير  ، أنه سمع  جابر بن عبد الله  يقول : طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا  والمروة  ليراه الناس ، وليشرف وليسألوه ; فإن الناس غشوه ، ولم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا  والمروة  إلا طوافا واحدا . ورواه مسلم  أيضا ، عن أبي بكر بن أبي شيبة  ، عن علي بن مسهر  ، وعن علي بن خشرم  ، عن عيسى بن يونس  ، وعن محمد بن حاتم  ، عن يحيى بن سعيد  ، كلهم عن  ابن جريج  به . وليس في بعضها : وبين الصفا  والمروة    . 
وقد رواه أبو داود  ، عن  أحمد بن حنبل  ، عن  يحيى بن سعيد القطان  ، عن  ابن جريج  ، أخبرني أبو الزبير  ، أنه سمع  جابر بن عبد الله  يقول : طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا  والمروة    . ورواه  النسائي  ، عن الفلاس  ، عن يحيى  ، وعن عمران بن يزيد  ، عن شعيب بن إسحاق  ، كلاهما عن  ابن جريج  به . فهذا محفوظ من حديث  ابن جريج  وهو مشكل جدا ; لأن بقية الروايات عن جابر  وغيره تدل على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، كان ماشيا بين الصفا  والمروة    . وقد تكون رواية  أبي الزبير  عن جابر  بهذه الزيادة -   [ ص: 544 ] وهي قوله : وبين الصفا  والمروة    - مقحمة أو مدرجة ممن بعد الصحابي . والله أعلم . أو أنه ، عليه الصلاة والسلام ، طاف بين الصفا  والمروة  بعض الطوفات على قدميه ، وشوهد منه ما ذكر ، فلما ازدحم الناس عليه وكثروا ركب ، كما يدل عليه حديث ابن عباس  الآتي قريبا . وقد سلم  ابن حزم  أن طوافه الأول بالبيت كان ماشيا ، وحمل ركوبه في الطواف على ما بعد ذلك ، وادعى أنه كان راكبا في السعي بين الصفا  والمروة ،  قال : لأنه لم يطف بينهما إلا مرة واحدة . ثم تأول قول جابر    : حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل . بأنه يصدق ذلك وإن كان راكبا ; فإنه إذا انصب بعيره فقد انصب كله وانصبت قدماه مع سائر جسده . قال : وكذلك ذكر الرمل يعني به رمل الدابة براكبها . وهذا التأويل بعيد جدا . والله أعلم . 
وقال أبو داود :  ثنا أبو سلمة موسى  ، ثنا حماد  ، أنبأنا أبو عاصم الغنوي  ، عن  أبي الطفيل  قال : قلت  لابن عباس    : يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت ، وأن ذلك سنة . قال : صدقوا وكذبوا . فقلت ما صدقوا وما كذبوا ؟! قال : صدقوا قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذبوا ; ليس بسنة ، إن قريشا  قالت زمن الحديبية دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف . فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم   [ ص: 545 ] لأصحابه : " ارملوا بالبيت ثلاثا " . وليس بسنة . قلت : يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا  والمروة  على بعير وأن ذلك سنة . قال : صدقوا وكذبوا . قلت : ما صدقوا وما كذبوا ؟! قال : صدقوا ; قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعير ، وكذبوا ; ليست بسنة ، كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون عنه ، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه ، وليروا مكانه ولا تناله أيديهم هكذا رواه أبو داود    . 
وقد رواه مسلم  ، عن أبي كامل  ، عن عبد الواحد بن زياد  ، عن الجريري  ، عن  أبي الطفيل  ، عن ابن عباس  فذكر فضل الطواف بالبيت  بنحو ما تقدم ، ثم قال : قلت  لابن عباس    : أخبرني عن الطواف بين الصفا  والمروة  راكبا ، أسنة هو ؟ فإن قومك يزعمون أنه سنة . قال صدقوا وكذبوا . قلت : وما قولك : صدقوا وكذبوا ؟! قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثر عليه الناس يقولون : هذا محمد ،  هذا محمد    . حتى خرج العواتق من البيوت ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه ، فلما كثر عليه الناس ركب   . قال ابن عباس    : والمشي والسعي أفضل    . هذا لفظ مسلم  ، وهو يقتضي أنه إنما ركب في أثناء الحال ، وبه يحصل الجمع بين الأحاديث . والله أعلم . 
وأما ما رواه مسلم  في " صحيحه " حيث قال : ثنا محمد بن رافع  ، ثنا  يحيى بن آدم  ، ثنا زهير  ، عن عبد الملك بن سعيد  ، عن  أبي الطفيل  قال :   [ ص: 546 ] قلت  لابن عباس    : أراني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فصفه لي . قلت : رأيته عند المروة  على ناقة وقد كثر الناس عليه . فقال ابن عباس    : ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنهم كانوا لا يدعون عنه ولا يكرهون   . فقد تفرد به مسلم  ، وليس فيه دلالة على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، سعى بين الصفا  والمروة  راكبا ،  إذ لم يقيد ذلك بحجة الوداع ولا غيرها ، وبتقدير أن يكون ذلك في حجة الوداع ، فمن الجائز أنه ، عليه الصلاة والسلام ، بعد فراغه من السعي وجلوسه على المروة  وخطبته الناس وأمره إياهم من لم يسق الهدي منهم أن يفسخ الحج إلى العمرة ، فحل الناس كلهم إلا من ساق الهدي ، كما تقدم في حديث جابر    . ثم بعد هذا كله أتي بناقته فركبها ، وسار إلى منزله بالأبطح ، كما سنذكره قريبا ، وحينئذ رآه  أبو الطفيل عامر بن واثلة البكري  وهو معدود في صغار الصحابة . 
لكن قال أبو داود :  ثنا هارون بن عبد الله   ومحمد بن رافع  ، قالا : ثنا أبو عاصم  ، عن معروف ، يعني ابن خربوذ المكي  ، حدثنا أبو الطفيل  قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه ، ثم يقبله . زاد محمد بن رافع    : ثم خرج إلى الصفا  والمروة ،  فطاف سبعا على راحلته   . وقد رواه مسلم  في " صحيحه " من حديث  أبي داود الطيالسي  ، عن معروف بن خربوذ   [ ص: 547 ] به ، بدون الزيادة التي ذكرها محمد بن رافع  ، وكذلك رواه  عبيد الله بن موسى  ، عن معروف  بدونها . ورواه الحافظ  البيهقي  ، عن أبي سعيد بن أبي عمرو  ، عن الأصم  ، عن يحيى بن أبي طالب  ، عن يزيد بن أبي حكيم  ، عن يزيد بن مليك  ، عن  أبي الطفيل  بدونها . فالله أعلم . 
وقال الحافظ  البيهقي    : أنبأنا أبو بكر بن الحسن  وأبو زكريا بن أبي إسحاق  ، قالا : ثنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم  ، ثنا أحمد بن حازم  ، أنبأنا  عبيد الله بن موسى   وجعفر بن عون  ، قالا : أنبأنا  أيمن بن نابل  ، عن  قدامة بن عبد الله بن عمار  قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا  والمروة  على بعير ; لا ضرب ، ولا طرد ، ولا إليك إليك   . وقال  البيهقي    : كذا قالا ، وقد رواه جماعة عن أيمن  فقالوا : يرمي الجمرة يوم النحر . قال : ويحتمل أن يكونا صحيحين . 
قلت : رواه الإمام أحمد  في " مسنده " عن  وكيع  ، وقران بن تمام  ،  وأبي قرة موسى بن طارق  ، قاضي أهل اليمن ،   وأبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري  ،  ومعتمر بن سليمان  ، عن  أيمن بن نابل الحبشي أبي عمران المكي  نزيل عسقلان  مولى أبي بكر الصديق  ، وهو ثقة جليل من رجال  البخاري  ، عن  قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي  ، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر من   [ ص: 548 ] بطن الوادي على ناقة صهباء ; لا ضرب ، ولا طرد ، ولا إليك إليك . وهكذا رواه الترمذي  ، عن أحمد بن منيع  ، عن مروان بن معاوية  ، وأخرجه  النسائي  عن إسحاق بن راهويه  ،  وابن ماجه  ، عن أبي بكر بن أبي شيبة  ، كلاهما عن  وكيع  ، كلاهما عن  أيمن بن نابل  ، عن قدامة  كما رواه الإمام أحمد    . وقال الترمذي    : حسن صحيح . 
قلت قد ذهب طائفة من العراقيين ;  كأبي حنيفة  وأصحابه  والثوري  إلى أن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين ، وهو مروي عن علي   وابن مسعود  ومجاهد   والشعبي  ، ولهم أن يحتجوا بحديث جابر  الطويل ، دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا  والمروة  ماشيا ، وحديثه هذا أنه سعى بينهما راكبا على تعداد الطواف بينهما ; مرة ماشيا ومرة راكبا . 
وقد روى  سعيد بن منصور  في " سننه " ، عن علي  رضي الله عنه ، أنه أهل بحجة وعمرة ، فلما قدم مكة  طاف بالبيت وبالصفا  والمروة  لعمرته ، ثم عاد فطاف بالبيت وبالصفا  والمروة  لحجته ، ثم أقام حراما إلى يوم النحر    . هذا لفظه . ورواه  أبو ذر الهروي  في " مناسكه " عن علي  ، أنه جمع بين الحج والعمرة ، فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ، وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل   . 
 [ ص: 549 ] وكذلك رواه  البيهقي  ،  والدارقطني  ،  والنسائي  في " خصائص علي    " فقال  البيهقي  في " سننه " : أنبأنا أبو بكر بن الحارث الفقيه  ، أنبأنا  علي بن عمر الحافظ  ، أنبأنا أبو محمد بن صاعد  ، ثنا محمد بن زنبور  ، ثنا  فضيل بن عياض  ، عن منصور  ، عن إبراهيم  ، عن مالك بن الحارث    - أو منصور  ، عن مالك بن الحارث    - عن أبي نصر  قال : لقيت عليا  وقد أهللت بالحج وأهل هو بالحج والعمرة ، فقلت : هل أستطيع أن أفعل كما فعلت ؟ قال : ذلك لو كنت بدأت بالعمرة . قلت : كيف أفعل إذا أردت ذلك ؟ قال : تأخذ إداوة من ماء ، فتفيضها عليك ، ثم تهل بهما جميعا ، ثم تطوف لهما طوافين وتسعى لهما سعيين ، ولا يحل لك حرام دون يوم النحر    . قال منصور : فذكرت ذلك لمجاهد ، قال : ما كنا نفتي إلا بطواف واحد ، فأما الآن فلا نفعل   . قال الحافظ  البيهقي    : وقد رواه سفيان بن عيينة   وسفيان الثوري  وشعبة  عن منصور  ، فلم يذكر فيه السعي . قال : وأبو نصر  هذا مجهول ، وإن صح فيحتمل أنه أراد طواف القدوم وطواف الزيارة . قال : وقد روي بأسانيد أخر ، عن علي مرفوعا وموقوفا ، ومدارها على الحسن بن عمارة  ، وحفص بن أبي داود  ، وعيسى بن عبد الله  ، وحماد بن عبد الرحمن  ، وكلهم ضعيف لا يحتج بشيء مما رووه في ذلك . والله أعلم . 
 [ ص: 550 ] قلت : والمنقول في الأحاديث الصحاح خلاف ذلك ، فقد قدمنا عن ابن عمر  في " صحيح  البخاري    " أنه أهل بعمرة وأدخل عليها الحج ، فصار قارنا ، وطاف لهما طوافا واحدا بين الحج والعمرة ، وقال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
وقد روى الترمذي   وابن ماجه   والبيهقي  من حديث الدراوردي  عن عبيد الله  عن نافع  عن ابن عمر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جمع بين الحج والعمرة طاف لهما طوافا واحدا ، وسعى لهما سعيا واحدا قال الترمذي    : وهذا حديث حسن غريب . قلت : إسناده على شرط مسلم    . وهكذا جرى  لعائشة  أم المؤمنين ، فإنها كانت ممن أهل بعمرة ; لعدم سوق الهدي معها ، فلما حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل ، وتهل بحج مع عمرتها ، فصارت قارنة ، فلما رجعوا من منى  طلبت أن يعمرها من بعد الحج ، فأعمرها تطييبا لقلبها ، كما جاء مصرحا به في الحديث . 
وقد قال الإمام أبو عبد الله الشافعي    : أنبأنا  مسلم ، هو ابن خالد الزنجي  عن  ابن جريج  عن عطاء  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال  لعائشة    :   " طوافك بالبيت وبين الصفا  والمروة  يكفيك لحجك وعمرتك " . وهذا ظاهره الإرسال ، وهو مسند في المعنى ، بدليل ما قال  الشافعي  أيضا : أخبرنا ابن عيينة  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن عطاء  ، عن عائشة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال  الشافعي    : وربما قال سفيان    : عن عطاء  عن عائشة    . وربما قال : عن عطاء  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال   [ ص: 551 ]  لعائشة    - فذكره . قال الحافظ  البيهقي    : رواه  ابن أبي عمر  عن سفيان بن عيينة  موصولا . وقد رواه مسلم  من حديث وهيب  عن ابن طاوس  عن أبيه ، عن عائشة  بمثله . 
وروى مسلم  من حديث  ابن جريج  أخبرني أبو الزبير  ، أنه سمع جابرا  يقول : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة  وهي تبكي ، فقال : " مالك تبكين ؟ " قالت : أبكي أن الناس حلوا ولم أحل ، وطافوا بالبيت ولم أطف ، وهذا الحج قد حضر . قال : " إن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم ، فاغتسلي وأهلي بحج " . قالت : ففعلت ذلك ، فلما طهرت قال : " طوفي بالبيت وبين الصفا  والمروة  ، ثم قد حللت من حجك وعمرتك " . قالت : يا رسول الله ، إني أجد في نفسي من عمرتي أني لم أكن طفت حتى حججت . قال : " اذهب بها يا عبد الرحمن  فأعمرها من التنعيم " . وله من حديث  ابن جريج  أيضا : أخبرني أبو الزبير  سمعت جابرا  قال   : لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا  والمروة  إلا طوافا واحدا    . وعند أصحاب أبي حنيفة  ، رحمه الله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ساقوا الهدي كانوا قد قرنوا بين الحج والعمرة ، كما دل عليه الأحاديث المتقدمة . والله أعلم . 
وقال  الشافعي    : أنبأنا إبراهيم بن محمد  ، عن  جعفر بن محمد  ، عن أبيه ،   [ ص: 552 ] عن علي  قال في القارن : يطوف طوافين ويسعى سعيا   . قال  الشافعي    : وقال بعض الناس : طوافان وسعيان . واحتج فيه برواية ضعيفة عن علي    . قال : جعفر  يروي عن علي  قولنا ، ورويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					