( فصل في الخلاف في أبدية النار وعذابها    ) نلخص في هذا الفصل أولا ما ورد في ( الدر المنثور في التفسير بالمأثور ) للسيوطي  من الروايات في آية هود ، وهي قوله تعالى بعد تقسيم الناس في يوم القيامة إلى شقي وسعيد وكون الأشقياء في النار : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد    ) ( 11 : 107 ) ونبدأ منها بحديث مرفوع انفرد ابن مردويه  بروايته عن جابر  وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية إلى قوله : ( إلا ما شاء الله    ) وقال : " إن شاء الله أن يخرج أناسا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فعل "   . 
ومقتضاه أن الوعيد في أهل النار مقيد بالمشيئة المبهمة بخلاف الجنة كما سيأتي ، وما ذكر في إخراج أناس هل يجوز في الجميع أم لا ؟ وهل الذين شقوا في الآية هم الكفار أم جميع من يدخل النار أم هم عصاة المؤمنين ؟ أقول : المتبادر في المسألة الأخيرة الأول كما قاله بعض المحققين وسيأتي بيانه ، وفيه عن  ابن عباس  أن الآية في أهل الكبائر الذين يخرجون من النار بالشفاعات . وعنه في الاستثناء قال : فقد شاء الله أن يخلد هؤلاء في النار وهؤلاء في الجنة . وعن  خالد بن معدان  في الاستثناء قال : في أهل التوحيد من أهل القبلة . ومثله عن الضحاك  ، وقال قتادة    : يخرج قوم من النار ولا نقول كما قال أهل حروراء     ( أي من الخوارج  الذين يقولون بخلود أصحاب الكبائر ) وعن  ابن عباس  أن استثناء الله أن يأمر النار أن تأكلهم . وعن  السدي  أن الآية منسوخة بما دل من الآيات المدنية على الخلود الدائم . وعن  أبي نضرة  عن  جابر بن عبد الله الأنصاري  أو عن  أبي سعيد الخدري  أو عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد     ) قال : هذه الآية قاضية على القرآن كله ، يقول حيث كان في القرآن ( خالدين فيها    ) تأتي عليه   . وعن  أبي نضرة  قال : ينتهي القرآن كله إلى هذه الآية : ( إن ربك فعال لما يريد    ) وعن  عمر بن الخطاب    : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه   . وعن  أبي هريرة    : سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد   . وقرأ ( فأما الذين شقوا    ) ( 11 : 106 ) وعن  إبراهيم النخعي  ما في القرآن آية أرجى لأهل النار من هذه الآية : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك    ) قال : وقال  ابن مسعود    :   [ ص: 60 ] ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها . زاد  ابن جرير  عنه : ليس فيها أحد ، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا   . وعن  الشعبي  قال : جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا   . انتهى التلخيص . 
ونقل الآلوسي  عن  عبد الله بن عمرو بن العاص  قال : يأتي على جهنم يوم ما فيها من ابن آدم  أحد تصفق أبوابها كأنها أبواب الموحدين   . 
وقال  ابن جرير  بعد أن أورد الأقوال في الآية والروايات في كل قول ، وقال آخرون : أخبرنا الله بمشيئته لأهل الجنة فعرفنا ثنياه بقوله : ( عطاء غير مجذوذ    ) ( 11 : 108 ) أنها في الزيادة على مدة السموات والأرض ، قال : ولم يخبرنا بمشيئته في أهل النار ، وجائز أن تكون مشيئته في الزيادة ، وجائز أن تكون في النقصان اهـ . 
وقد لخص صاحب ( جلاء العينين ) ما ورد في الدر المنثور من الروايات في انتهاء عذاب النار ثم قال : وفي شرح عقيدة الإمام الطحاوي  بعد كلام طويل ما نصه : 
( السابع ) أنه سبحانه يخرج منها من شاء كما ورد في السنة ثم يبقيها ما يشاء ثم يفنيها ، فإنه جعل لها أمدا تنتهي إليه . ( الثامن ) أن الله تعالى يخرج منها من شاء - كما ورد في السنة - ويبقي فيها الكفار بقاء لا لانقضاء كما قال الشيخ يعني الطحاوي    . وما عدا هذين القولين من الأقوال المتقدمة ظاهر البطلان . وهذان القولان لأهل السنة ولينظر في دليلهما . ثم أورد آية الأنعام التي نحن بصدد تفسيرها ثم آية هود التي لخصنا ما ورد فيها بما تقدم وغير ذلك . 
وأقول : على هذه الروايات بنيت الأقوال والمذاهب في أبدية النار وعدم نهايتها ، وفي ضده ، ويدخل فيه أنها تفنى كما تقول الجهمية وينتهي عذابها ، أو يتحول إلى نعيم كما قال  الشيخ محيي الدين بن عربي  وعبد الكريم الجيلي  من الصوفية . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					