الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) رتب تعالى على مجموع الصبر والتقوى وإتيان العدد من فورهم إمداده تعالى المؤمنين بأكثر من العدد السابق وعلقه على وجودها ، بحيث لا يتأخر نزول الملائكة عن تحليهم بثلاثة الأوصاف . ومعنى من فورهم : من سفرهم ، هذا قاله ابن عباس . أو من وجههم ، هذا قاله الحسن وقتادة والسدي . قيل : وهي لغة هذيل ، وقيس ، وغيلان ، وكنانة ، أو من غضبهم هذا ، قاله مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وأبو صالح مولى أم هانئ ، أو معناه في نهضتهم هذه ، قاله ابن عطية . أو المعنى من ساعتهم هذه قاله الزمخشري .

ولفظة الفور تدل على السرعة والعجلة ، تقول : افعل هذا على الفور لا على التراخي . ومنه الفور في الحج والوضوء . وفي إسناد الإمداد إلى لفظة ربكم دون غيره من أسماء الله إشعار بحسن النظر لهم ، واللطف بهم .

وقرأ الصاحبان والأخوان " مسومين " بفتح الواو ، وأبو عمرو وابن كثير وعاصم بكسرها . وقيل : من السوم ، وهي العلامة تكون على الشاة وغيرها ، يجعل عليها لون يخالف لونها لتعرف . وقيل : من السوم ، وهو ترك البهيمة ترعى . فعلى الأول روي أن الملائكة كانت بعمائم بيض ، إلا جبريل فبعمامة صفراء كالزبير . قاله ابن إسحاق ، والزجاج . وقيل : بعمائم صفر كالزبير ، قاله عروة وعبد الله ابنا الزبير ، وعباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير ، والكلبي وزاد : مرخاة على أكتافهم . قيل : وكانوا على خيل بلق ، وكانت سيماهم - قاله قتادة والربيع - أو خيلهم مجزوزة النواصي والأذناب ، معلمتها بالصوف والعهن . قاله مجاهد . فبفتح الواو : معلمين ، وبكسرها معلمين أنفسهم أو خيلهم . ورجح الطبري قراءة الكسر بأنه - عليه الصلاة والسلام - قاله يوم بدر : سوموا ، فإن الملائكة قد سومته . وعلى القول الثاني : وهو السوم ، فمعنى مسومين - بكسر الواو - سوموا خيلهم أي أعطوها من الجري والجولان للقتال ، ومنه سائمة الماشية . وأما بفتح الواو فيصح فيه هذا المعنى أيضا ، قاله المهدوي وابن فورك . أي سومهم الله تعالى ، بمعنى أنه جعلهم يجولون ويجرون للقتال . وقال أبو زيد : سوم الرجل خيله أي أرسلها في الغارة . وحكى بعض البصريين : سوم الرجل غلامه أرسله وخلى سبيله ؛ ولهذا قال الأخفش : معنى مسومين : مرسلين . وفي الآية دليل على جواز اتخاذ العلامة للقبائل والكتائب لتتميز كل قبيلة وكتيبة عند الحرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية