(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون )
بين الله تعالى في السياق الأخير من هذه السورة أصول الدين في الآداب والفضائل ، في إثر تفصيل السورة لجميع أصول العقائد ، وقفى على ذلك بالإعذار إلى كفار
مكة ومن يتبعهم من العرب ، الذين كانوا يقسمون بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم المجاورة لهم من
أهل الكتاب . فلما جاءهم النذير استكبروا وزادوا نفورا عن الإيمان ، وقرن هذا الإعذار بالإنذار الشديد والوعيد بسوء العذاب في الآية التي قبل هذه الآية وفي هذه أيضا ، فإنه حصر فيها ما أمامهم وأمام غيرهم من الأمم بما يعرفهم بحقيقة ما ينتظرون في مستقبل أمرهم ، وأنه غير ما يتمنون من موت الرسول ، وانطفاء نور الإسلام بموته صلوات الله وسلامه عليه فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158nindex.php?page=treesubj&link=28977هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ) أي إنهم لا ينتظرون إلا أحد هذه الثلاثة ، بمعنى أنه ليس أمامهم غاية ينتهون إليها في نفس الأمر أو بحسب سنن الله في الخلق إلا أن تأتيهم - وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( يأتيهم ) - الملائكة ، أي ملائكة الموت لقبض أرواحهم فرادى ، أو ملائكة العذاب لاستئصالهم ( وهذا الأخير خاص بالأمم التي يعاند الرسل سوادها الأعظم بعد أن يأتوها بالآيات المقترحة ) أو يأتي ربك
[ ص: 184 ] أيها الرسول ، قيل : إن إتيان الرب تعالى عبارة عن إتيان ما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم من النصر ، وأوعد به أعداءه من عذابه إياهم في الدنيا ، كما قال في الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) ( 59 : 2 ) الآية ، وقيل : إتيان أمره بالعذاب أو الجزاء مطلقا ، فهاهنا مقدر دل عليه قوله في سورة النحل التي تشابه هذه السورة في أكثر مسائلها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) ( 16 : 33 ) وقيل : بل المراد إتيانه سبحانه وتعالى بذاته في الآخرة بغير كيف ولا شبه ولا نظير ، وتعرفه إلى عباده ومعرفة أهل الإيمان الصحيح إياه . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة ) قال : عند الموت ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158أو يأتي ربك ) قال : يوم القيامة ، وعن
قتادة مثله ، وعن
مقاتل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158أو يأتي ربك ) قال : يوم القيامة في ظلل من الغمام .
وقد بينا هذا الوجه في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) ( 2 : 210 ) ونقلنا فيه عن الأستاذ رحمه الله تعالى قولا نفيسا فليراجع في ص207 - 213 ج 2 ط . الهيئة . ولكن يضعف هذا الوجه هنا ذكره ثانيا ، ولو كان هو المراد لجعل الأخير لأنه آخر ما ينتظر ، أو الأول لعظم شأنه .
وجوز بعض المفسرين أن يكون هذا الانتظار بحسب ما في أذهانهم لا بحسب الواقع ، فإنهم اقترحوا إنزال الملائكة عليهم ورؤية ربهم . وعلى هذا يكون إتيان بعض آيات الرب ما اقترحوه غير هذين كنزول كتاب من السماء يقرءونه وكتفجير ينبوع من الأرض
بمكة ، ويكون الاستفهام للتهكم لأن اقتراحهم كان للتعجيز . وأما على القول الذي جرينا عليه تبعا للجمهور من أن هذه الثلاث هي ما ينتظرونه كغيرهم في نفس الأمر ، فلا يصح أن يراد بهذا البعض شيء مما اقترحوه ، لأن إيتاء الآيات المقترحة على الرسل يقتضي في سنة الله هلاك الأمة بعذاب الاستئصال إذا لم تؤمن به كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده ) ( 40 : 85 ) والله لا يهلك أمة نبي الرحمة ، بل يصدق هذا بكل آية تدل على صدق الرسول ، أو بما يحصل لرائيها اليأس من الحياة ، أو الإيمان القهري الذي لا كسب له فيه ولا اختيار ; ولذلك قال في بيان ذلك البعض بما يترتب عليه :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ )
بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي السِّيَاقِ الْأَخِيرِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ أُصُولَ الدِّينِ فِي الْآدَابِ وَالْفَضَائِلِ ، فِي إِثْرِ تَفْصِيلِ السُّورَةِ لِجَمِيعِ أُصُولِ الْعَقَائِدِ ، وَقَفَّى عَلَى ذَلِكَ بِالْإِعْذَارِ إِلَى كُفَّارِ
مَكَّةَ وَمَنْ يَتَّبِعُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ ، الَّذِينَ كَانُوا يُقْسِمُونَ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُمْ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ . فَلَمَّا جَاءَهُمُ النَّذِيرُ اسْتَكْبَرُوا وَزَادُوا نُفُورًا عَنِ الْإِيمَانِ ، وَقَرَنَ هَذَا الْإِعْذَارَ بِالْإِنْذَارِ الشَّدِيدِ وَالْوَعِيدِ بِسُوءِ الْعَذَابِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي هَذِهِ أَيْضًا ، فَإِنَّهُ حَصَرَ فِيهَا مَا أَمَامَهُمْ وَأَمَامَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ بِمَا يُعَرِّفُهُمْ بِحَقِيقَةِ مَا يَنْتَظِرُونَ فِي مُسْتَقْبَلِ أَمْرِهِمْ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَا يَتَمَنَّوْنَ مِنْ مَوْتِ الرَّسُولِ ، وَانْطِفَاءِ نُورِ الْإِسْلَامِ بِمَوْتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158nindex.php?page=treesubj&link=28977هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) أَيْ إِنَّهُمْ لَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا أَحَدَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ أَمَامَهُمْ غَايَةٌ يَنْتَهُونَ إِلَيْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ بِحَسَبَ سُنَنِ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ - وَقَرَأَ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ( يَأْتِيَهُمُ ) - الْمَلَائِكَةُ ، أَيْ مَلَائِكَةُ الْمَوْتِ لَقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ فُرَادَى ، أَوْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ لِاسْتِئْصَالِهِمْ ( وَهَذَا الْأَخِيرُ خَاصٌّ بِالْأُمَمِ الَّتِي يُعَانِدُ الرُّسُلَ سَوَادُهَا الْأَعْظَمُ بَعْدَ أَنْ يَأْتُوهَا بِالْآيَاتِ الْمُقْتَرَحَةِ ) أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ
[ ص: 184 ] أَيُّهَا الرَّسُولُ ، قِيلَ : إِنَّ إِتْيَانَ الرَّبِّ تَعَالَى عِبَارَةٌ عَنْ إِتْيَانِ مَا وَعَدَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّصْرِ ، وَأَوْعَدَ بِهِ أَعْدَاءَهُ مِنْ عَذَابِهِ إِيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا ، كَمَا قَالَ فِي الَّذِينَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ) ( 59 : 2 ) الْآيَةَ ، وَقِيلَ : إِتْيَانُ أَمْرِهِ بِالْعَذَابِ أَوِ الْجَزَاءِ مُطْلَقًا ، فَهَاهُنَا مُقَدَّرٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ الَّتِي تُشَابِهُ هَذِهِ السُّورَةَ فِي أَكْثَرِ مَسَائِلِهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=33هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) ( 16 : 33 ) وَقِيلَ : بَلِ الْمُرَادُ إِتْيَانُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِذَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ بِغَيْرِ كَيْفٍ وَلَا شَبَهٍ وَلَا نَظِيرٍ ، وَتَعَرُّفُهُ إِلَى عِبَادِهِ وَمَعْرِفَةُ أَهْلِ الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ إِيَّاهُ . وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ) قَالَ : عِنْدَ الْمَوْتِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ) قَالَ : يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَعَنْ
قَتَادَةَ مِثْلُهُ ، وَعَنْ
مُقَاتِلٍ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ) قَالَ : يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ .
وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْوَجْهَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ ) ( 2 : 210 ) وَنَقَلْنَا فِيهِ عَنِ الْأُسْتَاذِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلًا نَفِيسًا فَلْيُرَاجَعْ فِي ص207 - 213 ج 2 ط . الْهَيْئَةِ . وَلَكِنْ يُضَعِّفُ هَذَا الْوَجْهَ هُنَا ذِكْرُهُ ثَانِيًا ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُرَادَ لَجُعِلَ الْأَخِيرَ لِأَنَّهُ آخِرُ مَا يُنْتَظَرُ ، أَوِ الْأَوَّلُ لِعَظَمِ شَأْنِهِ .
وَجَوَّزَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِانْتِظَارُ بِحَسَبِ مَا فِي أَذْهَانِهِمْ لَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ ، فَإِنَّهُمُ اقْتَرَحُوا إِنْزَالَ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ وَرُؤْيَةَ رَبِّهِمْ . وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إِتْيَانُ بَعْضِ آيَاتِ الرَّبِّ مَا اقْتَرَحُوهُ غَيْرَ هَذَيْنِ كَنُزُولِ كِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ يَقْرَءُونَهُ وَكَتَفْجِيرِ يَنْبُوعٍ مِنَ الْأَرْضِ
بِمَكَّةَ ، وَيَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّهَكُّمِ لِأَنَّ اقْتِرَاحَهُمْ كَانَ لِلتَّعْجِيزِ . وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي جَرَيْنَا عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَ هِيَ مَا يَنْتَظِرُونَهُ كَغَيْرِهِمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الْبَعْضِ شَيْءٌ مِمَّا اقْتَرَحُوهُ ، لِأَنَّ إِيتَاءَ الْآيَاتِ الْمُقْتَرَحَةِ عَلَى الرُّسُلِ يَقْتَضِي فِي سُنَّةِ اللَّهِ هَلَاكَ الْأُمَّةِ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ إِذَا لَمْ تُؤْمِنْ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=85فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ) ( 40 : 85 ) وَاللَّهُ لَا يُهْلِكُ أُمَّةَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، بَلْ يُصَدِّقُ هَذَا بِكُلِّ آيَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ ، أَوْ بِمَا يَحْصُلُ لِرَائِيهَا الْيَأْسُ مِنَ الْحَيَاةِ ، أَوِ الْإِيمَانِ الْقَهْرِيِّ الَّذِي لَا كَسْبَ لَهُ فِيهِ وَلَا اخْتِيَارَ ; وَلِذَلِكَ قَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ :