الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) هذه الجملة معطوفة على قوله : وقفينا . وفيه تعظيم عيسى ، عليه السلام ، بأن الله آتاه كتابا إلهيا . وتقدمت قراءة الحسن ، الأنجيل ، بفتح الهمزة ; وما ذكروه في اشتقاقه إن كان عربيا . وقوله : فيه هدى ونور ، في موضع الحال ، وارتفاع هدى على الفاعلية بالجار والمجرور ، إذ قد اعتمد بأن وقع حالا لذي حال ; أي : كائنا فيه هدى . ولذلك عطف عليه ( ومصدقا لما بين يديه من التوراة ) والضمير في يديه عائد على الإنجيل ; والمعنى : أن عيسى وكتابه الذي أنزل عليه هما مصدقان لما تقدمهما من التوراة ، فتظافر على تصديقه الكتاب الإلهي المنزل ، والنبي المرسل المنزل عليه ذلك الكتاب . ومعنى كونه فيه هدى أنه يشتمل على دلائل التوحيد ، وتنزيه الله عن الولد والصاحبة والمثل والضد ، وعلى الإرشاد والدعاء إلى الله تعالى ، وإلى إحياء أحكام التوراة ، والنور هو ما فيه مما يستضاء به إذ فيه بيان أحكام الشريعة وتفاصيلها . قال ابن عطية : ومصدقا : حال مؤكدة معطوفة على موضع الجملة التي هي فيه هدى ، فإنها جملة في موضع الحال . انتهى . وإنما قال إن مصدقا : حال مؤكدة من حيث المعنى ، لأنه يلزم من كون الإنجيل كتابا إلاهيا أن يكون مصدقا للكتب الإلهية ، لكن قوله : معطوفة على الجملة التي هي فيه هدى ، فإنها جملة في موضع الحال - قول مرجوح ، لأنا قد بينا أن قوله : فيه هدى ونور من قبيل المفرد لا من قبيل الجملة ، إذ قدرناه كائنا فيه هدى ونور ، ومتى دار الأمر بين أن يكون الحال مفردا أو جملة ، كان تقدير المفرد أجود ، على تقدير أنه جملة يكون ذلك من القليل ، لأنها جملة اسمية ، ولم تأت بالواو ، وإن كان يغني عن الرابط الذي هو الضمير ، لكن الأسن والأكثر أن يأتي بالواو ، حتى إن الفراء زعم أن عدم الواو شاذ وإن كان ثم ضمير ، وتبعه على ذلك الزمخشري . قال علي بن أبي طالب : ومصدقا معطوف على مصدقا الأول . انتهى . ويكون إذ ذاك حالا من عيسى ، كرره على سبيل التوكيد ، وهذا فيه بعد من جهة التركيب واتساق المعاني ، وتكلفه أن يكون وآتيناه الإنجيل جملة حالية معطوفة على مصدقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية