الفرع الثالث : اختلف العلماء في تعيين العاقلة التي تحمل عن الجاني دية الخطأ    . 
فمذهب  الإمام أبي حنيفة  رحمه الله : أن العاقلة هم أهل ديوان القاتل إن كان القاتل من أهل ديوان ، وأهل الديوان أهل الرايات ، وهم الجيش الذين كتبت أسماؤهم في الديوان لمناصرة بعضهم بعضا ، تؤخذ الدية من عطاياهم في ثلاث سنين ، وإن لم يكن من أهل ديوان فعاقلته قبيلته ، وتقسم عليهم في ثلاث سنين ، فإن لم تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل نسبا على ترتيب العصبات . 
ومذهب مالك  رحمه الله : البداءة بأهل الديوان أيضا ، فتؤخذ الدية من عطاياهم في ثلاث سنين ، فإن لم يكن عطاؤهم قائما فعاقلته عصبته الأقرب فالأقرب ، ولا يحمل النساء ولا الصبيان شيئا من العقل . 
وليس لأموال العاقلة حد إذا بلغته عقلوا ، ولا لما يؤخذ منهم حد ، ولا يكلف أغنياؤهم الأداء عن فقرائهم . 
ومن لم تكن له عصبة فعقله في بيت مال المسلمين . 
والموالي بمنزلة العصبة من القرابة ، ويدخل في القرابة الابن والأب . 
قال  سحنون    : إن كانت العاقلة ألفا فهم قليل ، يضم إليهم أقرب القبائل إليهم . 
ومذهب أبي حنيفة  رحمه الله : أنه لا يؤخذ من واحد من أفراد العصبة من الدية أكثر من درهم وثلث في كل سنة من السنين الثلاث ، فالمجموع أربعة دراهم . 
ومذهب أحمد   والشافعي    : أن أهل الديوان لا مدخل لهم في العقل إلا إذا كانوا عصبة ، ومذهبهما رحمهما الله : أن العاقلة هي العصبة ، إلا أنهم اختلفوا : هل يدخل في ذلك الأبناء والآباء ؟ فعن أحمد  في إحدى الروايتين : أنهم داخلون في العصبة ; لأنهم أقرب العصبة ، وعن أحمد  رواية أخرى  والشافعي    : أنهم لا يدخلون في العاقلة ; لظاهر حديث   [ ص: 112 ]  أبي هريرة  المتفق عليه المتقدم : " أن ميراث المرأة لولدها ، والدية على عاقلتها   " ، وظاهره عدم دخول أولادها ، فقيس الآباء على الأولاد . 
وقال  ابن قدامة  في " المغني " : واختلف أهل العلم فيما يحمله كل واحد منهم . 
فقال أحمد    : يحملون على قدر ما يطيقون . هذا لا يتقدر شرعا ، وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم ، فيفرض على كل واحد قدرا يسهل ولا يؤذي ، وهذا مذهب مالك    ; لأن التقدير لا يثبت إلا بتوقيف ، ولا يثبت بالرأي والتحكم ، ولا نص في هذه المسألة فوجب الرجوع فيها إلى اجتهاد الحاكم كمقادير النفقات . 
وعن أحمد  رواية أخرى : أنه يفرض على الموسر نصف مثقال ; لأنه أقل مال يتقدر في الزكاة فكان معبرا بها ، ويجب على المتوسط ربع مثقال ; لأن ما دون ذلك تافه لكون اليد لا تقطع فيه ، وقد قالت عائشة  رضي الله عنها : لا تقطع اليد في الشيء التافه ، وما دون ربع دينار لا تقطع فيه   . وهذا اختيار أبي بكر  ، ومذهب  الشافعي    . 
وقال أبو حنيفة    : أكثر ما يحمل على الواحد أربعة دراهم ، وليس لأقله حد . اه كلام صاحب " المغني " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					