(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77nindex.php?page=treesubj&link=28976قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ) ظاهره نداء أهل الكتاب الحاضرين زمان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ويتناول من جاء بعدهم . ولما سبق القول في أباطيل
اليهود وأباطيل
النصارى ، جمع الفريقان في النهي عن الغلو في الدين . وانتصب غير الحق وهو الغلو الباطل ، وليس المراد بالدين هنا ما هم عليه ، بل المراد الدين الحق ، الذي جاء به
موسى و
عيسى . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : الغلو في الدين غلوان : غلو حق ، وهو أن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ويجتهد في تحصيل حججه كما يفعل المتكلمون من أهل العدل والتوحيد ، وغلو باطل وهو أن يجاوز الحق ويتعداه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه كما يفعل أهل الأهواء والبدع . انتهى . وأهل العدل والتوحيد هم أئمة
المعتزلة ، وأهل الأهواء والبدع عنده هم
[ ص: 539 ] أهل السنة ، ومن عدا
المعتزلة . ومن غلو
اليهود إنكار نبوة
عيسى ، وادعاؤهم فيه أنه الله . ومن غلو
النصارى ما تقدم من اعتقاد بعضهم فيه أنه الله ، وبعضهم أنه أحد آلهة ثلاثة . وانتصاب " غير " هنا على الصفة ; أي : غلوا غير الحق . وأبعد من ذهب إلى أنها استثناء متصل ، ومن ذهب إلى أنها استثناء ، ويقدره : لكن الحق فاتبعوه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) هؤلاء القوم هم أسلاف
اليهود والنصارى ضلوا في أنفسهم وأضلوا غيرهم كثيرا ، ثم عين ما ضلوا عنه وهو السبيل السوي الذي هو وسط في الدين وهو خيرها فلا إفراط ولا تفريط ، بل هو سواء معتدل خيار . وقيل : الخطاب
للنصارى ، وهو ظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قال : قد ضلوا من قبل : هم أئمتهم في النصرانية كانوا على الضلال قبل مبعث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وأضلوا كثيرا ممن شايعهم على التثليث ، وضلوا لما بعث رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن سواء السبيل حين كذبوه وحسدوه وبغوا عليه . وقال
ابن عطية : هذه المخاطبة هي
للنصارى الذين غلوا في
عيسى والقوم الذين نهى
النصارى عن اتباع أهوائهم ، والذي دعا إلى هذا التأويل أن
النصارى في غلوهم ليسوا على هوى
بني إسرائيل ، بل هم في الضد بالأقوال ، وإنما اجتمعوا في اتباع موضع الهوى . فالآية بمنزلة قولك لمن تلومه على عوج : هذه الطريقة طريقة فلان ; تمثله بآخر قد اعوج نوعا من الاعوجاج وإن اختلفت نوازله . ووصف تعالى
اليهود بأنهم ضلوا قديما ، وأضلوا كثيرا من أتباعهم ، ثم أكد الأمر بتكرار قوله : وضلوا عن سواء السبيل ; وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى : يا أهل الكتاب من
النصارى لا تتبعوا أهواء هؤلاء
اليهود الذين ضلوا من قبل ; أي : ضل أسلافهم وهم قبل مجيء
محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وأضلوا كثيرا من المنافقين ، وضلوا عن سواء السبيل الآن بعد وضوح الحق . انتهى . ولا حاجة لإخراج الكلام عن ظاهره من أنه نداء لأهل الكتاب طائفتي
اليهود والنصارى ، وأن قوله : ولا تتبعوا أهواء قوم ; هم : أسلافهم . فإن الزائغ عن الحق كثيرا ما يعتذر أنه على دين أبيه وطريقته ، كما قالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22إنا وجدنا آباءنا على أمة ) فنهوا عن اتباع أسلافهم ، وكان في تنكير قوم تحقير لهم . وما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري تخصيص لعموم من غير داعية إليه . وما ذهب إليه
ابن عطية أيضا تخصيص وتأويل بعيد في قوله : ولا تتبعوا أهواء قوم ; أن المراد بهم
اليهود ، وأن المعنى : لا تكونوا على هوى كما كان
اليهود على هوى ، لأن الظاهر النهي عن اتباع أهواء أولئك القوم . وأبعد من ذهب إلى أن الضلال الأول عن الدين ، والثاني عن طريق الجنة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77nindex.php?page=treesubj&link=28976قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ) ظَاهِرُهُ نِدَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْحَاضِرِينَ زَمَانَ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَتَنَاوَلُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ . وَلَمَّا سَبَقَ الْقَوْلُ فِي أَبَاطِيلِ
الْيَهُودِ وَأَبَاطِيلِ
النَّصَارَى ، جُمِعَ الْفَرِيقَانِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ . وَانْتَصَبَ غَيْرَ الْحَقِّ وَهُوَ الْغُلُوُّ الْبَاطِلُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالدِّينِ هُنَا مَا هُمْ عَلَيْهِ ، بَلِ الْمُرَادُ الدِّينُ الْحَقُّ ، الَّذِي جَاءَ بِهِ
مُوسَى وَ
عِيسَى . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ غُلُوَّانِ : غُلُوٌّ حَقٌّ ، وَهُوَ أَنْ يَفْحَصَ عَنْ حَقَائِقِهِ وَيُفَتِّشَ عَنْ أَبَاعِدِ مَعَانِيهِ وَيَجْتَهِدَ فِي تَحْصِيلِ حُجَجِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ ، وَغُلُوٌّ بَاطِلٌ وَهُوَ أَنْ يُجَاوِزَ الْحَقَّ وَيَتَعَدَّاهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ الْأَدِلَّةِ وَاتِّبَاعِ الشُّبَهِ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ . انْتَهَى . وَأَهْلُ الْعَدْلِ وَالتَّوْحِيدِ هُمْ أَئِمَّةُ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ عِنْدَهُ هُمْ
[ ص: 539 ] أَهْلُ السُّنَّةِ ، وَمَنْ عَدَا
الْمُعْتَزِلَةَ . وَمَنْ غُلُوِّ
الْيَهُودِ إِنْكَارُ نُبُوَّةِ
عِيسَى ، وَادِّعَاؤُهُمْ فِيهِ أَنَّهُ اللَّهُ . وَمِنْ غُلُوِّ
النَّصَارَى مَا تَقَدَّمَ مِنِ اعْتِقَادِ بَعْضِهِمْ فِيهِ أَنَّهُ اللَّهُ ، وَبَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَحَدُ آلِهَةٍ ثَلَاثَةٍ . وَانْتِصَابُ " غَيْرَ " هُنَا عَلَى الصِّفَةِ ; أَيْ : غُلُوًّا غَيْرَ الْحَقِّ . وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا اسْتِثْنَاءٌ ، وَيُقَدِّرُهُ : لَكِنَّ الْحَقَّ فَاتَّبِعُوهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ) هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ هُمْ أَسْلَافُ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ضَلُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَضَلُّوا غَيْرَهُمْ كَثِيرًا ، ثُمَّ عَيَّنَ مَا ضَلُّوا عَنْهُ وَهُوَ السَّبِيلُ السَّوِيُّ الَّذِي هُوَ وَسَطٌ فِي الدِّينِ وَهُوَ خَيْرُهَا فَلَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ ، بَلْ هُوَ سَوَاءٌ مُعْتَدِلٌ خِيَارٌ . وَقِيلَ : الْخِطَابُ
لِلنَّصَارَى ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ : قَدْ ضَلُّوا مَنْ قَبْلُ : هُمْ أَئِمَّتُهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ كَانُوا عَلَى الضَّلَالِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَضَلُّوا كَثِيرًا مِمَّنْ شَايَعَهُمْ عَلَى التَّثْلِيثِ ، وَضَلُّوا لَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ حِينَ كَذَّبُوهُ وَحَسَدُوهُ وَبَغَوْا عَلَيْهِ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : هَذِهِ الْمُخَاطَبَةُ هِيَ
لِلنَّصَارَى الَّذِينَ غَلَوْا فِي
عِيسَى وَالْقَوْمِ الَّذِينَ نَهَى
النَّصَارَى عَنِ اتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ ، وَالَّذِي دَعَا إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ
النَّصَارَى فِي غُلُوِّهِمْ لَيْسُوا عَلَى هَوَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، بَلْ هُمْ فِي الضِّدِّ بِالْأَقْوَالِ ، وَإِنَّمَا اجْتَمَعُوا فِي اتِّبَاعِ مَوْضِعِ الْهَوَى . فَالْآيَةُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ لِمَنْ تَلُومُهُ عَلَى عِوَجٍ : هَذِهِ الطَّرِيقَةُ طَرِيقَةُ فُلَانٍ ; تُمَثِّلُهُ بِآخَرَ قَدِ اعْوَجَّ نَوْعًا مِنَ الِاعْوِجَاجِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ نَوَازِلُهُ . وَوَصَفَ تَعَالَى
الْيَهُودَ بِأَنَّهُمْ ضَلُّوا قَدِيمًا ، وَأَضَلُّوا كَثِيرًا مِنْ أَتْبَاعِهِمْ ، ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِتَكْرَارِ قَوْلِهِ : وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ; وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَأَوِّلِينَ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ
النَّصَارَى لَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ هَؤُلَاءِ
الْيَهُودِ الَّذِينَ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ ; أَيْ : ضَلَّ أَسْلَافُهُمْ وَهُمْ قَبْلَ مَجِيءِ
مُحَمَّدٍ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَضَلُّوا كَثِيرًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ الْآنَ بَعْدَ وُضُوحِ الْحَقِّ . انْتَهَى . وَلَا حَاجَةَ لِإِخْرَاجِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّهُ نِدَاءٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ طَائِفَتَيِ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَأَنَّ قَوْلَهُ : وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ ; هُمْ : أَسْلَافُهُمْ . فَإِنَّ الزَّائِغَ عَنِ الْحَقِّ كَثِيرًا مَا يَعْتَذِرُ أَنَّهُ عَلَى دِينِ أَبِيهِ وَطَرِيقَتِهِ ، كَمَا قَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=22إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ) فَنُهُوا عَنِ اتِّبَاعِ أَسْلَافِهِمْ ، وَكَانَ فِي تَنْكِيرِ قَوْمٍ تَحْقِيرٌ لَهُمْ . وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ تَخْصِيصٌ لِعُمُومٍ مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةٍ إِلَيْهِ . وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
ابْنُ عَطِيَّةَ أَيْضًا تَخْصِيصٌ وَتَأْوِيلٌ بَعِيدٌ فِي قَوْلِهِ : وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ ; أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمُ
الْيَهُودُ ، وَأَنَّ الْمَعْنَى : لَا تَكُونُوا عَلَى هَوًى كَمَا كَانَ
الْيَهُودُ عَلَى هَوًى ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ النَّهْيُ عَنِ اتِّبَاعِ أَهْوَاءِ أُولَئِكَ الْقَوْمِ . وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الضَّلَالَ الْأَوَّلَ عَنِ الدِّينِ ، وَالثَّانِيَ عَنْ طَرِيقِ الْجَنَّةِ .