الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) أي والخامس مما أتلوه عليكم من وصايا ربكم ألا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها بالإسلام أو عقد الذمة أو العهد أو الاستئمان ، فيدخل في عمومها كل أحد إلا الحربي .

                          ويطلق العهد على الثلاثة ، ومنه ما ورد في النهي عن قتل المعاهد وإيذائه ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما " رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، وقوله صلى الله عليه وسلم " من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسين خريفا " رواه الترمذي وقال حسن صحيح وابن ماجه من حديث أبي هريرة ، وقوله : ( إلا بالحق ) هو ما يبيح القتل شرعا كقتل القاتل عمدا بشرطه .

                          ( ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ) الإشارة إلى الوصايا الخمس التي تليت في هذه الآية . واللام فيها للدلالة على بعد مدى ما تدل عليه الوصايا المشار إليها من الحكم والأحكام والمصالح الدنيوية والأخروية - أو بعدها عن متناول أوضاع الجهل والجاهلية ولا سيما مع الأمية . والوصية ما يعهد إلى الإنسان أن يعمله من خير أو ترك شر بما يرجى تأثيره ، ويقال : أوصاه ووصاه . وجعلها الراغب عبارة عما يطلب من عمل مقترنا بوعظ . وأصل معنى " وصى " الثلاثي " وصل " ، ومواصاة الشيء مواصلته . وهو خاص بالنافع كالمطر والنبات . يقال : وصى النبت اتصل وكثر ، وأرض واصية النبات . وقال ابندريد في وصف صيب المطر .


                          جون أعارته الجنوب جانبا منها وواصت صوبه يد الصبا

                          أي وصاكم الله بذلك لما فيه من إعدادكم وباعث الرجاء في أنفسكم لأن تعقلوا ما فيه الخير والمنفعة في ترك ما نهى عنه وفعل ما أمر به ; فإن ذلك مما تدركه العقول الصحيحة بأدنى تأمل ، وفيه دليل على الحسن الذاتي وإدراك العقول له بنظرها ، وإذا هي عقلت ذلك كان عاقلا لها ومانعا من المخالفة . وفيه تعريض بأن ما هم عليه من الشرك وتحريم السوائب وغيرها ، مما لا تعقل له فائدة ، ولا تظهر للأنظار الصحيحة فيه مصلحة .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية