فقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : " لكم شاهدان على قتل صاحبكم " ، فيه دليل واضح على ثبوت السلطان المذكور في الآية بشهادة شاهدين على القتل .
وهذا الحديث سكت عليه أبو داود ، والمنذري ، ومعلوم أن رجال هذا الإسناد كلهم رجال الصحيح ، إلا الحسن بن علي بن راشد وقد وثق . وقال فيه ابن حجر في " التقريب " : صدوق رمي بشيء من التدليس .
وقال النسائي في سننه : أخبرنا محمد بن معمر ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا عبيد الله بن الأخنس ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : أن ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلا على أبواب خيبر ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليكم برمته " ، قال : يا رسول الله ، ومن أين أصيب شاهدين ، وإنما أصبح قتيلا [ ص: 129 ] على أبوابهم ، قال : " فتحلف خمسين قسامة " ، قال : يا رسول الله ، وكيف أحلف على ما لا أعلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فتستحلف منهم خمسين قسامة " ، فقال : يا رسول الله ، كيف نستحلفهم وهم اليهود ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته عليهم وأعانهم بنصفها . اهـ .
فقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : " أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليكم برمته " دليل واضح على ثبوت السلطان المذكور في الآية الكريمة بشهادة شاهدين ، وأقل درجات هذا الحديث الحسن ، وقال فيه ابن حجر في " الفتح " : هذا السند صحيح حسن .
ومن الأدلة الدالة على ذلك إجماع المسلمين على ثبوت القصاص بشهادة عدلين على القتل عمدا عدوانا .
وقد قدمنا قول من قال من العلماء : إن أخبار الآحاد تعتضد بموافقة الإجماع لها حتى تصير قطعية كالمتواتر ، لاعتضادها بالمعصوم وهو إجماع المسلمين .
وأكثر أهل الأصول يقولون : إن اعتضاد خبر الآحاد بالإجماع لا يصيره قطعيا ، وإليه الإشارة بقول صاحب مراقي السعود في مبحث أخبار الآحاد :
ولا يفيد القطع ما يوافق ال إجماع والبعض بقطع ينطق وبعضهم يفيد حيث عولا
عليه وأنفه إذا ما قد خلا مع دواعي رده من مبطل
كما يدل لخلافة علي
وقوله : وأنفه إذا ما قد خلا . . إلخ ; مسألة أخرى غير التي نحن بصددها ، وإنما ذكرناها لارتباط بعض الأبيات ببعض .


