( الأصل العاشر ) أن
nindex.php?page=treesubj&link=30489التحليل والتحريم التعبديان وسائر شرائع العبادة وشعائرها من حق الله على عباده ، فمن وضع لهم حكما من ذلك لم يستند إلى شرع الله الذي أوحاه إلى رسوله فقد افترى على الله وجعل نفسه شريكا له في ربوبيته وأضل الناس بغير علم فهو ضال مضل ، وما جاء به فهو بدعة وضلالة ، وراجع تفسير الآيات 136 - 140 .
( الأصل الحادي عشر ) أن
nindex.php?page=treesubj&link=33212_33220_33217_16989الله تعالى لم يحرم على الناس طعاما يطعمونه إلا الأربعة التي ذكرت بصيغة الحصر في الآية ( 145 ) وهي الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فراجع تحقق الحق في تفسيرها .
( الأصل الثاني عشر ) أن هذه
nindex.php?page=treesubj&link=16906المحرمات تباح للمضطر إليها بشرط ألا يكون باغيا أي مريدا لها ، ولا عاديا أي متجاوزا حد الضرورة إلى التمتع بها . وإذا كان الاضطرار علة هذه الإباحة بشرطها فمثل هذه الأطعمة وغيرها من المحرمات التي يضطر إليها الإنسان لحفظ حياته ، كالاضطرار إلى الخمر أحيانا كما صرحوا به ، وليس منه الزنا لأنه ليس مما يضطر إليه أحد لحفظ حياته .
[ ص: 255 ] ( الأصل الثالث عشر )
nindex.php?page=treesubj&link=19787السياحة والسير في الأرض . فاتنا أن نذكر في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=11قل سيروا في الأرض ) 11 أنه يدل بعمومه على وجوب السياحة وإن جعل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري والبيضاوي الأمر فيه للإباحة . وإنما يجب بالقصد المنصوص في الآيات كما يأتي تفصيله في الأصل التالي لهذا . نعم إن الخطاب في هذه الآية للمشركين المكذبين ، وأن الغرض منه الدلالة على مصداق الآية التي قبلها الناطقة بما حل من عقاب الله بالساخرين من الرسل والمستهزئين بهم من قبلهم ، ولكن
nindex.php?page=treesubj&link=27847العبرة بعموم اللفظ دون السبب الخاص لنزوله والاحتجاج به . وقد تكرر الأمر في الكتاب العزيز بالسير في الأرض والحث عليه . فمنه ما جاء في خطاب المشركين كآية الأنعام ومثلها في النحل والنمل والعنكبوت ويوسف وفاطر وغافر . ومنه ما جاء في خطاب المؤمنين كآية آل عمران ( 3 : 137 ) ومثلها آية سورة الروم ( 30 : 42 ) ومنه ما يحتمل العموم والإطلاق ويؤيد ذلك وصف المؤمنين والمؤمنات في القرآن بالسائحين والسائحات في سورتي التوبة والتحريم ، وإن فسرها بعضهم فيهما بالصيام وهو تأويل بعيد ، وكذا تخصيص سهم من مال الزكاة لأبناء السبيل وهم الرحالون الذين ينقطعون بالأسفار عن أوطانهم ومعاهد كسبهم ، حتى كأن السبيل لكل منهم أبوه وأمه لأنه لا يكاد يفارقه ، وانظر أحكام السفر وفوائده في الأصل التالي .
( الأصل الرابع عشر )
nindex.php?page=treesubj&link=31740_32016النظر في أحوال الأمم وعواقب الأقوام التي كذبت الرسل في أثناء السير في أرضها ورؤية آثارها وسماع أخبارها كما بينا ذلك في تفسير الآية التي استدللنا بها آنفا على الأصل السابق وهي (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=11قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) ( 11 ) . وهذا النظر والاعتبار لا خلاف بين العلماء في وجوبه شرعا ، وكونه مطلوبا لذاته ومقصودا من السياحة والسير في الأرض ، وإنما اختلفوا في السفر نفسه إذا لم يقصد به ذلك ، فذهب بعضهم إلى إباحته كما تقدم وبعضهم إلى وجوبه . والحق أن القرآن قد بين للسفر فوائد أخرى علل بها الأمر به والحث عليه ، وأن الأصل فيه الإباحة ، وقد يكون واجبا إذا كان لأمر واجب كالحج والجهاد الشرعي والنظر والاعتبار الذي هو موضوع هذا الأصل من أصول فوائد سورة الأنعام - وقد يكون مندوبا إذا كان لطلب التوسع في العلوم ، وأما العلم الذي هو فرض عين فالسفر لطلبه إذا تعذر تحصيله بدونه يكون فرض عين .
nindex.php?page=treesubj&link=1790_17756والسفر لطلب العلم الذي هو فرض كفاية ومنه الفنون والصناعات التي يتوقف عليها حفظ البلاد وشئون المعاش والصحة . . . تأثم الأمة كلها إذا لم يقم به من تحصل بهم كفاية الأمة والبلاد . وقد يكون محرما أو مكروها إذا قصد به عمل محرم أو مكروه ، كالذين يسافرون إلى
أوربة لأجل الفسق .
وأجمع الآيات لتكميل النفس بالسفر من طريق الدراية المستفادة بالنظر والاكتشاف
[ ص: 256 ] والاعتبار ، وطريق الرواية والتلقي عن أهل العلم والبصيرة والاختبار قوله تعالى في سورة الحج : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) ( 22 : 46 ) .
وقد نبهت آية آل عمران إلى أصل من أعظم أصول العلم التي تستفاد من السياحة واختبار أحوال الأمم ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=19781العلم بسنن الله في شئون البشر العامة ، المعبر عنه في هذا العصر بعلم الاجتماع وهي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=137قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا ) ( 3 : 137 ) الآية . ونبهت آية العنكبوت إلى أصل آخر وهو البحث فيما يتعلق ببدء الخلق من الآثار ؛ ليكون من فوائده قياس النشأة الآخرة على النشأة الأولى وذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=20قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) ( 29 : 20 ) الآية . ونبهت الآية الأولى من آيتي سورة الروم إلى النظر في أحوال الأمم وآثارها الخاصة بالقوة الحربية وموارد الثروة الزراعية وسائر شئون العمران ، وكيف كان عاقبة ذلك وأسبابه ، ليعلم أن القوة والثروة لا تحول دون هلاك الأمة إذا استحقت ذلك بالظلم وكفر النعمة وهي (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=9أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها ) ( 30 : 9 ) إلخ . وفي معناها آية فاطر ( 35 : 44 ) وهي خاصة بمسألة القوة ، ولكنها جاءت بعد بيان سنة الله في الأولين ، وأن سنن الله لا تبديل لها ولا تحويل ، فهي ترشد بموقعها إلى البحث عن تلك السنن . وفي معناها آيتا سورة غافر ( 40 : 21 و 82 ) فهما ترشدان إلى
nindex.php?page=treesubj&link=19795_28661الاعتبار بقوة الأمم وآثارها في الأرض ، فتزيد على ما قبلها الإرشاد إلى الاستفادة من صناعات الأولين وطرق كسبهم ، والاعتبار بكونها لم تكن واقية لهم مع قوتهم الحربية من عذاب الله إياهم بذنوبهم وكفرهم .
وقد ذكرنا هذه الأمهات من أصول علوم الاجتماع والعمران على سبيل الاستطراد اختصارا ، وهو كاف لتذكير مسلمي هذا العصر بأن
nindex.php?page=treesubj&link=28890القرآن قد أرشد البشر إلى جميع وسائل سعادة الأمم والأفراد في أمري المعاش والمعاد .
( الأصل الخامس عشر )
nindex.php?page=treesubj&link=25987جعل الله الظلم سببا لهلاك الأمم وإبادة الأقوام فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فقطع دابر القوم الذين ظلموا ) ( 45 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47هل يهلك إلا القوم الظالمون ) ( 47 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) ( 82 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=135فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون ) ( 135 ) والظلم أنواع قد بين في هذه السورة بعضها ، والحق أن المراد في مثل هذه الآيات الظلم العام ( راجع تفسير الشاهد الأخير في الآية 135 ) .
( الأصل السادس عشر )
nindex.php?page=treesubj&link=26372_19784الترغيب في علوم الكائنات والإرشاد إلى البحث فيها لمعرفة
[ ص: 257 ] سنن الله وحكمه ، وآياته الكثيرة فيها الدالة على علمه وحكمته ومشيئته وقدرته وفضله ورحمته ، ولأجل الاستفادة على أكمل الوجوه التي ترتقي بها الأمة في معاشها وسيادتها ، وتشكر فضل الله عليها ، وقد جعلنا هذا النوع من هداية السورة أصلا واحدا وهو أصول تتعلق بكثير من العلوم المتعلقة بالمواليد الثلاثة وغيرها ، وإنما غرضنا بذكر هذه الأصول التذكير والإشارة ، ويمكن للقارئ أن يأخذ من هذا الأصل إرشاد القرآن إلى جميع العلوم النباتية والحيوانية والإنسانية - من جسدية ونفسية - والفلكية والجوية والحسابية .
ولو لم يرد في هذه السورة إلا الآيات الخمس المتصلة من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=95إن الله فالق الحب والنوى ) ( 95 ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99لآيات لقوم يؤمنون ) ( 99 ) لكفى ، فراجع تفسيرها في ( ص524 - 537 ج 7 ط الهيئة ) وفي معناها في النبات (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات 141 ) الآيات . ومثلها في الحيوان خاصة آية 38 التي تذكر في الأصل الذي بعد هذا .
( الأصل السابع عشر ) العناية بحفظ أنواع الحيوان والرفق بما سخره الله منها للإنسان ، وبغيره . يؤخذ هذا من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) ( 38 ) فقد استنبط النبي صلى الله عليه وسلم منها
nindex.php?page=treesubj&link=24933حظر قتل الكلاب فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919870لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها " الحديث . رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=5078عبد الله بن مغفل بسند صحيح .
وقد استدلت إحدى الصحابيات بالآية على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=19974الرفق بالحيوان وتحريم تعذيبه كما ذكرناه في تفسيرها ، وذكرنا في المعنى بعض الأحاديث المرفوعة ، وهنالك أحاديث أخرى أبلغ منها معروفة في محلها وراجع تفسير الآية ( ص 326 - 336 ج 7 ط الهيئة ) .
( الأصل الثامن عشر ) إثبات أن
nindex.php?page=treesubj&link=29497_19863الحياة الدنيا ليست إلا لعبا ولهوا ، وأن الحياة الآخرة خير منها للذين يتقون ما أمر الله تعالى الناس باتقائه من الشرك وكفر النعم والظلم والفواحش والمنكرات . والآية 32 نص صريح في ذلك وقد ذكرنا في تفسيرها ما ورد في معناها فراجعه في ( ص 303 - 309 ج 7 ط الهيئة ) .
والمراد من بيان هذه الحقيقة تحذير العاقل من جعل التمتع بشهوات الدنيا كل همه من حياته أو أكبر همه فيها ، وإن وقف في ذلك عند حد المباح من الزينة والطيبات من الرزق ، ولم يضيع ما لله وما لعباده عليه من حق ، على أن هذا لا يكاد يتفق لمن كان ذلك أكبر همه ، ذلك بأن متاع الدنيا قليل ، وأجله قصير ، وهو مشوب بالمنغصات ، وعرضة للآفات ، والذي لا هم له فوقه يسرف فيه فيظلم نفسه ويظلم غيره ، وإننا نرى أهل الحضارة المادية في هذا العصر قد وصلوا إلى درجة رفيعة من العلوم العقلية والأدبية والاجتماعية ولم تكن بصارفة لهم عن
[ ص: 258 ] افتراس أقويائهم لضعفائهم ، فضلا عن الضعفاء الذين هم دونهم في حضارتهم أو من غير أبناء جنسهم ، وقد انتهوا في الخبث والشر والظلم والفتك إلى غاية لم يعرفها تاريخ البشر في أشد المتوحشين جهلا .
( الأصل التاسع عشر ) أن
nindex.php?page=treesubj&link=18775_19102من آداب الإسلام المحتمة أن يتحامى المسلمون سب ما يعبده المشركون حجرا كان أو شجرا أو حيوانا أو إنسانا ؛ لأن ذلك قد يفضي إلى ما هو شر منه ، وهو أن يسب أولئك المشركون الله تعالى عدوا بغير علم على إيمانهم به ، ويثير العداوة ويورث الأحقاد بينهم وبين المسلمين ويكثف الحجاب الذي يحجبهم عن الإسلام على قبح السب في نفسه ، وكونه غير لائق بالمسلم ولا من شأنه ، كما ورد في حديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919871المسلم ليس بسباب ولا لعان " والأصل في هذا الأدب العالي وما يهدي إليه من الآداب الأخرى في المعاملات العامة قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ) ( 108 ) الآية - فراجع تفسيرها في ( ص 553 - 558 ج 7 ط الهيئة ) من آخر الجزء السابع وفيه بحث عصبية المذاهب والأديان ، وما تفضي إليه من الفساد والطغيان ، وما يتعلق بذلك ويرد عليه من الشبهات .
( الأصل العشرون )
nindex.php?page=treesubj&link=28661_28650ابتلاء الناس بعضهم ببعض ، أي جعل ما بينهم من الاختلاف والتفاوت في الصفات والمزايا الوهبية والكسبية مما يختبر به استعداد الأفراد والشعوب في التنافس والمسابقة إلى ما يفضل به بعضهم على بعض ، فمنهم من سلك في ذلك سبيل الحق والخير ومنهم من سلك طرق الباطل والشر ؛ ولذلك ينتهي الاختبار تارة بارتقاء كل من المتنافسين في العلوم والأعمال النافعة . وتارة ينتهي بالرزايا والنكال لكل منهما ، وتارة ينتهي بارتفاع فريق إلى أعلى الدرجات ، وهوي الآخر إلى أسفل الدركات . وكان الواجب على المسلمين أن يكونوا أول المهتدين بهذا الإرشاد الإلهي في منافستهم لغيرهم ومنافسة غيرهم لهم ، وذلك قوله تعالى في آخر السورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم 165 ) فعسى أن يتوبوا ويتوب الله تعالى عليهم ، ويعود برحمته الخاصة عليهم ، فيرفع عنهم ما نزل بهم من الأرزاء ، ويعيد إليهم ما سلبهم من الآلاء ، وهو الغفور الرحيم ، ذو الفضل العظيم .
( الأصل الحادي والعشرون )
nindex.php?page=treesubj&link=27341_19705_19729التوبة الصحيحة مع ما يلزمها من العمل الصالح توجب مغفرة الذنوب ورحمة الرب الغفور ، بإيجابه ذلك على نفسه ، بسننه في خلقه ووعده في كتابه ، لا بتأثير مؤثر ولا إيجاب موجب ولا محاباة شافع ، والآية 54 من هذه السورة نص في هذا الإيجاب الشرعي إذ قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم )
[ ص: 259 ] وأما إيجابها بمقتضى سنن الله تعالى فهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=19704مبدأ التوبة شعور بالألم والامتعاض من الذنب ، والحياء من الله والخوف من سخطه وعقابه عليه ، ولوم النفس الذي يسميه بعضهم توبيخ الضمير ، وهذا يستلزم بسنة الفطرة البشرية تركه والإتيان بعمل يضاده ويذهب بأثره من النفس وقد عرف
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى التوبة : بأنها مركبة من علم وحال وعمل ، فالعلم بقبح المعصية وكونها سببا لسخط الله وعذابه يوجب الحال وهو ألم النفس الذي ذكرناه آنفا . وهذا الحال يوجب العمل الشامل لترك الذنب وتكفيره بالعمل الصالح ولا سيما إذا كان مضادا له . ويراجع تفسير الآية ( ص 375 وما بعدها ج 7 ط الهيئة ) ثم تفسير الآيات التي يحيل عليها في تفصيل المسألة .
وقد أخرنا هذا الأصل لتذكير الأفراد والأقوام من هذه الأمة التي جعل الله تعالى هذا الكتاب إمامها ، بما يجب عليها من التوبة عن مخالفة ما هداها إليه من دين الله القويم وصراطه المستقيم ، وتنكب ما أرشدها إليه من سننه في خلقه .
هذا ما تيسر التذكير به من أصول علوم الدين والدنيا في هذه السورة بقدر ما تذكرناه وقت كتابته . والفكر في بلبال والقلب في آلام ، والزمن غير مساعد على محاولة الاستقصاء على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28741_28899_28900الإحاطة بعلوم القرآن ليست في استطاعة إنسان ، فهي تتجدد في كل زمان ويهب الله منها الأواخر ما لم يهب الأوائل ، ويمنح بعض الضعفاء مالا يمنح الأقوياء . وقد أدمجنا في هذه الأصول وفي الكلام على أركان العقائد الثلاثة قبلها أصولا كثيرة لو بسطت لطال الكلام كأنواع شهادة الله لرسوله بصدقه . ومعجزات القرآن وعلومه المشار إليها في الآيتين 114 ، 115 ، وأعداء الرسل وتغريرهم والانخداع بها في الآيتين قبلهما وهن في أول هذا الجزء وغير ذلك مما ألممنا ببعضه وبهذا نختم تفسير هذه السورة . ونسأله تعالى أن يلهمنا الصواب . ويجعلنا ممن تاب وأناب ، ويوفقنا لإتمام تفسير الكتاب ويؤتينا فيه الحكمة وفصل الخطاب آمين .
( الْأَصْلُ الْعَاشِرُ ) أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30489التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ التَّعَبُدِيَّانِ وَسَائِرَ شَرَائِعِ الْعِبَادَةِ وَشَعَائِرِهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ، فَمَنْ وَضَعَ لَهُمْ حُكْمًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَنِدْ إِلَى شَرْعِ اللَّهِ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَى رَسُولِهِ فَقَدِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ وَجَعَلَ نَفْسَهُ شَرِيكًا لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأَضَلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَهُوَ ضَالٌّ مُضِلٌّ ، وَمَا جَاءَ بِهِ فَهُوَ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ ، وَرَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَاتِ 136 - 140 .
( الْأَصْلُ الْحَادِي عَشَرَ ) أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33212_33220_33217_16989اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى النَّاسِ طَعَامًا يَطْعَمُونَهُ إِلَّا الْأَرْبَعَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ فِي الْآيَةِ ( 145 ) وَهِيَ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَرَاجِعْ تَحَقُّقَ الْحَقِّ فِي تَفْسِيرِهَا .
( الْأَصْلُ الثَّانِيَ عَشَرَ ) أَنَّ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=16906الْمُحَرَّمَاتِ تُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ إِلَيْهَا بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ بَاغِيًا أَيْ مُرِيدًا لَهَا ، وَلَا عَادِيًا أَيْ مُتَجَاوِزًا حَدَّ الضَّرُورَةِ إِلَى التَّمَتُّعِ بِهَا . وَإِذَا كَانَ الِاضْطِرَارُ عِلَّةَ هَذِهِ الْإِبَاحَةِ بِشَرْطِهَا فَمِثْلُ هَذِهِ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي يَضْطَرُّ إِلَيْهَا الْإِنْسَانُ لِحِفْظِ حَيَاتِهِ ، كَالِاضْطِرَارِ إِلَى الْخَمْرِ أَحْيَانًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ ، وَلَيْسَ مِنْهُ الزِّنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُضْطَرُّ إِلَيْهِ أَحَدٌ لِحِفْظِ حَيَاتِهِ .
[ ص: 255 ] ( الْأَصْلُ الثَّالِثَ عَشَرَ )
nindex.php?page=treesubj&link=19787السِّيَاحَةُ وَالسَّيْرُ فِي الْأَرْضِ . فَاتَنَا أَنْ نَذْكُرَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=11قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ) 11 أَنَّهُ يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى وُجُوبِ السِّيَاحَةِ وَإِنْ جَعَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلْإِبَاحَةِ . وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْقَصْدِ الْمَنْصُوصِ فِي الْآيَاتِ كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الْأَصْلِ التَّالِي لِهَذَا . نَعَمْ إِنَّ الْخِطَابَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ ، وَأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الدَّلَالَةُ عَلَى مِصْدَاقِ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا النَّاطِقَةِ بِمَا حَلَّ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ بِالسَّاخِرِينَ مِنَ الرُّسُلِ وَالْمُسْتَهْزِئِينَ بِهِمْ مِنْ قَبْلِهِمْ ، وَلَكِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27847الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ دُونَ السَّبَبِ الْخَاصِّ لِنُزُولِهِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ . وَقَدْ تَكَرَّرَ الْأَمْرُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِالسَّيْرِ فِي الْأَرْضِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ . فَمِنْهُ مَا جَاءَ فِي خِطَابِ الْمُشْرِكِينَ كَآيَةِ الْأَنْعَامِ وَمِثْلِهَا فِي النَّحْلِ وَالنَّمْلِ وَالْعَنْكَبُوتِ وَيُوسُفَ وَفَاطِرٍ وَغَافِرٍ . وَمِنْهُ مَا جَاءَ فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ كَآيَةِ آلِ عِمْرَانَ ( 3 : 137 ) وَمِثْلُهَا آيَةُ سُورَةِ الرُّومِ ( 30 : 42 ) وَمِنْهُ مَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَالْإِطْلَاقَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَصْفُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي الْقُرْآنِ بِالسَّائِحِينَ وَالسَّائِحَاتِ فِي سُورَتَيِ التَّوْبَةِ وَالتَّحْرِيمِ ، وَإِنْ فَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ فِيهِمَا بِالصِّيَامِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ ، وَكَذَا تَخْصِيصُ سَهْمٍ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَهُمُ الرُّحَّالُونَ الَّذِينَ يَنْقَطِعُونَ بِالْأَسْفَارِ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَمَعَاهِدِ كَسْبِهِمْ ، حَتَّى كَأَنَّ السَّبِيلَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُفَارِقُهُ ، وَانْظُرْ أَحْكَامَ السَّفَرِ وَفَوَائِدَهُ فِي الْأَصْلِ التَّالِي .
( الْأَصْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ )
nindex.php?page=treesubj&link=31740_32016النَّظَرُ فِي أَحْوَالِ الْأُمَمِ وَعَوَاقِبِ الْأَقْوَامِ الَّتِي كَذَّبَتِ الرُّسُلَ فِي أَثْنَاءِ السَّيْرِ فِي أَرْضِهَا وَرُؤْيَةِ آثَارِهَا وَسَمَاعِ أَخْبَارِهَا كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّتِي اسْتَدْلَلْنَا بِهَا آنِفًا عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ وَهِيَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=11قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) ( 11 ) . وَهَذَا النَّظَرُ وَالِاعْتِبَارُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهِ شَرْعًا ، وَكَوْنِهِ مَطْلُوبًا لِذَاتِهِ وَمَقْصُودًا مِنَ السِّيَاحَةِ وَالسَّيْرِ فِي الْأَرْضِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي السَّفَرِ نَفْسِهِ إِذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ذَلِكَ ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى إِبَاحَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِهِ . وَالْحَقُّ أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ بَيَّنَ لِلسَّفَرِ فَوَائِدَ أُخْرَى عَلَّلَ بِهَا الْأَمْرَ بِهِ وَالْحَثَّ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْإِبَاحَةُ ، وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا إِذَا كَانَ لِأَمْرٍ وَاجِبٍ كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ الشَّرْعِيِّ وَالنَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعُ هَذَا الْأَصْلِ مِنْ أُصُولِ فَوَائِدِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ - وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إِذَا كَانَ لِطَلَبِ التَّوَسُّعِ فِي الْعُلُومِ ، وَأَمَّا الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ فَالسَّفَرُ لِطَلَبِهِ إِذَا تَعَذَّرَ تَحْصِيلُهُ بِدُونِهِ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=1790_17756وَالسَّفَرُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَمِنْهُ الْفُنُونُ وَالصِّنَاعَاتُ الَّتِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا حِفْظُ الْبِلَادِ وَشُئُونُ الْمَعَاشِ وَالصِّحَّةِ . . . تَأْثَمُ الْأُمَّةُ كُلُّهَا إِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ مَنْ تَحْصُلُ بِهِمْ كِفَايَةُ الْأُمَّةِ وَالْبِلَادِ . وَقَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَكْرُوهًا إِذَا قُصِدَ بِهِ عَمَلٌ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ ، كَالَّذِينَ يُسَافِرُونَ إِلَى
أُورُبَّةَ لِأَجْلِ الْفِسْقِ .
وَأَجْمَعُ الْآيَاتِ لِتَكْمِيلِ النَّفْسِ بِالسَّفَرِ مِنْ طَرِيقِ الدِّرَايَةِ الْمُسْتَفَادَةِ بِالنَّظَرِ وَالِاكْتِشَافِ
[ ص: 256 ] وَالِاعْتِبَارِ ، وَطَرِيقِ الرِّوَايَةِ وَالتَّلَقِّي عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَصِيرَةِ وَالِاخْتِبَارِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=46أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) ( 22 : 46 ) .
وَقَدْ نَبَّهَتْ آيَةُ آلِ عِمْرَانَ إِلَى أَصْلٍ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الْعِلْمِ الَّتِي تُسْتَفَادُ مِنَ السِّيَاحَةِ وَاخْتِبَارِ أَحْوَالِ الْأُمَمِ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=19781الْعِلْمُ بِسُنَنِ اللَّهِ فِي شُئُونِ الْبَشَرِ الْعَامَّةِ ، الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي هَذَا الْعَصْرِ بِعِلْمِ الِاجْتِمَاعِ وَهِيَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=137قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ) ( 3 : 137 ) الْآيَةَ . وَنَبَّهَتْ آيَةُ الْعَنْكَبُوتِ إِلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ الْبَحْثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِبَدْءِ الْخَلْقِ مِنَ الْآثَارِ ؛ لِيَكُونَ مِنْ فَوَائِدِهِ قِيَاسُ النَّشْأَةِ الْآخِرَةِ عَلَى النَّشْأَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=20قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ) ( 29 : 20 ) الْآيَةَ . وَنَبَّهَتِ الْآيَةُ الْأُولَى مِنْ آيَتَيْ سُورَةِ الرُّومِ إِلَى النَّظَرِ فِي أَحْوَالِ الْأُمَمِ وَآثَارِهَا الْخَاصَّةِ بِالْقُوَّةِ الْحَرْبِيَّةِ وَمَوَارِدِ الثَّرْوَةِ الزِّرَاعِيَّةِ وَسَائِرِ شُئُونِ الْعُمْرَانِ ، وَكَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ذَلِكَ وَأَسْبَابُهُ ، لِيُعْلَمَ أَنَّ الْقُوَّةَ وَالثَّرْوَةَ لَا تَحُولُ دُونَ هَلَاكِ الْأُمَّةِ إِذَا اسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ بَالظُّلْمِ وَكُفْرِ النِّعْمَةِ وَهِيَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=9أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا ) ( 30 : 9 ) إِلَخْ . وَفِي مَعْنَاهَا آيَةُ فَاطِرٍ ( 35 : 44 ) وَهِيَ خَاصَّةٌ بِمَسْأَلَةِ الْقُوَّةِ ، وَلَكِنَّهَا جَاءَتْ بَعْدَ بَيَانِ سُنَّةِ اللَّهِ فِي الْأَوَّلِينَ ، وَأَنَّ سُنَنَ اللَّهِ لَا تَبْدِيلَ لَهَا وَلَا تَحْوِيلَ ، فَهِيَ تُرْشِدُ بِمَوْقِعِهَا إِلَى الْبَحْثِ عَنْ تِلْكَ السُّنَنِ . وَفِي مَعْنَاهَا آيَتَا سُورَةِ غَافِرٍ ( 40 : 21 و 82 ) فَهُمَا تُرْشِدَانِ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19795_28661الِاعْتِبَارِ بِقُوَّةِ الْأُمَمِ وَآثَارِهَا فِي الْأَرْضِ ، فَتُزِيدُ عَلَى مَا قَبْلَهَا الْإِرْشَادَ إِلَى الِاسْتِفَادَةِ مِنْ صِنَاعَاتِ الْأَوَّلِينَ وَطُرُقِ كَسْبِهِمْ ، وَالِاعْتِبَارِ بِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ وَاقِيَةً لَهُمْ مَعَ قُوَّتِهِمُ الْحَرْبِيَّةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْأُمَّهَاتِ مِنْ أُصُولِ عُلُومِ الِاجْتِمَاعِ وَالْعُمْرَانِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ اخْتِصَارًا ، وَهُوَ كَافٍ لِتَذْكِيرِ مُسْلِمِي هَذَا الْعَصْرِ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28890الْقُرْآنَ قَدْ أَرْشَدَ الْبَشَرَ إِلَى جَمِيعِ وَسَائِلِ سَعَادَةِ الْأُمَمِ وَالْأَفْرَادِ فِي أَمْرَيِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ .
( الْأَصْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ )
nindex.php?page=treesubj&link=25987جَعَلَ اللَّهُ الظُّلْمَ سَبَبًا لِهَلَاكِ الْأُمَمِ وَإِبَادَةِ الْأَقْوَامِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=45فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) ( 45 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=47هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ) ( 47 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) ( 82 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=135فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) ( 135 ) وَالظُّلْمُ أَنْوَاعٌ قَدْ بُيِّنَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَعْضُهَا ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْآيَاتِ الظُّلْمُ الْعَامُّ ( رَاجِعْ تَفْسِيرَ الشَّاهِدِ الْأَخِيرِ فِي الْآيَةِ 135 ) .
( الْأَصْلُ السَّادِسَ عَشَرَ )
nindex.php?page=treesubj&link=26372_19784التَّرْغِيبُ فِي عُلُومِ الْكَائِنَاتِ وَالْإِرْشَادُ إِلَى الْبَحْثِ فِيهَا لِمَعْرِفَةِ
[ ص: 257 ] سُنَنِ اللَّهِ وَحِكَمِهِ ، وَآيَاتِهِ الْكَثِيرَةِ فِيهَا الدَّالَّةِ عَلَى عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ ، وَلِأَجْلِ الِاسْتِفَادَةِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ الَّتِي تَرْتَقِي بِهَا الْأُمَّةُ فِي مَعَاشِهَا وَسِيَادَتِهَا ، وَتَشْكُرُ فَضْلَ اللَّهِ عَلَيْهَا ، وَقَدْ جَعَلْنَا هَذَا النَّوْعَ مِنْ هِدَايَةِ السُّورَةِ أَصْلًا وَاحِدًا وَهُوَ أَصُولٌ تَتَعَلَّقُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْعُلُومِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَوَالِيدِ الثَّلَاثَةِ وَغَيْرِهَا ، وَإِنَّمَا غَرَضُنَا بِذِكْرِ هَذِهِ الْأُصُولِ التَّذْكِيرُ وَالْإِشَارَةُ ، وَيُمْكِنُ لِلْقَارِئِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ إِرْشَادَ الْقُرْآنِ إِلَى جَمِيعِ الْعُلُومِ النَّبَاتِيَّةِ وَالْحَيَوَانِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ - مِنْ جَسَدِيَّةٍ وَنَفْسِيَّةٍ - وَالْفَلَكِيَّةِ وَالْجَوِّيَّةِ وَالْحِسَابِيَّةِ .
وَلَوْ لَمْ يَرِدْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِلَّا الْآيَاتُ الْخَمْسُ الْمُتَّصِلَةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=95إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ) ( 95 ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( 99 ) لَكَفَى ، فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي ( ص524 - 537 ج 7 ط الْهَيْئَةِ ) وَفِي مَعْنَاهَا فِي النَّبَاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ 141 ) الْآيَاتِ . وَمِثْلُهَا فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً آيَةُ 38 الَّتِي تُذْكَرُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا .
( الْأَصْلُ السَّابِعَ عَشَرَ ) الْعِنَايَةُ بِحِفْظِ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ وَالرِّفْقُ بِمَا سَخَّرَهُ اللَّهُ مِنْهَا لِلْإِنْسَانِ ، وَبِغَيْرِهِ . يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ) ( 38 ) فَقَدِ اسْتَنْبَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا
nindex.php?page=treesubj&link=24933حَظْرَ قَتْلِ الْكِلَابِ فَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919870لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا " الْحَدِيثَ . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=5078عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ .
وَقَدِ اسْتَدَلَّتْ إِحْدَى الصَّحَابِيَّاتِ بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=19974الرِّفْقِ بِالْحَيَوَانِ وَتَحْرِيمِ تَعْذِيبِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِهَا ، وَذَكَرْنَا فِي الْمَعْنَى بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ ، وَهُنَالِكَ أَحَادِيثُ أُخْرَى أَبْلَغُ مِنْهَا مَعْرُوفَةٌ فِي مَحَلِّهَا وَرَاجِعْ تَفْسِيرَ الْآيَةِ ( ص 326 - 336 ج 7 ط الْهَيْئَةِ ) .
( الْأَصْلُ الثَّامِنَ عَشَرَ ) إِثْبَاتُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29497_19863الْحَيَاةَ الدُّنْيَا لَيْسَتْ إِلَّا لَعِبًا وَلَهْوًا ، وَأَنَّ الْحَيَاةَ الْآخِرَةَ خَيْرٌ مِنْهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ بِاتِّقَائِهِ مِنَ الشِّرْكِ وَكُفْرِ النِّعَمِ وَالظُّلْمِ وَالْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ . وَالْآيَةُ 32 نَصٌّ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِهَا مَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا فَرَاجِعْهُ فِي ( ص 303 - 309 ج 7 ط الْهَيْئَةِ ) .
وَالْمُرَادُ مِنْ بَيَانِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ تَحْذِيرُ الْعَاقِلِ مِنْ جَعْلِ التَّمَتُّعِ بِشَهَوَاتِ الدُّنْيَا كُلَّ هَمِّهِ مِنْ حَيَاتِهِ أَوْ أَكْبَرَ هَمِّهِ فِيهَا ، وَإِنْ وَقَفَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ حَدِّ الْمُبَاحِ مِنَ الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ، وَلَمْ يُضَيِّعْ مَا لِلَّهِ وَمَا لِعِبَادِهِ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ ، عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يَكَادُ يَتَّفِقُ لِمَنْ كَانَ ذَلِكَ أَكْبَرَ هَمِّهِ ، ذَلِكَ بِأَنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ، وَأَجَلَهُ قَصِيرٌ ، وَهُوَ مَشُوبٌ بِالْمُنَغِّصَاتِ ، وَعُرْضَةٌ لِلْآفَاتِ ، وَالَّذِي لَا هَمَّ لَهُ فَوْقَهُ يُسْرِفُ فِيهِ فَيَظْلِمُ نَفْسَهُ وَيَظْلِمُ غَيْرَهُ ، وَإِنَّنَا نَرَى أَهْلَ الْحَضَارَةِ الْمَادِّيَّةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ قَدْ وَصَلُوا إِلَى دَرَجَةٍ رَفِيعَةٍ مِنَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْأَدَبِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ وَلَمْ تَكُنْ بِصَارِفَةٍ لَهُمْ عَنْ
[ ص: 258 ] افْتِرَاسِ أَقْوِيَائِهِمْ لِضُعَفَائِهِمْ ، فَضْلًا عَنِ الضُّعَفَاءِ الَّذِينَ هُمْ دُونَهُمْ فِي حَضَارَتِهِمْ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ ، وَقَدِ انْتَهَوْا فِي الْخُبْثِ وَالشَّرِّ وَالظُّلْمِ وَالْفَتْكِ إِلَى غَايَةٍ لَمْ يَعْرِفْهَا تَارِيخُ الْبَشَرِ فِي أَشَدِّ الْمُتَوَحِّشِينَ جَهْلًا .
( الْأَصْلُ التَّاسِعَ عَشَرَ ) أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18775_19102مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ الْمُحَتَّمَةِ أَنْ يَتَحَامَى الْمُسْلِمُونَ سَبَّ مَا يَعْبُدُهُ الْمُشْرِكُونَ حَجَرًا كَانَ أَوْ شَجَرًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ إِنْسَانًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُفْضِي إِلَى مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ ، وَهُوَ أَنْ يَسُبَّ أُولَئِكَ الْمُشْرِكُونَ اللَّهَ تَعَالَى عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِهِ ، وَيُثِيرُ الْعَدَاوَةَ وَيُورِثُ الْأَحْقَادَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيُكَثِّفُ الْحِجَابَ الَّذِي يَحْجُبُهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ عَلَى قُبْحِ السَّبِّ فِي نَفْسِهِ ، وَكَوْنِهِ غَيْرَ لَائِقٍ بِالْمُسْلِمِ وَلَا مِنْ شَأْنِهِ ، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919871الْمُسْلِمُ لَيْسَ بِسَبَّابٍ وَلَا لَعَّانٍ " وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْأَدَبِ الْعَالِي وَمَا يَهْدِي إِلَيْهِ مِنَ الْآدَابِ الْأُخْرَى فِي الْمُعَامَلَاتِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) ( 108 ) الْآيَةَ - فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا فِي ( ص 553 - 558 ج 7 ط الْهَيْئَةِ ) مِنْ آخَرِ الْجُزْءِ السَّابِعِ وَفِيهِ بَحْثُ عَصَبِيَّةِ الْمَذَاهِبِ وَالْأَدْيَانِ ، وَمَا تُفْضِي إِلَيْهِ مِنَ الْفَسَادِ وَالطُّغْيَانِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَيَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الشُّبَهَاتِ .
( الْأَصْلُ الْعِشْرُونَ )
nindex.php?page=treesubj&link=28661_28650ابْتِلَاءُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، أَيْ جَعْلِ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالتَّفَاوُتِ فِي الصِّفَاتِ وَالْمَزَايَا الْوَهْبِيَّةِ وَالْكَسْبِيَّةِ مِمَّا يُخْتَبَرُ بِهِ اسْتِعْدَادُ الْأَفْرَادِ وَالشُّعُوبِ فِي التَّنَافُسِ وَالْمُسَابَقَةِ إِلَى مَا يُفَضَّلُ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ فِي ذَلِكَ سَبِيلَ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ طُرُقَ الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ ؛ وَلِذَلِكَ يَنْتَهِي الِاخْتِبَارُ تَارَةً بِارْتِقَاءِ كُلٍّ مِنَ الْمُتَنَافِسِينَ فِي الْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ . وَتَارَةً يَنْتَهِي بِالرَّزَايَا وَالنَّكَالِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَتَارَةً يَنْتَهِي بِارْتِفَاعِ فَرِيقٍ إِلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ ، وَهَوِيِّ الْآخَرِ إِلَى أَسْفَلِ الدِّرْكَاتِ . وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا أَوَّلَ الْمُهْتَدِينَ بِهَذَا الْإِرْشَادِ الْإِلَهِيِّ فِي مُنَافَسَتِهِمْ لِغَيْرِهِمْ وَمُنَافَسَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=165وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ 165 ) فَعَسَى أَنْ يَتُوبُوا وَيَتُوبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ ، وَيَعُودَ بِرَحْمَتِهِ الْخَاصَّةِ عَلَيْهِمْ ، فَيَرْفَعَ عَنْهُمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْأَرْزَاءِ ، وَيُعِيدَ إِلَيْهِمْ مَا سَلَبَهُمْ مِنَ الْآلَاءِ ، وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ، ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
( الْأَصْلُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ )
nindex.php?page=treesubj&link=27341_19705_19729التَّوْبَةُ الصَّحِيحَةُ مَعَ مَا يَلْزَمُهَا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ تُوجِبُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ وَرَحْمَةَ الرَّبِّ الْغَفُورِ ، بِإِيجَابِهِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ ، بِسُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ وَوَعْدِهِ فِي كِتَابِهِ ، لَا بِتَأْثِيرِ مُؤَثِّرٍ وَلَا إِيجَابِ مُوجِبٍ وَلَا مُحَابَاةِ شَافِعٍ ، وَالْآيَةُ 54 مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ نَصٌّ فِي هَذَا الْإِيجَابِ الشَّرْعِيِّ إِذْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=54كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
[ ص: 259 ] وَأَمَّا إِيجَابُهَا بِمُقْتَضَى سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19704مَبْدَأَ التَّوْبَةِ شُعُورٌ بِالْأَلَمِ وَالِامْتِعَاضُ مِنَ الذَّنْبِ ، وَالْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ وَالْخَوْفُ مِنْ سُخْطِهِ وَعِقَابِهِ عَلَيْهِ ، وَلَوْمِ النَّفْسِ الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ تَوْبِيخَ الضَّمِيرِ ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ بِسُنَّةِ الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ تَرْكَهُ وَالْإِتْيَانَ بِعَمَلٍ يُضَادُّهُ وَيَذْهَبُ بِأَثَرِهِ مِنَ النَّفْسِ وَقَدْ عَرَّفَ
nindex.php?page=showalam&ids=14847أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّوْبَةَ : بِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ عِلْمٍ وَحَالٍ وَعَمَلٍ ، فَالْعِلْمُ بِقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ وَكَوْنِهَا سَبَبًا لِسُخْطِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ يُوجِبُ الْحَالَ وَهُوَ أَلَمُ النَّفْسِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا . وَهَذَا الْحَالُ يُوجِبُ الْعَمَلَ الشَّامِلَ لِتَرْكِ الذَّنْبِ وَتَكْفِيرِهِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مُضَادًّا لَهُ . وَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُ الْآيَةِ ( ص 375 وَمَا بَعْدَهَا ج 7 ط الْهَيْئَةِ ) ثُمَّ تَفْسِيرُ الْآيَاتِ الَّتِي يَحِيلُ عَلَيْهَا فِي تَفْصِيلِ الْمَسْأَلَةِ .
وَقَدْ أَخَّرْنَا هَذَا الْأَصْلَ لِتَذْكِيرِ الْأَفْرَادِ وَالْأَقْوَامِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْكِتَابَ إِمَامَهَا ، بِمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنَ التَّوْبَةِ عَنْ مُخَالَفَةِ مَا هَدَاهَا إِلَيْهِ مِنْ دِينِ اللَّهِ الْقَوِيمِ وَصِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ ، وَتَنْكِبُ مَا أَرْشَدَهَا إِلَيْهِ مِنْ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ .
هَذَا مَا تَيَسَّرَ التَّذْكِيرُ بِهِ مِنْ أُصُولِ عُلُومِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِقَدْرِ مَا تَذَكَّرْنَاهُ وَقْتَ كِتَابَتِهِ . وَالْفِكْرُ فِي بِلْبَالٍ وَالْقَلْبُ فِي آلَامٍ ، وَالزَّمَنُ غَيْرُ مُسَاعِدٍ عَلَى مُحَاوَلَةِ الِاسْتِقْصَاءِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28741_28899_28900الْإِحَاطَةَ بِعُلُومِ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ فِي اسْتِطَاعَةِ إِنْسَانٍ ، فَهِيَ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَيَهَبُ اللَّهُ مِنْهَا الْأَوَاخِرَ مَا لَمْ يَهَبِ الْأَوَائِلَ ، وَيَمْنَحُ بَعْضَ الضُّعَفَاءِ مَالَا يَمْنَحُ الْأَقْوِيَاءَ . وَقَدْ أَدْمَجْنَا فِي هَذِهِ الْأُصُولِ وَفِي الْكَلَامِ عَلَى أَرْكَانِ الْعَقَائِدِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهَا أُصُولًا كَثِيرَةً لَوْ بُسِطَتْ لَطَالَ الْكَلَامُ كَأَنْوَاعِ شَهَادَةِ اللَّهِ لِرَسُولِهِ بِصِدْقِهِ . وَمُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ وَعُلُومِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي الْآيَتَيْنِ 114 ، 115 ، وَأَعْدَاءُ الرُّسُلِ وَتَغْرِيرُهُمْ وَالِانْخِدَاعُ بِهَا فِي الْآيَتَيْنِ قَبْلَهُمَا وَهُنَّ فِي أَوَّلِ هَذَا الْجُزْءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَلْمَمْنَا بِبَعْضِهِ وَبِهَذَا نَخْتِمُ تَفْسِيرَ هَذِهِ السُّورَةِ . وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يُلْهِمَنَا الصَّوَابَ . وَيَجْعَلَنَا مِمَّنْ تَابَ وَأَنَابَ ، وَيُوَفِّقَنَا لِإِتْمَامِ تَفْسِيرِ الْكِتَابِ وَيُؤْتِيَنَا فِيهِ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ آمِينَ .