القول فيما أوتي عيسى ابن مريم  عليه السلام    . 
ويسمى المسيح ; فقيل : لمسحه الأرض . وقيل : لمسح قدمه . وقيل : لخروجه من بطن أمه ممسوحا بالدهان . وقيل : لمسح جبريل  له بالبركة . وقيل : لمسح الله الذنوب عنه . وقيل : لأنه كان لا يمسح أحدا إلا برئ . حكاها كلها الحافظ أبو نعيم  رحمه الله . 
 [ ص: 390 ] ومن خصائصه أنه ، عليه السلام ، مخلوق بالكلمة من أنثى بلا ذكر ، كما خلقت حواء من ذكر بلا أنثى ، وكما خلق آدم لا من ذكر ولا من أنثى ، وإنما خلقه الله تعالى من تراب ، ثم قال له : كن فيكون ، وكذلك يكون عيسى  بالكلمة وبنفخ جبريل  في فرج مريم ،  فخلق الله منها عيسى    . 
ومن خصائصه وأمه أن إبليس ، لعنه الله ، حين ولد ذهب يطعن فطعن في الحجاب كما جاء في " الصحيح " . ومن خصائصه أنه لم يمت ، وهو حي الآن بجسده في السماء الدنيا . وسينزل قبل يوم القيامة على المنارة البيضاء الشرقية بدمشق ،   فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما ، ويحكم بهذه الشريعة المحمدية ، ثم يموت ويدفن بالحجرة النبوية ، كما رواه الترمذي  ، وقد بسطنا ذلك في قصته من كتابنا هذا . 
وقال شيخنا العلامة ابن الزملكاني  ، رحمه الله تعالى : وأما معجزات عيسى ،  عليه السلام  ، فمنها إحياء الموتى ، وللنبي صلى الله عليه وسلم من ذلك كثير ، وإحياء الجماد أبلغ من إحياء الميت ، وقد كلم النبي صلى الله عليه وسلم الذراع المسمومة  ، وهذا الإحياء أبلغ من إحياء الإنسان الميت من وجوه ; أحدها ، أنه إحياء جزء من الحيوان دون بقية بدنه ، وهذا معجز لو كان متصلا بالبدن . الثاني : أنه أحياه وحده منفصلا عن بقية أجزاء ذلك الحيوان مع موت البقية . الثالث : أنه أعاد عليه الحياة   [ ص: 391 ] مع الإدراك والعقل ، ولم يكن هذا الحيوان يعقل في حياته فصار جزؤه حيا يعقل . الرابع : أنه أقدره الله على النطق والكلام ولم يكن الحيوان الذي هو جزؤه مما يتكلم ، وفي هذا ما هو أبلغ من حياة الطيور التي أحياها الله لإبراهيم  صلى الله عليه وسلم . 
قلت : وفي حلول الحياة والإدراك والعقل في الحجر الذي كان يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام عليه ، كما روي في " صحيح مسلم    " من المعجز ما هو أبلغ من إحياء الحيوان في الجملة ; لأنه كان محلا للحياة في وقت ، بخلاف هذا حيث لا حياة له بالكلية قبل ذلك ، وكذلك تسليم الأحجار والمدر عليه ، وكذلك الأشجار والأغصان وشهادتها بالرسالة ، وحنين الجذع إليه ، صلوات الله وسلامه عليه . قال شيخنا ، رحمه الله تعالى : وقد جمع ابن أبي الدنيا  كتابا فيمن عاش بعد الموت ، وذكر منها كثيرا ، وقد ثبت عن أنس  ، رضي الله عنه ، أنه قال : دخلنا على رجل من الأنصار  وهو مريض يعقل ، فلم نبرح حتى قبض ، فبسطنا عليه ثوبه وسجيناه ، وله أم عجوز كبيرة عند رأسه ، فالتفت إليها بعضنا ، وقال : يا هذه احتسبي مصيبتك عند الله . فقالت : وما ذاك ؟ أمات ابني ؟ قلنا : نعم . قالت : أحق ما تقولون ؟ ! قلنا : نعم . فمدت يديها   [ ص: 392 ] إلى الله تعالى فقالت : اللهم إنك تعلم أني أسلمت وهاجرت إلى رسولك ; رجاء أن تغيثني عند كل شدة ورخاء ، فلا تحملني هذه المصيبة اليوم . قال : فكشف الرجل عن وجهه وقعد ، وما برحنا حتى أكلنا معه   . 
وهذه القصة قد تقدم التنبيه عليها في دلائل النبوة ، وفي ذكر معجز الطوفان مع قصة  العلاء بن الحضرمي  ، وهذا السياق الذي أورده شيخنا ذكر بعضه بالمعنى ، وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا  ، والحافظ  أبو بكر البيهقي  من غير وجه ، عن  صالح بن بشير المري    - أحد زهاد البصرة  وعبادها وفي حديثه لين - عن ثابت  ، عن أنس  ، فذكره . وفي رواية  البيهقي    : أن أمه كانت عجوزا عمياء . ثم ساقه  البيهقي  من طريق عيسى بن يونس  ، عن عبد الله بن عون  ، عن أنس  ، كما تقدم ، وسياقه أتم ، وفيه أن ذلك كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا بإسناد رجاله ثقات ، ولكن فيه انقطاع بين عبد الله بن عون وأنس    . والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					