فصل إخباره صلى الله عليه وسلم عن الحجاج   فتى ثقيف  
وقد ثبت في " الصحيحين " عن  أبي هريرة ،  وعند مسلم  عن  جابر بن سمرة ،  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا دجالا ، كلهم يزعم أنه نبي 
وقال  البيهقي ،  عن الماليني ،  عن  ابن عدي ،  عن  أبي يعلى الموصلي ،  حدثنا  عثمان بن أبي شيبة ،  ثنا محمد بن الحسن الأسدي ،  ثنا شريك ،  عن أبي   [ ص: 251 ] إسحاق ،  عن عبد الله بن الزبير  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا ، منهم; مسيلمة ،  والعنسي ،  والمختار ،  وشر قبائل العرب بنو أمية  وبنو حنيفة  وثقيف    . قال  ابن عدي    : محمد بن الحسن  له إفرادات ، وقد حدث عنه الثقات ، ولم أر بحديثه بأسا . 
وقال  البيهقي    : لحديثه في المختار شواهد صحيحة . ثم أورد من طريق  أبي داود الطيالسي ،  حدثنا الأسود بن شيبان ،  عن أبي نوفل بن أبي عقرب ،  عن أسماء بنت أبي بكر ،  أنها قالت  للحجاج بن يوسف    : أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف  كذابا ومبيرا ، فأما الكذاب فقد رأيناه ، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه   . قال : ورواه مسلم  من حديث الأسود بن شيبان    . وله طرق عن أسماء  وألفاظ سيأتي إيرادها في موضعه . 
وقال  البيهقي    : أنا  الحاكم  وأبو سعيد ،  عن الأصم ،  عن عباس الدوري ،  عن  عبد الله بن الزبير الحميدي ،  ثنا سفيان بن عيينة ،  عن أبي المحياة ،  عن أبيه قال : لما قتل الحجاج  عبد الله بن الزبير  دخل الحجاج  على أسماء بنت أبي   [ ص: 252 ] بكر  فقال : يا أمه ، إن أمير المؤمنين أوصاني بك ، فهل لك من حاجة؟ فقالت : لست لك بأم ، ولكني أم المصلوب على رأس الثنية ، وما لي من حاجة ، ولكن انتظر حتى أحدثك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " يخرج من ثقيف  كذاب ومبير فأما الكذاب فقد رأيناه ، وأما المبير فأنت . فقال الحجاج    : مبير المنافقين   . 
وقال  أبو داود الطيالسي    : حدثنا شريك ،  عن أبي علوان عبد الله بن عصمة ،  عن ابن عمر  قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن في ثقيف  كذابا ومبيرا "   . وقد تواتر خبر  المختار بن أبي عبيد الكذاب    الذي كان نائبا على العراق  وكان يزعم أنه نبي ، وأن جبريل  كان يأتيه بالوحي ، وقد قيل  لابن عمر ،  وكان زوج أخت المختار صفية    : إن المختار يزعم أن الوحي يأتيه . فقال : صدق ، قال الله تعالى : وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم    [ الأنعام : 121 ] 
وقال  أبو داود الطيالسي    : ثنا قرة بن خالد ،  عن  عبد الملك بن عمير ،  عن رفاعة بن شداد  قال : كنت أبطن شيء بالمختار الكذاب    . قال : فدخلت عليه ذات يوم فقال : دخلت وقد قام جبريل  قبل من هذا الكرسي . قال : فأهويت إلى قائم السيف - يعني لأضربه - حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق الخزاعي ،  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أمن الرجل الرجل على دمه ثم قتله ، رفع   [ ص: 253 ] له لواء الغدر يوم القيامة " . فكففت عنه وقد رواه أسباط بن نصر  وزائدة والثوري ،  عن إسماعيل السدي ،  عن رفاعة بن شداد الفتياني  فذكر نحوه . 
وقال يعقوب بن سفيان ،  ثنا أبو بكر الحميدي ،  ثنا سفيان بن عيينة ،  عن مجالد ،  عن الشعبي  قال : فأخرت أهل البصرة  فغلبتهم بأهل الكوفة  ،  والأحنف  ساكت لا يتكلم ، فلما رآني غلبتهم أرسل غلاما له فجاء بكتاب فقال : هاك اقرأ فقرأته فإذا فيه من المختار إليه ،  يذكر أنه نبي . قال : يقول الأحنف    : أنى فينا مثل هذا؟! . 
وأما الحجاج بن يوسف   فقد تقدم الحديث أنه الغلام المبير الثقفي ، وسنذكر ترجمته إذا انتهينا إلى أيامه ، فإنه كان نائبا على العراق   لعبد الملك بن مروان ،  ثم لابنه  الوليد بن عبد الملك ،  ، وكان من جبابرة الملوك ، على ما كان فيه من الكرم والفصاحة ، على ما سنذكره . 
وقد قال  البيهقي    : ثنا  الحاكم  عن أبي نصر الفقيه ،  ثنا عثمان بن سعيد الدارمي  قال عبد الله بن صالح المصري ،  أن معاوية بن صالح  حدثه ، عن   [ ص: 254 ] شريح بن عبيد ،  عن أبي عذبة  قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب  فأخبره أن أهل العراق  قد حصبوا أميرهم ، فخرج غضبان ، فصلى لنا الصلاة فسها فيها حتى جعل الناس يقولون : سبحان الله ، سبحان الله . فلما سلم أقبل على الناس فقال : من هاهنا من أهل الشام؟  فقام رجل ، ثم قام آخر ، ثم قمت أنا ثالثا أو رابعا ، فقال : يا أهل الشام  استعدوا لأهل العراق ،  فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ ، اللهم إنهم قد لبسوا علي فألبس عليهم ، وعجل عليهم بالغلام الثقفي يحكم فيهم بحكم أهل الجاهلية ، لا يقبل من محسنهم ، ولا يتجاوز عن مسيئهم قال عبد الله    : وحدثني ابن لهيعة  بمثله . قال : وما ولد الحجاج  يومئذ . ورواه الدارمي  أيضا عن أبي اليمان ،  عن جرير بن عثمان ،  عن عبد الرحمن بن ميسرة ،  عن أبي عذبة الحمصي ،  عن عمر  فذكر مثله . قال أبو اليمان    : علم عمر  أن الحجاج  خارج لا محالة ، فلما أغضبوه استعجل لهم العقوبة . قلت : فإن كان هذا نقله عمر  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تقدم له شاهد عن غيره ، وإن كان عن تحديث فكرامة الولي معجزة لنبيه . 
وقال عبد الرزاق    : أنا جعفر ،  يعني ابن سليمان ،  عن مالك بن دينار ،  عن الحسن  قال : قال علي  لأهل الكوفة    : اللهم كما ائتمنتهم فخانوني ، ونصحت لهم فغشوني ، فسلط عليهم فتى ثقيف  الذيال الميال ، يأكل خضرتها ، ويلبس   [ ص: 255 ] فروتها ، ويحكم فيهم بحكم الجاهلية   . قال : يقول الحسن    : وما خلق الحجاج  يومئذ . وهذا منقطع . 
وقد رواه  البيهقي  أيضا ، من حديث معتمر بن سليمان  عن أبيه ، عن أيوب  عن  مالك بن أوس بن الحدثان ،  عن علي بن أبي طالب  أنه قال : الشاب الذيال أمير المصرين ، يلبس فروتها ، ويأكل خضرتها ، ويقتل أشراف أهلها ، يشتد منه الفرق ويكثر منه الأرق ، ويسلطه الله على شيعته   . 
وله من حديث  يزيد بن هارون ،  أنا العوام بن حوشب ،  حدثني حبيب بن أبي ثابت  قال : قال علي  لرجل : لا مت حتى تدرك فتى ثقيف    . فقيل : يا أمير المؤمنين ، وما فتى ثقيف؟  فقال : ليقالن له يوم القيامة : اكفنا زاوية من زوايا جهنم . رجل يملك عشرين سنة أو بضعا وعشرين سنة ، لا يدع لله معصية إلا ارتكبها ، حتى لو لم يبق إلا معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتى يرتكبها ، يقتل بمن أطاعه من عصاه   . وهذا معضل ، وفي صحته عن علي نظر . والله أعلم . 
 [ ص: 256 ] وقال  البيهقي ،  عن  الحاكم ،  عن الحسين بن الحسن بن أيوب ،  عن  أبي حاتم الرازي ،  عن عبد الله بن يوسف التنيسي ،  ثنا هشام بن يحيى الغساني  قال : قال عمر بن عبد العزيز    : لو جاءت كل أمة بخبيثها ، وجئناهم  بالحجاج  لغلبناهم   . وقال أبو بكر بن عياش ،  عن عاصم بن أبي النجود    : ما بقيت لله حرمة إلا وقد ارتكبها الحجاج    . وقال عبد الرزاق ،  عن معمر ،  عن ابن طاوس  أن أباه لما تحقق موت الحجاج  تلا قوله تعالى : فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين    [ الأنعام : 45 ] قلت : وقد توفي الحجاج  سنة خمس وتسعين . 
				
						
						
