(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين )
[ ص: 116 ] هذه الآيات إلى تمام العشر بعدها في تتمة سياق مسألة
nindex.php?page=treesubj&link=30578_28668تحريم المشركين ما لم يحرم الله تعالى من الأنعام وغيرها من الأغذية وما يتعلق به ، وقد قلنا : إنه ذكر في هذه السورة المنزلة في أصول الدين وما يقابلها من أصول الشرك والكفر ; لأنه من هذه الأصول لا لمجرد كونه من جهالاتهم وضلالاتهم العملية ، ذلك أصل الدين الأعظم توحيد الله تعالى باعتقاد الألوهية والربوبية له وإفراده بالعبادة ، وحق التشريع بأن نؤمن بأنه لا رب ولا خالق غيره ولا إله يعبد معه أو من دونه ، ولا شارع سواه لعبادة ولا حلال ولا حرام ، وفي هذه العقيدة منتهى تكريم الإنسان . فتأمل ذلك كله في هذه الآيات البينات .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141nindex.php?page=treesubj&link=28977وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع ) الإنشاء إيجاد الأحياء وتربيتها ، وكذا كل ما يكمل بالتدريج كإنشاء السحاب وكتب العلم والشعر والدور والجنات البساتين والكروم الملتفة الأشجار بحيث تجن الأرض وتسترها . والمعروشات المسموكات على العرائش وهي ما يرفع من الدعائم ويجعل عليها مثل السقوف من العيدان والقصب . ومادة عرش تدل على الرفع ومنها عرش الملك . والمعروشات معروفة عند العامة والخاصة ، يقال : عرش دوالي العنب عرشا وعروشا وعرشها تعريشا إذا رفعها على العريش . ويقال : عرشت الدوالي تعرش ( بكسر الراء ) إذا ارتفعت بنفسها . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن المعروشات ما يعرش من الكرم وغيره ، وغير المعروشات ما لا يعرش منها ، وفي رواية عنه أن الأول : ما عرش الناس أي في الأرياف والعمران . والثاني ما خرج في الجبال والبرية من الثمرات . والمعهود أن الكرم منه ما يعرش ومنه ما يترك منبسطا على الأرض ، وكله من جنس المعروشات التي أودع الله فيها خاصية التسلق والاستمساك بما تتسلق عليه من عريش مصنوع أو شجر أو جدار ونحوه ، فالمتبادر من صيغة الجمع في القسمين أن المراد بالأول أنواع المعروشات بالقوة كالكرم وإن لم يوجد ما تعرش عليه بالفعل ، وبالثاني غير المعروشات من سائر أنواع الشجر الذي يستوي على سوقه ولا يتسلق على غيره ، وخصهما بعضهم بالكرم . وعلى هذا يكون عطف النخل عليه وقرنه به لأنه قسيمه في كون ثمرهما من أصول الأقوات وقرينه فيما سيأتي بيانه من الفوائد والشبه . وأما على القول بأن النخل من قسم الجنات غير المعروشات فيكون ذكره تخصيصا له من إفراد العام لما فيه من المنافع الكثيرة ولا سيما للعرب ، فإن بسره ورطبه فاكهة وغذاء وثمره من أفضل الأقوات التي تدخر ، وأيسرها تناولا في السفر والحضر ، ليس فيه مؤنة ولا يحتاج إلى طبخ ولا معالجة ، ونواه علف للرواحل ، ولهم منه شراب حلال لذيذ إذا نبذ في الماء زمنا قليلا - وهو النبيذ أي النقوع - وكان أكثر خمرهم منه ومن بسره ( ولا منة في الرجس ) دع ما في جريد النخل وليفه من المنافع والفوائد ، فهو بمجموع هذه
[ ص: 117 ] المزايا يفضل الكرم الذي هو أقرب الشجر منه وأشبههه به شكلا ولونا في عنبه وزبيبه ومنافعه تفكها وتغذيا وتحليا وشربا :
ثم عطف عليه الزرع وهو النبات الذي يكون بحرث الناس ، وهو عام لكل ما يزرع على القول بالعموم فيما قبله . وأما على القول بتخصيص الجنات بالكرم فينبغي أن يخص بما يأتي منه القوت كالقمح والشعير ، ويكون ترتيب المعطوفات على طريقة الترقي من الأدنى في التغذية واقتيات الناس إلى الأعلى والأعم ، فإن الحبوب هي التي عليها معول أكثر البشر في أقواتهم ، وهذا عكس الترتيب في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه ) ( 99 ) فترتيب الأقوات في هذه الآية على طريق التدلي من الأعلى في الاقتيات إلى الأدنى فالأدنى ، والفرق بينهما أن هذه جاءت في مقام سرد
nindex.php?page=treesubj&link=28658الآيات الكونية على وحدانية الله وقدرته وحكمته ورحمته بعباده ، وقبلها آيات في آياته في العالم العلوي وفي خلق الإنسان وهو دونه ، وعالم النبات أدنى منهما ، فروعي التدلي في أنواعه كما روعي فيما بينه وبين ما قبله . والمقام في الآية التي نفسرها وما بعدها مقام ذكر الأقوات لبيان شرع منشئها في إباحتها ، في مقابلة ضلال المشركين فيما ذكر قبلها من التحليل والتحريم بأهواء الشرك وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ) إلخ فقدم هنالك الحرث على الأنعام لأن ضلالهم فيه أقل من ضلالهم فيها . وجرى هنا على هذا الترتيب فذكر الحرث أولا لما ذكر ، وترقى إلى ذكر الأنعام لكثرة ضلالهم فيها وما يحتاج إليه من تفصيل القول الحق في ذلك ، وهو انتقال من المهم إلى الأهم في المعنى المراد ، وتأخير لما اقتضت الحال إطالة القول فيه على الأصل . فحسن الترقي في ذكر أنواع الأقوات النباتية تفصيلا كما حسن فيما بينها بجملتها وبين الأقوات الحيوانية ، ولما ذكرنا من اختلاف المقام في الآيتين قال في آية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99انظروا إلى ثمره ) ( 99 ) وقال هنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141كلوا من ثمره ) ولم أر أحدا تعرض لهذه النكت هنا .
أنشأ تعالى ما ذكر (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141مختلفا أكله ) الأكل ما يؤكل وفيه لغتان : ضم الهمزة والكاف وبه قرأ جمهور القراء ، وسكون الكاف مع ضم الهمزة وبه قرأ
نافع وابن كثير ، والضمير فيه قيل : إنه راجع إلى الزرع ومنه يعلم حكم ما قبله ، وقيل : بالعكس ، والأرجح أنه راجع إلى كل ما قبله ، والمعنى أنه أنشأ ما ذكر من الجنات والنخل والزرع حال كونه مختلفا ثمره الذي يؤكل منه في شكله ولونه وطعمه وريحه عندما يوجد ، أي قدر الاختلاف فيه عند إنشائه ، فهو كقوله تعالى في سورة يس بعد ذكر الحب وجنات النخيل والأعناب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=35ليأكلوا من ثمره ) ( 36 : 35 )
[ ص: 118 ] أي ثمر المذكور . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وجها واستشهد له ولمثله في آيات أخرى بقول
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة بن العجاج :
فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق
وقال إنه قيل له في ذلك ، أي لم قال : " كأنه " ولم يقل " كأنها " وهي جمع مؤنث ؟ فقال : أردت كأن ذلك . والذي راجعه فيه هو الراوية
أبو عبيدة .
(
nindex.php?page=treesubj&link=28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه ) أي وأنشأ الزيتون والرمان متشابها في المنظر وغير متشابه في المطعم قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قيل : إن المراد التشابه بين الزيتون والرمان في شكل الورق دون الثمر ، وقيل : بل المراد ما بين أنواع الرمان من التشابه في الشجر والتمر ، مع التفاوت في الطعم من حلو وحامض ومر ، وفي لون الحب من أحمر قانئ قمد أو فقاعي وأبيض ناصع أو أزهر مشرب بحمرة . ويراجع في هذا وفي مكان الزيتون والرمان مما ذكر قبله تفسير الآية ( 99 ) من هذه السورة ومنه تعلم وجه تخصيص هذين النوعين بالذكر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141كلوا من ثمره إذا أثمر ) أي كلوا من ثمر ذلك الذي ذكر من أول الآية على ما اخترناه في قوله مختلفا أكله وسيأتي معنى هذا الشرط . وقد قالوا : إن الأمر هنا للإباحة ، أي بعد أن آذن الله تعالى عباده بأنه هو الذي أنشأ لهم ما في الأرض من الشجر والنبات الذي يستغلون منه أقواتهم ، آذنهم بأنه أباحه كله لهم فليس لأحد غيره أن يحرم شيئا منه عليهم ; لأن التحريم حق للرب الخالق للعباد وللأقوات جميعا ، فمن انتحله لنفسه فقد جعل نفسه شريكا له تعالى ، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=30540أذعن لتحريم غير الله وأطاعه فيه فقد أشركه معه سبحانه وتعالى ، كما علم من تفسير الآيات التي قبل هذه ، ويؤكده ما في الآيات بعدها ، والكلام في التحريم الديني كما هو ظاهر . وأما منع بعض الناس من بعض هذا الثمر لسبب غير التشريع الديني فلا شرك فيه ، وقد يوافق بعض أدلة الشرع فيكون منعا شرعيا ، أي تحريما كمنع الطبيب بعض المرضى من أكل الخبز أو الثمر لأنه يضره ، فمن ثبت عنده بشهادة الطبيب الثقة أن التمر يضره مثلا حرم عليه أن يأكله ، وهذا التحريم ليس تشريعا من الطبيب بل الله تعالى هو الذي حرم كل ضار ، وإنما الطبيب معرف للمريض بأنه ضار ، فلا فرق بينه وبين من يخبر بأن هذا الطعام قد طبخ بلحم الخنزير أو لحم كبش أهل به لغير الله فيحرم على كل من صدقه أكله ما لم يكن مضطرا إليه . وكذلك منع السلطان من صيد بعض الطير في بعض الأحوال للمصلحة العامة ، كالحاجة إلى كثرته في حفظ بعض الزرع لأنه يأكل الحشرات المهلكة له مثلا . ولكن مثل هذين ليس تحريما ذاتيا لما ذكر يدوم بدوامه بل موقتا بدوام
[ ص: 119 ] سببه ، ولا هو مبني على أن للسلطان أن يحرم شيئا بمحض إرادته ، وإنما هو مكلف شرعا بصيانة المصالح ودرء المفاسد ، فإذا أخطأ في اجتهاده بشيء من ذلك وجب على الأمة الإنكار عليه ووجب عليه الرجوع إلى الحق .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141إذا أثمر ) لإفادة أن أول وقت إباحة الأكل وقت إطلاع الشجر الثمر والزرع الحب لئلا يتوهم أنه لا يباح إلا إذا أدرك وأينع ، وفي آية أخرى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه ) فالكرم ينتفع بثمره حصرما فعنبا فزبيبا ، والنخل يؤكل ثمره بسرا فرطبا فتمرا ، والقمح يؤكل حبه فريكا قبل يبسه ، وأكله برا مطبوخا أو طحنه وجعله خبزا . وقيل : إن المراد إباحة الأكل منه قبل أداء حقه الذي أمر به في قوله :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وآتوا حقه يوم حصاده ) أي وأعطوا الحق المعلوم من الزرع وغيره لمستحقيه من ذوي القربى واليتامى والمساكين زمن حصاده في جملته بحسب العرف ، لا كل طائفة منه ولا بعد تنقيته وفيه تغليب الحصاد الخاص بالزرع في الأصل فيدخل فيه جني العنب وصرم النخل ، كتغليب الثمر فيما قبله لإدخال حب الحصيد فيه وهو في الأصل خاص بالشجر ، وهذه مقابلة تشبه الاحتباك جديرة بأن تعد نوعا خاصا من أنواع البديع .
أخرج
ابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : " ما سقط من السنبل " وقال
مجاهد فيه : إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل ، فإذا طيبته وكرمته فحضرك المساكين فاطرح لهم منه ، فإذا دسته وذريته فحضرك المساكين فاطرح لهم منه فإذا ذريته وجمعته وعرفت كيله فاعزل زكاته . وإذا بلغ النخل وحضرك المساكين فاطرح لهم من التفاريق والبسر ، فإذا جددته ( أي قطعته ) فحضرك المساكين فاطرح لهم منه فإذا جمعته وعرفت كيله فاعزل زكاته . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران nindex.php?page=showalam&ids=17354ويزيد بن الأصم : أن
أهل المدينة كانوا إذا صرموا النخل يجيئون بالعذق فيضعونه في المسجد فيجيء السائل فيضربه بالعصا فيسقط منه فهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وآتوا حقه يوم حصاده ) وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال : كان هذا قبل أن تنزل الزكاة ، الرجل يعطي من زرعه ويعلف الدابة ويعطي اليتامى والمساكين ويعطي الضغث . يعني أن هذا الأمر في الصدقة المطلقة غير المحدودة المعينة ويؤيده أن السورة مكية
nindex.php?page=treesubj&link=23844_32946والزكاة المحدودة فرضت
بالمدينة في السنة الثانية من الهجرة . وقيل : إنه في الزكاة المفروضة
[ ص: 120 ] المحدودة في الأقوات التي هي العشر وربع العشر ، وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك وهو إحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وهو قول
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وزيد بن أسلم وغيرهم ويرد عليه الإجماع على أن السورة مكية ولم يصح استثناء هذه الآية منها إلا أن يقال : مرادهم أن الإطلاق فيها قيد بعد الهجرة بالمقادير التي بينتها الزكاة كأمثالها من الآيات المكية التي ورد فيها الأمر بالزكاة ، وقد صرح بعضهم بأن الزكاة المقيدة المعروفة نسخت فرضية الزكاة المطلقة ، والنسخ عند السلف أعم من النسخ في عرف الأصوليين فيدخل فيه تخصيص العام .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ،
والنحاس ،
والبيهقي في سننه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : نسخها العشر ونصف العشر . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16574عطية العوفي فيها قال : كانوا إذا حصد وإذا درس وإذا غربل أعطوا منه شيئا فنسخها العشر ونصف العشر . وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد ،
وأبو داود في ناسخه
وابن المنذر عن
سفيان قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي عن هذه الآية قال : هي مكية نسخها العشر ونصف العشر . قلت له عمن ؟ قال : عن العلماء أي علماء الصحابة والتابعين وهذا هو الصواب ومعناه نسخ فرضيتها المطلقة فلم يبق بعد فرض الزكاة المحدودة إلا صدقة التطوع كما هو صريح
nindex.php?page=hadith&LINKID=919792قول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي لما سأله بعد أن أخبره بالزكاة المفروضة : هل علي غيرها ؟ قال صلى الله عليه وسلم ( لا إلا أن تطوع ) على أن الزكاة المحدودة المعينة لا يمكن أداؤها يوم الحصاد ، وما تأولوه في ذلك فهو تكلف فإن قلت : أليس إطعام المعدم المضطر واجبا على من علم بحاله ؟ قلنا الكلام في الحق الواجب على الأعيان في الأموال بشروطها المعروفة ، وإغاثة المضطر من الواجبات الكفائية العارضة لا العينية الثابتة . والحصاد - بفتح الحاء وكسرها - مصدر حصد الزرع إذا جزه أي قطعه كما قال في الأساس ، قرأه
ابن كثير ونافع وحمزة بالكسر والباقون بالفتح .
واستدل
الرازي على زعمه أن حمل الآية على الزكاة المحدودة أصح بأنه إنما يحسن ذكر قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وآتوا حقه ) إذا كان ذلك الحق معلوما قبل نزوله ، لئلا تبقى الآية مجملة . ( قال ) : وقد قال عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919793ليس في المال حق سوى الزكاة " فوجب أن يكون المراد بهذا الحق حق الزكاة اهـ .
ونقول : إن الحق المراد بها كان معلوما عندهم وهو الصدقة المطلقة المعتادة التي ذكرنا بعض الروايات عن السلف فيها ، والحديث الذي ذكره رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11129فاطمة بنت قيس [ ص: 121 ] بسند ضعيف لا يحتج به على أنه صريح في أنه ورد بعد فرض الزكاة
بالمدينة ، فلا يمكن تحكيمه في تفسير آية مكية نزلت قبل فرض الزكاة المذكورة .
ثم قال
الرازي : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وآتوا حقه يوم حصاده ) بعد ذكر الأنواع الخمسة وهو العنب والنخل والزرع والزيتون والرمان يدل على وجوب الزكاة في الكل ، وهذا يقتضي وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=2847الزكاة في الثمار كما كان يقوله
أبو حنيفة رحمه الله . فإن قالوا لفظ الحصاد مخصوص بالزرع فنقول : لفظ الحصد في أصل اللغة غير مخصوص بالزرع ، والدليل عليه أن الحصد في اللغة عبارة عن القطع وذلك يتناول الكل ، وأيضا الضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141يوم حصاده ) يجب عوده إلى أقرب المذكورات وذلك هو الزيتون والرمان ، فوجب أن يكون الضمير عائدا إليه . انتهى بعبارته السقيمة ، وخطأ المعنى فيها أشنع من خطأ العبارة ، فليست الآية في الزكاة ، والحصد في اللغة : جز الزرع لا مطلق القطع ، وإنما يطلق على غيره مجازا أو تغليبا ، فجني الزيتون ليس من الحصد ولا القطع ، وليس عود الضمير إلى آخر ما ذكر في الآية واجبا ، والآخر هو الرمان ، فإن لم يعد الضمير إليه وحده لاستحالة أن يكون هو الذي ثبت الحق فيه وحده ، فالظاهر رجوعه إلى جملة المذكورات بتقدير اسم الإشارة كما مر قريبا ، أو إلى ما يحصد منه حقيقة لا تغليبا وهو الزرع ، والأول هو الذي يريده التفسير المأثور . ثم إن إيجابه رجوع الضمير إلى الأخير يبطل أصل دعواه وهو أن الآية تدل على وجوب الزكاة في الأنواع الخمسة بالنص لذكر الحق بعدها ، فما أضعف دلائل هذا ( الإمام ) الشهير ، ولا سيما في هذا التفسير الملقب بالكبير .
وسنبين إن شاء الله تعالى في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ( 9 : 103 ) ما تجب فيه الزكاة ببيان السنة ، ومنها الأحاديث التي تحصر زكاة الزرع والثمر بالحنطة والشعير والتمر والزبيب وكذا الذرة في حديث مرفوع فيه متروك يعضده مرسل
لمجاهد والحسن . وأن الحكمة فيها كونها القوت الغالب ، فإن جاز أن يقال عليها فإنما يكون فيما يكون قوتا يدخر عنده من اتخذوه قوتا غالبا كالأرز عند بعض العرب
وأهل اليابان أو مطلقا وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) فيه ثلاثة أوجه :
تقدير الأول : كلوا مما رزقكم الله ولا تسرفوا في الأكل كقوله تعالى في سورة الأعراف : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) ( 7 : 31 ) وهو في معنى ما تقدم في سورة المائدة (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87ياأيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) ( 5 : 90 ) فالإسراف مجاوزة الحد والاعتداء كذلك ، والحد الذي ينهى
[ ص: 122 ] عن تجاوزه إما شرعي كتجاوز الحلال من الطعام والشراب وما يتعلق بهما إلى الحرام ، وإما فطري طبعي وهو تجاوز حد الشبع إلى البطنة الضارة .
( الوجه الثاني )
nindex.php?page=treesubj&link=19255_23511لا تسرفوا في الصدقة أي في أمرها ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أي لا تعطوا أموالكم وتقعدوا فقراء ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس بن شماس جذ نخلا فقال : لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته ، فأطعم حتى أمسى وليس له ثمرة ، فأنزل الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) ولكن
ثابتا من
الأنصار ، ومعنى الرواية أنها نزلت يوم نزلت
بمكة في حكم مثل هذا العمل - كما تقدم نظيره مرارا - ومثله قول
أبي العالية : كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة ، ثم إنهم تباذروا وأسرفوا فأنزل الله (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141ولا تسرفوا ) إلخ . وجعل بعضهم الإسراف في أمر الصدقة منعها . فعن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141ولا تسرفوا ) قال : لا تمنعوا الصدقة فتعصوا . وجعله بعضهم خاصا بالحكام الذين يأخذون الصدقات . فعن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد ابن أسلم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وآتوا حقه يوم حصاده ) قال : عشوره . وقال للولاة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141ولا تسرفوا ) لا تأخذوا ما ليس لكم بحق . فأمر هؤلاء بأن يؤدوا حقه ، وأمر الولاة بأن لا يأخذوا إلا الحق .
( الوجه الثالث ) أن النهي عام يشمل الإسراف في أكل الإنسان من ماله بغير سرف ، وفي إنفاقه على غيره من صدقة وغيرها ،
nindex.php?page=treesubj&link=19249_19248فالإسراف مذموم في كل شيء ، وإليه ذهب
عطاء واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ونقله
ابن كثير عنه وقال : لا شك أنه صحيح أي في نفسه لا في عبارة الآية ، فإنه اختار فيها أن الوجه الأول هو الظاهر - وهو كما قال بالنظر إلى مورد الآية وسياقها ; ولذلك قدمناه وأيدناه بآيتي الأعراف والمائدة وهذا لا يمنع دلالة اللفظ بعمومه مع صرف النظر عن موقعه على النهي عن كل إسراف ، وناهيك بتعليل النهي بكونه تعالى لا يحب المسرفين . وقد وصف الله عباده الصالحين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) ( 25 : 67 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ) ( 17 : 26 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) ( 17 : 29 ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )
[ ص: 116 ] هَذِهِ الْآيَاتُ إِلَى تَمَامِ الْعَشْرِ بَعْدَهَا فِي تَتِمَّةِ سِيَاقِ مَسْأَلَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=30578_28668تَحْرِيمِ الْمُشْرِكِينَ مَا لَمْ يُحَرِّمِ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَغْذِيَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَقَدْ قُلْنَا : إِنَّهُ ذُكِرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْمُنَزَّلَةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وَمَا يُقَابِلُهَا مِنْ أُصُولِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ ; لِأَنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ لَا لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مِنْ جَهَالَاتِهِمْ وَضَلَالَاتِهِمُ الْعَمَلِيَّةِ ، ذَلِكَ أَصْلُ الدِّينِ الْأَعْظَمُ تَوْحِيدُ اللَّهِ تَعَالَى بِاعْتِقَادِ الْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ لَهُ وَإِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ ، وَحَقِّ التَّشْرِيعِ بِأَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّهُ لَا رَبَّ وَلَا خَالِقَ غَيْرُهُ وَلَا إِلَهَ يُعْبَدُ مَعَهُ أَوْ مِنْ دُونِهِ ، وَلَا شَارِعَ سِوَاهُ لِعِبَادَةٍ وَلَا حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ ، وَفِي هَذِهِ الْعَقِيدَةِ مُنْتَهَى تَكْرِيمِ الْإِنْسَانِ . فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141nindex.php?page=treesubj&link=28977وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ ) الْإِنْشَاءُ إِيجَادُ الْأَحْيَاءِ وَتَرْبِيَتُهَا ، وَكَذَا كُلُّ مَا يَكْمُلُ بِالتَّدْرِيجِ كَإِنْشَاءِ السَّحَابِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ وَالشِّعْرِ وَالدُّوْرِ وَالْجَنَّاتِ الْبَسَاتِينَ وَالْكُرُومِ الْمُلْتَفَّةِ الْأَشْجَارِ بِحَيْثُ تَجُنُّ الْأَرْضَ وَتَسْتُرُهَا . وَالْمَعْرُوشَاتُ الْمَسْمُوكَاتُ عَلَى الْعَرَائِشِ وَهِيَ مَا يُرْفَعُ مِنَ الدَّعَائِمِ وَيُجْعَلُ عَلَيْهَا مِثْلُ السُّقُوفِ مِنَ الْعِيدَانِ وَالْقَصَبِ . وَمَادَّةُ عَرَشَ تَدُلُّ عَلَى الرَّفْعِ وَمِنْهَا عَرْشُ الْمَلِكِ . وَالْمَعْرُوشَاتُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ ، يُقَالُ : عَرَّشَ دَوَالِيَ الْعِنَبِ عَرْشًا وَعُرُوشًا وَعَرَّشَهَا تَعْرِيشًا إِذَا رَفَعَهَا عَلَى الْعَرِيشِ . وَيُقَالُ : عَرَّشَتِ الدَّوَالِي تُعَرِّشُ ( بِكَسْرِ الرَّاءِ ) إِذَا ارْتَفَعَتْ بِنَفْسِهَا . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ الْمَعْرُوشَاتِ مَا يُعَرِّشُ مِنَ الْكَرْمِ وَغَيْرِهِ ، وَغَيْرَ الْمَعْرُوشَاتِ مَا لَا يُعَرِّشُ مِنْهَا ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الْأَوَّلَ : مَا عَرَّشَ النَّاسُ أَيْ فِي الْأَرْيَافِ وَالْعُمْرَانِ . وَالثَّانِي مَا خَرَجَ فِي الْجِبَالِ وَالْبَرِّيَّةِ مِنَ الثَّمَرَاتِ . وَالْمَعْهُودُ أَنَّ الْكَرْمَ مِنْهُ مَا يُعَرِّشُ وَمِنْهُ مَا يُتْرَكُ مُنْبَسِطًا عَلَى الْأَرْضِ ، وَكُلُّهُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْرُوشَاتِ الَّتِي أَوْدَعَ اللَّهُ فِيهَا خَاصِّيَّةَ التَّسَلُّقِ وَالِاسْتِمْسَاكِ بِمَا تَتَسَلَّقُ عَلَيْهِ مِنْ عَرِيشٍ مَصْنُوعٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ ، فَالْمُتَبَادِرُ مِنْ صِيغَةِ الْجَمْعِ فِي الْقِسْمَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ أَنْوَاعُ الْمَعْرُوشَاتِ بِالْقُوَّةِ كَالْكَرْمِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَا تُعَرِّشُ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ ، وَبِالثَّانِي غَيْرُ الْمَعْرُوشَاتِ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الشَّجَرِ الَّذِي يَسْتَوِي عَلَى سُوقِهِ وَلَا يَتَسَلَّقُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَخَصَّهُمَا بَعْضُهُمْ بِالْكَرْمِ . وَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَطْفُ النَّخْلِ عَلَيْهِ وَقَرْنُهُ بِهِ لِأَنَّهُ قَسِيمُهُ فِي كَوْنِ ثَمَرِهِمَا مِنْ أَصُولِ الْأَقْوَاتِ وَقَرِينَهُ فِيمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالشَّبَهِ . وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّخْلَ مِنْ قِسْمِ الْجَنَّاتِ غَيْرِ الْمَعْرُوشَاتِ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ تَخْصِيصًا لَهُ مِنْ إِفْرَادِ الْعَامِّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ الْكَثِيرَةِ وَلَا سِيَّمَا لِلْعَرَبِ ، فَإِنَّ بُسْرَهُ وَرُطَبَهُ فَاكِهَةٌ وَغِذَاءٌ وَثَمَرَهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَقْوَاتِ الَّتِي تُدَّخَرُ ، وَأَيْسَرِهَا تَنَاوُلًا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ، لَيْسَ فِيهِ مُؤْنَةٌ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى طَبْخٍ وَلَا مُعَالَجَةٍ ، وَنَوَاهُ عَلَفٌ لِلرَّوَاحِلِ ، وَلَهُمْ مِنْهُ شَرَابٌ حَلَالٌ لَذِيذٌ إِذَا نُبِذَ فِي الْمَاءِ زَمَنًا قَلِيلًا - وَهُوَ النَّبِيذُ أَيِ النَّقُوعِ - وَكَانَ أَكْثَرُ خَمْرِهِمْ مِنْهُ وَمَنْ بُسْرِهِ ( وَلَا مِنَّةَ فِي الرِّجْسِ ) دَعْ مَا فِي جَرِيدِ النَّخْلِ وَلِيفِهِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْفَوَائِدِ ، فَهُوَ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ
[ ص: 117 ] الْمَزَايَا يُفَضَّلُ الْكَرْمُ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ الشَّجَرِ مِنْهُ وَأَشْبَهُهُهُ بِهِ شَكْلًا وَلَوْنًا فِي عِنَبِهِ وَزَبِيبِهِ وَمَنَافِعِهِ تَفَكُّهًا وَتَغَذِّيًا وَتَحَلِّيًا وَشُرْبًا :
ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ الزَّرْعَ وَهُوَ النَّبَاتُ الَّذِي يَكُونُ بِحَرْثِ النَّاسِ ، وَهُوَ عَامٌّ لِكُلِّ مَا يُزْرَعُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ فِيمَا قَبْلَهُ . وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْجَنَّاتِ بِالْكَرْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ بِمَا يَأْتِي مِنْهُ الْقُوتُ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ ، وَيَكُونُ تَرْتِيبُ الْمَعْطُوفَاتِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّرَقِّي مِنَ الْأَدْنَى فِي التَّغْذِيَةِ وَاقْتِيَاتِ النَّاسِ إِلَى الْأَعْلَى وَالْأَعَمِّ ، فَإِنَّ الْحُبُوبَ هِيَ الَّتِي عَلَيْهَا مُعَوَّلُ أَكْثَرِ الْبَشَرِ فِي أَقْوَاتِهِمْ ، وَهَذَا عَكْسُ التَّرْتِيبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ) ( 99 ) فَتَرْتِيبُ الْأَقْوَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى طَرِيقِ التَّدَلِّي مِنَ الْأَعْلَى فِي الِاقْتِيَاتِ إِلَى الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ جَاءَتْ فِي مَقَامِ سَرْدِ
nindex.php?page=treesubj&link=28658الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ ، وَقَبْلَهَا آيَاتٌ فِي آيَاتِهِ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَفِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ دُونَهُ ، وَعَالَمُ النَّبَاتِ أَدْنَى مِنْهُمَا ، فَرُوعِيَ التَّدَلِّي فِي أَنْوَاعِهِ كَمَا رُوعِيَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ . وَالْمَقَامُ فِي الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا وَمَا بَعْدَهَا مَقَامُ ذِكْرِ الْأَقْوَاتِ لِبَيَانِ شَرْعِ مَنْشَئِهَا فِي إِبَاحَتِهَا ، فِي مُقَابَلَةِ ضَلَالِ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا ذُكِرَ قَبْلَهَا مِنَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ بِأَهْوَاءِ الشِّرْكِ وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=136وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا ) إِلَخْ فَقَدَّمَ هُنَالِكَ الْحَرْثَ عَلَى الْأَنْعَامِ لِأَنَّ ضَلَالَهُمْ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ ضَلَالِهِمْ فِيهَا . وَجَرَى هُنَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فَذَكَرَ الْحَرْثَ أَوَّلًا لِمَا ذُكِرَ ، وَتَرَقَّى إِلَى ذِكْرِ الْأَنْعَامِ لِكَثْرَةِ ضَلَالِهِمْ فِيهَا وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ تَفْصِيلِ الْقَوْلِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ انْتِقَالٌ مِنَ الْمُهِمِّ إِلَى الْأَهَمِّ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ ، وَتَأْخِيرٌ لَمَّا اقْتَضَتِ الْحَالُ إِطَالَةَ الْقَوْلِ فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ . فَحَسُنَ التَّرَقِّي فِي ذِكْرِ أَنْوَاعِ الْأَقْوَاتِ النَّبَاتِيَّةِ تَفْصِيلًا كَمَا حَسُنَ فِيمَا بَيْنَهَا بِجُمْلَتِهَا وَبَيْنَ الْأَقْوَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ ، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنِ اخْتِلَافِ الْمَقَامِ فِي الْآيَتَيْنِ قَالَ فِي آيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ ) ( 99 ) وَقَالَ هُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ ) وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِهَذِهِ النُّكَتِ هُنَا .
أَنْشَأَ تَعَالَى مَا ذَكَرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ ) الْأُكُلُ مَا يُؤْكَلُ وَفِيهِ لُغَتَانِ : ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَبِهِ قَرَأَ جُمْهُورُ الْقُرَّاءِ ، وَسُكُونُ الْكَافِ مَعَ ضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِهِ قَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ ، وَالضَّمِيرُ فِيهِ قِيلَ : إِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الزَّرْعِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ مَا قَبْلَهُ ، وَقِيلَ : بِالْعَكْسِ ، وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى كُلِّ مَا قَبْلَهُ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَنْشَأَ مَا ذَكَرَ مِنَ الْجَنَّاتِ وَالنَّخْلِ وَالزَّرْعِ حَالَ كَوْنِهِ مُخْتَلِفًا ثَمَرُهُ الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ فِي شَكْلِهِ وَلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ وَرِيحِهِ عِنْدَمَا يُوجَدُ ، أَيْ قَدَّرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَ إِنْشَائِهِ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ يس بَعْدَ ذِكْرِ الْحَبِّ وَجَنَّاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=35لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ ) ( 36 : 35 )
[ ص: 118 ] أَيْ ثَمَرِ الْمَذْكُورِ . قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَجَهًا وَاسْتَشْهَدَ لَهُ وَلِمَثَلِهِ فِي آيَاتٍ أُخْرَى بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=15876رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ :
فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ
وَقَالَ إِنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، أَيْ لِمَ قَالَ : " كَأَنَّهُ " وَلَمْ يَقُلْ " كَأَنَّهَا " وَهِيَ جَمْعٌ مُؤَنَّثٌ ؟ فَقَالَ : أَرَدْتُ كَأَنَّ ذَلِكَ . وَالَّذِي رَاجَعَهُ فِيهِ هُوَ الرَّاوِيَةُ
أَبُو عُبَيْدَةَ .
(
nindex.php?page=treesubj&link=28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ) أَيْ وَأَنْشَأَ الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا فِي الْمَنْظَرِ وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ فِي الْمَطْعَمِ قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ ، قِيلَ : إِنَّ الْمُرَادَ التَّشَابُهُ بَيْنَ الزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ فِي شَكْلِ الْوَرَقِ دُونَ الثَّمَرِ ، وَقِيلَ : بَلِ الْمُرَادُ مَا بَيْنَ أَنْوَاعِ الرُّمَّانِ مِنَ التَّشَابُهِ فِي الشَّجَرِ وَالتَّمْرِ ، مَعَ التَّفَاوُتِ فِي الطَّعْمِ مِنْ حُلْوٍ وَحَامِضٍ وَمُرٍّ ، وَفِي لَوْنِ الْحَبِّ مِنْ أَحْمَرَ قَانِئٍ قُمُدٌّ أَوْ فُقَاعِيٌّ وَأَبْيَضَ نَاصِعٍ أَوْ أَزْهَرَ مُشْرَبٍ بِحُمْرَةٍ . وَيُرَاجَعُ فِي هَذَا وَفِي مَكَانِ الزَّيْتُونِ وَالرُّمَّانِ مِمَّا ذُكِرَ قَبْلَهُ تَفْسِيرُ الْآيَةِ ( 99 ) مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْهُ تَعْلَمُ وَجْهَ تَخْصِيصِ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ بِالذِّكْرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ) أَيْ كُلُوا مِنْ ثَمَرِ ذَلِكَ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَوَّلِ الْآيَةِ عَلَى مَا اخْتَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَسَيَأْتِي مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ . وَقَدْ قَالُوا : إِنَّ الْأَمْرَ هُنَا لِلْإِبَاحَةِ ، أَيْ بَعْدَ أَنْ آذَنَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ الَّذِي يَسْتَغِلُّونَ مِنْهُ أَقْوَاتَهُمْ ، آذَنَهُمْ بِأَنَّهُ أَبَاحَهُ كُلَّهُ لَهُمْ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ أَنْ يُحَرِّمَ شَيْئًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ التَّحْرِيمَ حَقٌّ لِلرَّبِّ الْخَالِقِ لِلْعِبَادِ وَلِلْأَقْوَاتِ جَمِيعًا ، فَمَنِ انْتَحَلَهُ لِنَفْسِهِ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ شَرِيكًا لَهُ تَعَالَى ، وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30540أَذْعَنَ لِتَحْرِيمِ غَيْرِ اللَّهِ وَأَطَاعَهُ فِيهِ فَقَدْ أَشْرَكَهُ مَعَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، كَمَا عُلِمَ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ ، وَيُؤَكِّدُهُ مَا فِي الْآيَاتِ بَعْدَهَا ، وَالْكَلَامُ فِي التَّحْرِيمِ الدِّينِيِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ . وَأَمَّا مَنْعُ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَعْضِ هَذَا الثَّمَرِ لِسَبَبٍ غَيْرِ التَّشْرِيعِ الدِّينِيِّ فَلَا شِرْكَ فِيهِ ، وَقَدْ يُوَافِقُ بَعْضَ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَيَكُونُ مَنْعًا شَرْعِيًّا ، أَيْ تَحْرِيمًا كَمَنْعِ الطَّبِيبِ بَعْضَ الْمَرْضَى مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ أَوِ الثَّمَرِ لِأَنَّهُ يَضُرُّهُ ، فَمَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ الطَّبِيبِ الثِّقَةِ أَنَّ التَّمْرَ يَضُرُّهُ مَثَلًا حُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَهُ ، وَهَذَا التَّحْرِيمُ لَيْسَ تَشْرِيعًا مِنَ الطَّبِيبِ بَلِ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي حَرَّمَ كُلَّ ضَارٍّ ، وَإِنَّمَا الطَّبِيبُ مُعَرِّفٌ لِلْمَرِيضِ بِأَنَّهُ ضَارٌّ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُخْبِرُ بِأَنَّ هَذَا الطَّعَامَ قَدْ طُبِخَ بِلَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ لَحْمِ كَبْشٍ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَيَحْرُمُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَدَّقَهُ أَكْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ . وَكَذَلِكَ مَنْعُ السُّلْطَانِ مِنْ صَيْدِ بَعْضِ الطَّيْرِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ ، كَالْحَاجَةِ إِلَى كَثْرَتِهِ فِي حِفْظِ بَعْضِ الزَّرْعِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَشَرَاتِ الْمُهْلِكَةَ لَهُ مَثَلًا . وَلَكِنْ مِثْلُ هَذَيْنِ لَيْسَ تَحْرِيمًا ذَاتِيًّا لِمَا ذُكِرَ يَدُومُ بِدَوَامِهِ بَلْ مُوَقَّتًا بِدَوَامِ
[ ص: 119 ] سَبَبِهِ ، وَلَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُحَرِّمَ شَيْئًا بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُكَلَّفٌ شَرْعًا بِصِيَانَةِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ ، فَإِذَا أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141إِذَا أَثْمَرَ ) لِإِفَادَةِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ إِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَقْتَ إِطْلَاعِ الشَّجَرِ الثَّمَرَ وَالزَّرْعِ الْحَبَّ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا إِذَا أَدْرَكَ وَأَيْنَعَ ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ) فَالْكَرْمُ يُنْتَفَعُ بِثَمَرِهِ حِصْرِمًا فَعِنَبًا فَزَبِيبًا ، وَالنَّخْلُ يُؤْكَلُ ثَمَرُهُ بُسْرًا فَرُطَبًا فَتَمْرًا ، وَالْقَمْحُ يُؤْكَلُ حَبُّهُ فَرِيكًا قَبْلَ يُبْسِهِ ، وَأَكْلُهُ بُرًّا مَطْبُوخًا أَوْ طَحْنُهُ وَجَعْلُهُ خُبْزًا . وَقِيلَ : إِنَّ الْمُرَادَ إِبَاحَةُ الْأَكْلِ مِنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ حَقِّهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فِي قَوْلِهِ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) أَيْ وَأَعْطُوا الْحَقَّ الْمَعْلُومَ مِنَ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ لِمُسْتَحِقِّيهِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ زَمَنَ حَصَادِهِ فِي جُمْلَتِهِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ ، لَا كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْهُ وَلَا بَعْدَ تَنْقِيَتِهِ وَفِيهِ تَغْلِيبُ الْحَصَادِ الْخَاصِّ بِالزَّرْعِ فِي الْأَصْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَنْيُ الْعِنَبِ وَصَرْمُ النَّخْلِ ، كَتَغْلِيبِ الثَّمَرِ فِيمَا قَبْلَهُ لِإِدْخَالِ حَبِّ الْحَصِيدِ فِيهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ خَاصٌّ بِالشَّجَرِ ، وَهَذِهِ مُقَابَلَةٌ تُشْبِهُ الِاحْتِبَاكَ جَدِيرَةٌ بِأَنْ تُعَدَّ نَوْعًا خَاصًّا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ .
أَخْرَجَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالنَّحَّاسُ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) قَالَ : " مَا سَقَطَ مِنَ السُّنْبُلِ " وَقَالَ
مُجَاهِدٌ فِيهِ : إِذَا حَصَدْتَ فَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنَ السُّنْبُلِ ، فَإِذَا طَيَّبْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ فَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنْهُ ، فَإِذَا دُسْتَهُ وَذَرَّيْتَهُ فَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنْهُ فَإِذَا ذَرَّيْتَهُ وَجَمَعْتَهُ وَعَرَفْتَ كَيْلَهُ فَاعْزِلْ زَكَاتَهُ . وَإِذَا بَلَغَ النَّخْلُ وَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنَ التَّفَارِيقِ وَالْبُسْرِ ، فَإِذَا جَدَدْتَهُ ( أَيْ قَطَعْتَهُ ) فَحَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ فَاطْرَحْ لَهُمْ مِنْهُ فَإِذَا جَمَعْتَهُ وَعَرَفْتَ كَيْلَهُ فَاعْزِلْ زَكَاتَهُ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17188مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ nindex.php?page=showalam&ids=17354وَيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ : أَنَّ
أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا إِذَا صَرَمُوا النَّخْلَ يَجِيئُونَ بِالْعَذْقِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَجِيءُ السَّائِلُ فَيَضْرِبُهُ بِالْعَصَا فَيُسْقِطُ مِنْهُ فَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ ، الرَّجُلُ يُعْطِي مِنْ زَرْعِهِ وَيَعْلِفُ الدَّابَّةَ وَيُعْطِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَيُعْطِي الضِّغْثَ . يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي الصَّدَقَةِ الْمُطْلَقَةِ غَيْرِ الْمَحْدُودَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ
nindex.php?page=treesubj&link=23844_32946وَالزَّكَاةَ الْمَحْدُودَةَ فُرِضَتْ
بِالْمَدِينَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ . وَقِيلَ : إِنَّهُ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ
[ ص: 120 ] الْمَحْدُودَةِ فِي الْأَقْوَاتِ الَّتِي هِيَ الْعُشْرُ وَرُبْعُ الْعُشْرِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ
الْحَسَنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَغَيْرِهِمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْهَا إِلَّا أَنْ يُقَالَ : مُرَادُهُمْ أَنَّ الْإِطْلَاقَ فِيهَا قُيِّدَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِالْمَقَادِيرِ الَّتِي بَيَّنَتْهَا الزَّكَاةُ كَأَمْثَالِهَا مِنَ الْآيَاتِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْأَمْرُ بِالزَّكَاةِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الزَّكَاةَ الْمُقَيَّدَةَ الْمَعْرُوفَةَ نَسَخَتْ فَرْضِيَّةَ الزَّكَاةِ الْمُطْلَقَةِ ، وَالنَّسْخُ عِنْدَ السَّلَفِ أَعَمُّ مِنَ النَّسْخِ فِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ فَيَدْخُلُ فِيهِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ .
أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12508وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ،
وَالنُّحَّاسُ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) قَالَ : نَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16574عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فِيهَا قَالَ : كَانُوا إِذَا حُصِدَ وَإِذَا دُرِسَ وَإِذَا غُرْبِلَ أَعْطَوْا مِنْهُ شَيْئًا فَنَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ . وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ،
وَأَبُو دَاوُدَ فِي نَاسِخِهِ
وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ
سُفْيَانَ قَالَ : سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيَّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ : هِيَ مَكِّيَّةٌ نَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ . قُلْتُ لَهُ عَمَّنْ ؟ قَالَ : عَنِ الْعُلَمَاءِ أَيْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَمَعْنَاهُ نَسْخُ فَرْضِيَّتِهَا الْمُطْلَقَةِ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّكَاةِ الْمَحْدُودَةِ إِلَّا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=919792قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ لَمَّا سَأَلَهُ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ ) عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ الْمَحْدُودَةَ الْمُعَيَّنَةَ لَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا يَوْمَ الْحَصَادِ ، وَمَا تَأَوَّلُوهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ تَكَلُّفٌ فَإِنْ قُلْتَ : أَلَيْسَ إِطْعَامُ الْمُعْدَمِ الْمُضْطَرِّ وَاجِبًا عَلَى مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِ ؟ قُلْنَا الْكَلَامُ فِي الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَى الْأَعْيَانِ فِي الْأَمْوَالِ بِشُرُوطِهَا الْمَعْرُوفَةِ ، وَإِغَاثَةُ الْمُضْطَرِّ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْكِفَائِيَّةِ الْعَارِضَةِ لَا الْعَيْنِيَّةِ الثَّابِتَةِ . وَالْحَصَادُ - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا - مَصْدَرُ حَصَدَ الزَّرْعَ إِذَا جَزَّهُ أَيْ قَطَعَهُ كَمَا قَالَ فِي الْأَسَاسِ ، قَرَأَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَحَمْزَةُ بِالْكَسْرِ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ .
وَاسْتَدَلَّ
الرَّازِيُّ عَلَى زَعْمِهِ أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى الزَّكَاةِ الْمَحْدُودَةِ أَصَحُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْسُنُ ذِكْرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَآتُوا حَقَّهُ ) إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْحَقُّ مَعْلُومًا قَبْلَ نُزُولِهِ ، لِئَلَّا تَبْقَى الْآيَةُ مُجْمَلَةً . ( قَالَ ) : وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919793لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْحَقِّ حَقَّ الزَّكَاةِ اهـ .
وَنَقُولُ : إِنَّ الْحَقَّ الْمُرَادَ بِهَا كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ وَهُوَ الصَّدَقَةُ الْمُطْلَقَةُ الْمُعْتَادَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا بَعْضَ الرِّوَايَاتِ عَنِ السَّلَفِ فِيهَا ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11129فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ [ ص: 121 ] بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ وَرَدَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّكَاةِ
بِالْمَدِينَةِ ، فَلَا يُمْكِنُ تَحْكِيمُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَةٍ مَكِّيَّةٍ نَزَلَتْ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ الْمَذْكُورَةِ .
ثُمَّ قَالَ
الرَّازِيُّ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) بَعْدَ ذِكْرِ الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ الْعِنَبُ وَالنَّخْلُ وَالزَّرْعُ وَالزَّيْتُونُ وَالرُّمَّانُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْكُلِّ ، وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ
nindex.php?page=treesubj&link=2847الزَّكَاةِ فِي الثِّمَارِ كَمَا كَانَ يَقُولُهُ
أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ . فَإِنْ قَالُوا لَفْظُ الْحَصَادِ مَخْصُوصٌ بِالزَّرْعِ فَنَقُولُ : لَفْظُ الْحَصْدِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِالزَّرْعِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَصْدَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَطْعِ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ ، وَأَيْضًا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141يَوْمَ حَصَادِهِ ) يَجِبُ عَوْدُهُ إِلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورَاتِ وَذَلِكَ هُوَ الزَّيْتُونُ وَالرُّمَّانُ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَيْهِ . انْتَهَى بِعِبَارَتِهِ السَّقِيمَةِ ، وَخَطَّأُ الْمَعْنَى فِيهَا أَشْنَعُ مِنْ خَطَأِ الْعِبَارَةِ ، فَلَيْسَتِ الْآيَةُ فِي الزَّكَاةِ ، وَالْحَصْدُ فِي اللُّغَةِ : جَزُّ الزَّرْعِ لَا مُطْلَقُ الْقَطْعِ ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ مَجَازًا أَوْ تَغْلِيبًا ، فَجَنْيُ الزَّيْتُونِ لَيْسَ مِنَ الْحَصْدِ وَلَا الْقَطْعُ ، وَلَيْسَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَاجِبًا ، وَالْآخِرُ هُوَ الرُّمَّانُ ، فَإِنْ لَمْ يَعُدِ الضَّمِيرُ إِلَيْهِ وَحْدَهُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ الْحَقُّ فِيهِ وَحْدَهُ ، فَالظَّاهِرُ رُجُوعُهُ إِلَى جُمْلَةِ الْمَذْكُورَاتِ بِتَقْدِيرِ اسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا مَرَّ قَرِيبًا ، أَوْ إِلَى مَا يُحْصَدُ مِنْهُ حَقِيقَةً لَا تَغْلِيبًا وَهُوَ الزَّرْعُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يُرِيدُهُ التَّفْسِيرُ الْمَأْثُورُ . ثُمَّ إِنَّ إِيجَابَهُ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إِلَى الْأَخِيرِ يُبْطِلُ أَصْلَ دَعْوَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ بِالنَّصِّ لِذِكْرِ الْحَقِّ بَعْدَهَا ، فَمَا أَضْعَفَ دَلَائِلَ هَذَا ( الْإِمَامِ ) الشَّهِيرِ ، وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ الْمُلَقَّبِ بِالْكَبِيرِ .
وَسَنُبَيِّنُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) ( 9 : 103 ) مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِبَيَانِ السُّنَّةِ ، وَمِنْهَا الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَحْصُرُ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَكَذَا الذُّرَةُ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِيهِ مَتْرُوكٌ يُعَضِّدُهُ مُرْسَلٌ
لِمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ . وَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهَا كَوْنُهَا الْقُوتَ الْغَالِبَ ، فَإِنْ جَازَ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهَا فَإِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَكُونُ قُوتًا يُدَّخَرُ عِنْدَهُ مَنِ اتَّخَذُوهُ قُوتًا غَالِبًا كَالْأُرْزِ عِنْدَ بَعْضِ الْعَرَبِ
وَأَهْلِ الْيَابَانِ أَوْ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ :
تَقْدِيرُ الْأَوَّلِ : كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تُسْرِفُوا فِي الْأَكْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=31وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) ( 7 : 31 ) وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=87يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) ( 5 : 90 ) فَالْإِسْرَافُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَالِاعْتِدَاءُ كَذَلِكَ ، وَالْحَدُّ الَّذِي يُنْهَى
[ ص: 122 ] عَنْ تَجَاوُزِهِ إِمَّا شَرْعِيٌّ كَتَجَاوُزِ الْحَلَالِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا إِلَى الْحَرَامِ ، وَإِمَّا فِطْرِيٌّ طَبْعِيٌّ وَهُوَ تَجَاوُزُ حَدِّ الشِّبَعِ إِلَى الْبِطْنَةِ الضَّارَّةِ .
( الْوَجْهُ الثَّانِي )
nindex.php?page=treesubj&link=19255_23511لَا تُسْرِفُوا فِي الصَّدَقَةِ أَيْ فِي أَمْرِهَا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : أَيْ لَا تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ وَتَقْعُدُوا فُقَرَاءَ ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=215ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ جَذَّ نَخْلًا فَقَالَ : لَا يَأْتِينِي الْيَوْمَ أَحَدٌ إِلَّا أَطْعَمْتُهُ ، فَأَطْعَمَ حَتَّى أَمْسَى وَلَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) وَلَكِنَّ
ثَابِتًا مِنَ
الْأَنْصَارِ ، وَمَعْنَى الرِّوَايَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ نَزَلَتْ
بِمَكَّةَ فِي حُكْمِ مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ - كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ مِرَارًا - وَمِثْلُهُ قَوْلُ
أَبِي الْعَالِيَةِ : كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا سِوَى الزَّكَاةِ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ تَبَاذَرُوا وَأَسْرَفُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَلَا تُسْرِفُوا ) إِلَخْ . وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الْإِسْرَافَ فِي أَمْرِ الصَّدَقَةِ مَنْعَهَا . فَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَلَا تُسْرِفُوا ) قَالَ : لَا تَمْنَعُوا الصَّدَقَةَ فَتَعْصُوا . وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ خَاصًّا بِالْحُكَّامِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الصَّدَقَاتِ . فَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) قَالَ : عُشُورَهُ . وَقَالَ لِلْوُلَاةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَلَا تُسْرِفُوا ) لَا تَأْخُذُوا مَا لَيْسَ لَكُمْ بِحَقٍّ . فَأَمَرَ هَؤُلَاءِ بِأَنْ يُؤَدُّوا حَقَّهُ ، وَأَمَرَ الْوُلَاةَ بِأَنْ لَا يَأْخُذُوا إِلَّا الْحَقَّ .
( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ يَشْمَلُ الْإِسْرَافَ فِي أَكْلِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ سَرَفٍ ، وَفِي إِنْفَاقِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ صَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=19249_19248فَالْإِسْرَافُ مَذْمُومٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
عَطَاءٌ وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَنَقَلَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ عَنْهُ وَقَالَ : لَا شَكَّ أَنَّهُ صَحِيحٌ أَيْ فِي نَفْسِهِ لَا فِي عِبَارَةِ الْآيَةِ ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ فِيهَا أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ - وَهُوَ كَمَا قَالَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَوْرِدِ الْآيَةِ وَسِيَاقِهَا ; وَلِذَلِكَ قَدَّمْنَاهُ وَأَيَّدْنَاهُ بِآيَتَيِ الْأَعْرَافِ وَالْمَائِدَةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ دَلَالَةَ اللَّفْظِ بِعُمُومِهِ مَعَ صَرْفِ النَّظَرِ عَنْ مَوْقِعِهِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ كُلِّ إِسْرَافٍ ، وَنَاهِيكَ بِتَعْلِيلِ النَّهْيِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ . وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ) ( 25 : 67 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) ( 17 : 26 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ) ( 17 : 29 ) .