وقد
nindex.php?page=treesubj&link=29433_29434_28682كانت الذبائح عند الوثنيين من العبادات يقربونها لآلهتهم ويهلون بها لهم ، ثم سرى ذلك إلى بعض أهل الكتاب فخرجوا بقرابينهم عما شرعت لهم من كفارة يتقرب بها إلى الله وحده ، فصاروا يهلون بها للأنبياء والصالحين ، وينذرونها لأولئك القديسين ، وذلك كله من عبادة الشرك ، فمن فعلها من المسلمين فله حكم من فعلها من أولئك المشركين ، كما تقدم تفصيله في تفسير ما أهل به لغير الله من هذه السورة " الآية : 145 " وسورتي البقرة " الآية : 173 " والمائدة " الآية : 3 " . وما تأويل بعض المعممين لهم إلا كتأويل من سبقهم من الرهبان والقسيسين .
وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها
nindex.php?page=treesubj&link=29428والعبادات إنما تمتاز على العادات بالتوجه فيها إلى المعبود تقربا إليه وتعظيما له وطلبا لمثوبته ومرضاته ، وكل من يتوجه إليه المصلي أو الذابح بذلك ويقصد به تعظيمه فهو معبود له ، سواء عبر فاعله عن ذلك بقول يدل عليه أم لا ، فالعبادة لا تنبغي إلا لله رب العباد وخالقهم ، فإن توجه أحد إليه وإلى غيره من عباده المكرمين أو غيرهم مما يستعظم خلقه كان مشركا ، والله لا يقبل من العبادة إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم .
إن كون الصلاة والنسك لا يكونان في الدين الحق إلا خالصين لله وحده أمر ظاهر يعد
[ ص: 215 ] من ضروريات الدين . وأما المحيا والممات فهما مصدران ميميان بمعنى الحياة والموت ، وزعم
الرازي أن معنى كونهما مع الصلاة والنسك لله أنه هو الخالق لذلك ، وأن هذا دليل على قول أصحابه
الأشعرية أن
nindex.php?page=treesubj&link=28785أفعال العباد مخلوقة لله وليس للعباد فيها تأثير . وهذا من أغرب ما انفرد به من السخف بعصبية المذهب مع الغفلة عن منافاة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=163وبذلك أمرت ) له ، وعن كونه ليس مما يختلف فيه المؤمن الموحد والمشرك ، فلا يصح أن يكون هو المراد في بيان تقرير حقيقة التوحيد . والمتبادر أن معنى كون حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وموته - وكذا من تأسى به - لله وحده هو أنه قد وجه وجهه وحصر نيته وعزمه في حبس حياته لطاعته ومرضاته تعالى ، وبذلها في سبيله ليموت على ذلك كما يعيش عليه . وفي الكشاف أن معناه وما آتيه في حياتي وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح كله لله رب العالمين . زاد
البيضاوي : أو طاعات الحياة والخيرات المضافة إلى الممات كالوصية والتدبير أو الحياة والممات أنفسهما اهـ . ويزاد في الأعمال التي تضاف إلى الموت كل ما يبتدئ ثوابه به كالصدقة الجارية المعلقة على الموت وما يستمر بعده - وإن وجد قبله - كالصدقات الجارية المبتدأة في عهد الحياة ، والتصانيف التي ينتفع بها الناس . وبهذا تكون الآية جامعة لجميع الأعمال الصالحة التي هي غرض المؤمن الموحد من حياته وذخيرته لمماته ، يجعلها خالصة لله رب العالمين . ولفظ الجلالة " الله " و " رب العالمين " لم يكن المشركون يطلقونهما على معبوداتهم ولا معبودات غيرهم المتخذة التي أشركوها مع الخالق سبحانه وتعالى : ، وقد قرأ
نافع ( محياي ) بإسكان الياء إجراء للوصل مجرى الوقف ، وهو مما كان يجري على ألسنة بعض العرب ولا يزال جاريا على ألسنة العراقيين حتى في الشعر .
فتذكر أيها المؤمن أن الذي يوطن نفسه على أن تكون حياته لله ومماته لله ، يتحرى الخير والصلاح والإصلاح في كل عمل من أعماله ويطلب الكمال في ذلك لنفسه ، ليكون قدوة في الحق والخير في الدنيا ، وأهلا لرضوان ربه الأكبر في الآخرة . ثم يتحرى أن يموت ميتة مرضية لله تعالى ، فلا يحرص على الحياة لذاتها ، ولا يخاف الموت فيمنعه الخوف من الجهاد في سبيل الله لإحقاق الحق وإبطال الباطل وإقامة ميزان العدل ، والأخذ على أيدي أهل الجور والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فهذا مقتضى الدين يقوم به من يأخذه بقوة ، ولا يفكر فيه من يكتفون بجعله من قبيل الروابط الجنسية ، والتقاليد الاجتماعية ، فأين أهل المدنية المادية من أهل الدين إذا أقاموه كما أمر الله ؟ أولئك الماديون الذين لا هم لهم في حياتهم إلا التمتع بالشهوات الحيوانية ، والتعديات الوحشية . يعدو الأقوياء منهم على الضعفاء لاستعبادهم ، وتسخيرهم لشهواتهم ومنافعهم . ولكن المنتمين إلى الدين في هذه القرون الأخيرة
[ ص: 216 ] قد تركوا هدايته ، وفتنوا بزينة أهل المدنية المادية وقوتهم . ولم يجاروهم في فنونهم وصناعاتهم ، فخسروا الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين ، ولو اعتصموا بحبله المتين ، وعادوا إلى صراطه المستقيم لنالوا سيادة الدنيا وسعادة الآخرة وذلك هو الفوز العظيم ، وعسى أن يكون الزمان قد أيقظهم من رقادهم ، وهداهم إلى السير على سنن أجدادهم ، وما ذلك على الله بعزيز .
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=29433_29434_28682كَانَتِ الذَّبَائِحُ عِنْدَ الْوَثَنِيِّينَ مِنَ الْعِبَادَاتِ يُقَرِّبُونَهَا لِآلِهَتِهِمْ وَيُهِلُّونَ بِهَا لَهُمْ ، ثُمَّ سَرَى ذَلِكَ إِلَى بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَخَرَجُوا بِقَرَابِينِهِمْ عَمَّا شُرِعَتْ لَهُمْ مِنْ كَفَّارَةٍ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ ، فَصَارُوا يُهِلُّونَ بِهَا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَيُنْذِرُونَهَا لِأُولَئِكَ الْقِدِّيسِينَ ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ عِبَادَةِ الشِّرْكِ ، فَمَنْ فَعَلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ حُكْمُ مَنْ فَعَلَهَا مِنْ أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي تَفْسِيرِ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ " الْآيَةِ : 145 " وَسُورَتَيِ الْبَقَرَةِ " الْآيَةِ : 173 " وَالْمَائِدَةِ " الْآيَةِ : 3 " . وَمَا تَأْوِيلُ بَعْضِ الْمُعَمَّمِينَ لَهُمْ إِلَّا كَتَأْوِيلِ مَنْ سَبَقَهُمْ مِنَ الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ .
وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا
nindex.php?page=treesubj&link=29428وَالْعِبَادَاتُ إِنَّمَا تَمْتَازُ عَلَى الْعَادَاتِ بِالتَّوَجُّهِ فِيهَا إِلَى الْمَعْبُودِ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ وَطَلَبًا لِمَثُوبَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ ، وَكُلُّ مَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْمُصَلِّي أَوِ الذَّابِحُ بِذَلِكَ وَيَقْصِدُ بِهِ تَعْظِيمَهُ فَهُوَ مَعْبُودٌ لَهُ ، سَوَاءٌ عَبَّرَ فَاعِلُهُ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَمْ لَا ، فَالْعِبَادَةُ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِلَّهِ رَبِّ الْعِبَادِ وَخَالِقِهِمْ ، فَإِنْ تَوَجَّهَ أَحَدٌ إِلَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِ مِنْ عِبَادِهِ الْمُكَرَمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّا يُسْتَعْظَمُ خَلْقُهُ كَانَ مُشْرِكًا ، وَاللَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعِبَادَةِ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ .
إِنَّ كَوْنَ الصَّلَاةِ وَالنُّسُكِ لَا يَكُونَانِ فِي الدِّينِ الْحَقِّ إِلَّا خَالِصَيْنِ لِلَّهِ وَحْدَهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ يُعَدُّ
[ ص: 215 ] مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ . وَأَمَّا الْمَحْيَا وَالْمَمَاتُ فَهُمَا مَصْدَرَانِ مِيمِيَّانِ بِمَعْنَى الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ ، وَزَعَمَ
الرَّازِيُّ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِمَا مَعَ الصَّلَاةِ وَالنُّسُكِ لِلَّهِ أَنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ لِذَلِكَ ، وَأَنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِهِ
الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28785أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ وَلَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا تَأْثِيرٌ . وَهَذَا مِنْ أَغْرَبِ مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ السُّخْفِ بِعَصَبِيَّةِ الْمَذْهَبِ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ مُنَافَاةِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=163وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ ) لَهُ ، وَعَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ الْمُوَحِّدُ وَالْمُشْرِكُ ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ فِي بَيَانِ تَقْرِيرِ حَقِيقَةِ التَّوْحِيدِ . وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ حَيَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْتِهِ - وَكَذَا مَنْ تَأَسَّى بِهِ - لِلَّهِ وَحْدَهُ هُوَ أَنَّهُ قَدْ وَجَّهَ وَجْهَهُ وَحَصَرَ نِيَّتَهُ وَعَزْمَهُ فِي حَبْسِ حَيَاتِهِ لِطَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ تَعَالَى ، وَبَذْلِهَا فِي سَبِيلِهِ لِيَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَعِيشُ عَلَيْهِ . وَفِي الْكَشَّافِ أَنَّ مَعْنَاهُ وَمَا آتِيهِ فِي حَيَاتِي وَمَا أَمُوتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ كُلُّهُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . زَادَ
الْبَيْضَاوِيُّ : أَوْ طَاعَاتِ الْحَيَاةِ وَالْخَيْرَاتِ الْمُضَافَةِ إِلَى الْمَمَاتِ كَالْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ أَوِ الْحَيَاةِ وَالْمَمَاتِ أَنْفُسِهِمَا اهـ . وَيُزَادُ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي تُضَافُ إِلَى الْمَوْتِ كُلُّ مَا يَبْتَدِئُ ثَوَابُهُ بِهِ كَالصَّدَقَةِ الْجَارِيَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى الْمَوْتِ وَمَا يَسْتَمِرُّ بَعْدَهُ - وَإِنْ وُجِدَ قَبْلَهُ - كَالصَّدَقَاتِ الْجَارِيَةِ الْمُبْتَدَأَةِ فِي عَهْدِ الْحَيَاةِ ، وَالتَّصَانِيفِ الَّتِي يَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ . وَبِهَذَا تَكُونُ الْآيَةُ جَامِعَةً لِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ غَرَضُ الْمُؤْمِنِ الْمُوَحِّدِ مِنْ حَيَاتِهِ وَذَخِيرَتُهُ لِمَمَاتِهِ ، يَجْعَلُهَا خَالِصَةً لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَلَفْظُ الْجَلَالَةِ " اللَّهُ " وَ " رَبُّ الْعَالَمِينَ " لَمْ يَكُنِ الْمُشْرِكُونَ يُطْلِقُونَهُمَا عَلَى مَعْبُودَاتِهِمْ وَلَا مَعْبُودَاتِ غَيْرِهِمُ الْمُتَّخَذَةِ الَّتِي أَشْرَكُوهَا مَعَ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ، وَقَدْ قَرَأَ
نَافِعٌ ( مَحْيَايْ ) بِإِسْكَانِ الْيَاءِ إِجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ ، وَهُوَ مِمَّا كَانَ يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ وَلَا يَزَالُ جَارِيًا عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِرَاقِيِّينَ حَتَّى فِي الشِّعْرِ .
فَتَذَكَّرْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ أَنَّ الَّذِي يُوَطِّنُ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ تَكُونَ حَيَاتُهُ لِلَّهِ وَمَمَاتُهُ لِلَّهِ ، يَتَحَرَّى الْخَيْرَ وَالصَّلَاحَ وَالْإِصْلَاحَ فِي كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِ وَيَطْلُبُ الْكَمَالَ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ ، لِيَكُونَ قُدْوَةً فِي الْحَقِّ وَالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا ، وَأَهْلًا لِرِضْوَانِ رَبِّهِ الْأَكْبَرِ فِي الْآخِرَةِ . ثُمَّ يَتَحَرَّى أَنْ يَمُوتَ مِيتَةً مُرْضِيَّةً لِلَّهِ تَعَالَى ، فَلَا يَحْرِصُ عَلَى الْحَيَاةِ لِذَاتِهَا ، وَلَا يَخَافُ الْمَوْتَ فَيَمْنَعُهُ الْخَوْفُ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِإِحْقَاقِ الْحَقِّ وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ وَإِقَامَةِ مِيزَانِ الْعَدْلِ ، وَالْأَخْذِ عَلَى أَيْدِي أَهْلِ الْجَوْرِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ . فَهَذَا مُقْتَضَى الدِّينِ يَقُومُ بِهِ مَنْ يَأْخُذُهُ بِقُوَّةٍ ، وَلَا يُفَكِّرُ فِيهِ مَنْ يَكْتَفُونَ بِجَعْلِهِ مِنْ قَبِيلِ الرَّوَابِطِ الْجِنْسِيَّةِ ، وَالتَّقَالِيدِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ ، فَأَيْنَ أَهْلُ الْمَدَنِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ إِذَا أَقَامُوهُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ ؟ أُولَئِكَ الْمَادِّيُّونَ الَّذِينَ لَا هَمَّ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ إِلَّا التَّمَتُّعُ بِالشَّهَوَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ ، وَالتَّعَدِّيَاتُ الْوَحْشِيَّةُ . يَعْدُو الْأَقْوِيَاءُ مِنْهُمْ عَلَى الضُّعَفَاءِ لِاسْتِعْبَادِهِمْ ، وَتَسْخِيرِهِمْ لِشَهَوَاتِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ . وَلَكِنَّ الْمُنْتَمِينَ إِلَى الدِّينِ فِي هَذِهِ الْقُرُونِ الْأَخِيرَةِ
[ ص: 216 ] قَدْ تَرَكُوا هِدَايَتَهُ ، وَفُتِنُوا بِزِينَةِ أَهْلِ الْمَدَنِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ وَقُوَّتِهِمْ . وَلَمْ يُجَارُوهُمْ فِي فُنُونِهِمْ وَصِنَاعَاتِهِمْ ، فَخَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ، وَلَوِ اعْتَصَمُوا بِحَبْلِهِ الْمَتِينِ ، وَعَادُوا إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ لَنَالُوا سِيَادَةَ الدُّنْيَا وَسَعَادَةَ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ الزَّمَانُ قَدْ أَيْقَظَهُمْ مِنْ رُقَادِهِمْ ، وَهَدَاهُمْ إِلَى السَّيْرِ عَلَى سُنَنِ أَجْدَادِهِمْ ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ .